سحر الكلمة ليه منتصر ليبرالي؟ يمكنني أن ألخص لك في كلمتين لمَ أنا ليبرالي ولكني أريد الإسهاب قليلا حتى تشاركني عزيزي القارىء تجربتي الليبرالية والتي مازالت غضة طرية. ففي البدء كنت قارئا نهمًا للقصص المصوّرة والروايات البوليسية والخيال علمية والفانتازية. وكنت وقتها برفقة والديّ في دولة خليجية شهيرة فتأثرت بالخطاب السلفي الذي يُعلي من شأن الجماعة على حساب الفرد. والنقل على حساب العقل. والمطلق على حساب النسبي. والتدخل على حساب الحرية. والانغلاق على حساب الانفتاح. والسلف على حساب الخلف. ومرّت السنوات وعُدت إلى مصر فهزتني التعددية الفكرية والتي ليس لها مكان في السلفية. وبدأت أتعامل مع مسيحيين وغير ملتزمين دينيا من المسلمين ومع تيارات سياسية شتى وغيرهم من أصحاب الأفكار والمذاهب والعقائد. ثم بدأت مشكلتي الفعلية مع الخطاب الجامد في السلفية عندما قصّرت من طول لحيتي فبدأ أصدقائي السلفيين يتجنبونني باعتباري مخالفا للجماعة ويجب هجري والتبرّؤ مني حتى أعود إلى صوابي ورشدي. ولكنني وجدت أن تقصير اللحية غير ضارّ بالآخرين لذا فحريتي الشخصية تسمح لي بفعل ما أشاء بلحيتي!. ومع ابتعادي اللا اختياري عن السلفيين برغبتهم بدأت أقرأ وأتحاور وأتعامل وأنفتح أكثر مع الآخرين حتى إنني قد قابلت وتحاورت مع أناس لم أكن أتخيل وجودهم أصلا حولي كالملحدين والمثليين والنساء. وبدأت واحدة واحدة أطوّر من أفكاري حتى تكون مناسبة والمجتمع المصري. وبدأت أخفف تدريجيًا من حدة أحكامي على الآخرين وأتقبل الآخر ولا أهدف عند محاورة شخص أيًا كان أن أغلبه بقدر ما أهدف إلى فهمه ومحاولة التقريب فيما بين وجهتيّ نظرنا. اقتصرت هذه المرحلة على التفاعل المحدود عبر الإنترنت فقط حتى قابلت صديقا لم أره منذ سنوات وبعد التحيّات والقبلات أبدى استغرابه من تغيّر شكلي وهيئتي فأخبرته أني قد صرت ليبراليا. يا راجل؟ وزاد استغرابه ثم دعاني لزيارة حزب الجبهة الديمقراطية والذي هو عضو فيه فرحبت بالفكرة فورًا رغبة مني في التعرف بزملائي من الليبراليين ومحاولة تطبيق الفكر الليبرالي في الشارع بين الناس.بعد ذلك ذهبت برفقة صديقي هذا إلى حزب الجبهة حيث عرفت أكثر وأكثر عن الليبرالية. عرفت أنها تعني الحرية. حرية الفرد على الأخص. وعرفت أن مبادئها: الفرد والعدالة والمساواة وتقبل الآخر والتسامح ونبذ العنف. وعرفت أنها تعني الحداثة أي تفضيل الجديد الأنسب والأصلح على القديم البالي في كافة نواحي الحياة فكريًا وعمليًا. وعرفت أن الليبرالية يختلف تطبيقها من مكان إلى آخر بحسب درجة نضج المجتمع فليست الليبرالية نموذجًا مستوردًا جاهزًا من عند الغرب. بل هي ليست دينا ولا مذهبًا أصلا إذا خالفناها كفرنا أو أخطأنا فنحن دعاة الحرية صنعناها وعليه فبحريتنا وبإرادة الناس يمكننا تطويع الليبرالية لخدمتنا. وعرفت أنها مجموعة قواعد تكفل مدنية الدولة وحرية الفرد ونظام السوق الحر الذي يضمن الحرية الاقتصادية المتمثلة في إتاحة تدشين الشركات والمصانع والمنافسة الشريفة والعادلة بغير احتكار. وفي الديمقراطية نرى مساواة كاملة لكافة الجماعات وحتى للأفراد في وسائل الإعلام حيث بإمكانك أن تدعو عبر التلفزيون مثلا الناس إلى الانضمام لحزبك أو لناديك مادامت أفكارك لا تحض على الكراهية ورفض الآخر كما تنص الديمقراطية في أزهى صورها على حرية إنشاء الأحزاب حتى ولو لم تكن على أساس سياسيّ فيمكنك مثلا أن تنشىء حزبًا كل برنامجه يدعو إلى الحفاظ على البيئة ولا علاقة له بالسياسة ثم يمكنك أن تدخل مجلس الشعب بعدد من أعضاء الحزب فإذا نجحوا ضغطت على الحكومة لإصدار قوانين تصون البيئة ضد التلوّث!. باختصار أقول إن الليبرالية هي: حريتك أولا. يحتار الكثيرون بعد استيعابهم للفكر الليبرالي في كيفية نشره بين أوساط الشباب المصريّ بعد نجاحه في وسط المثقفين والمدوّنين. والحقيقة أنه لكي تنشر فكرًا ما عليك أولا أن تؤمن به للدرجة القصوى وبعد ذلك تبسطه تبسيطا شديدًا حتى يستوعبه العامة. أما الخطوة الأخيرة فهي ربط هذا الفكر بقضايا تشغل بال الشارع المصري. فمثلا قضية تلوّث مياه الشرب. بعد أن تنزل مجموعة من الشباب الليبرالي لمعاينة تلوّث المياه بقرية ما ومناقشة أهلها. عليها أن تعد تقريرًا تربط فيه بين هذه القضية وبين الليبرالية. تقرن مثلا تلوّث مياه الشرب بعدم المساواة لأن المناطق الجديدة قد تخلصت تماما من هذه المشكلة ويوصي التقرير بالضغط على الحكومة بما أن الشعب هو مصدر السلطات كما تنصّ على ذلك الديمقراطية. بعد ذلك يقوم الشباب الليبرالي بحث أهالي القرية على تفعيل دورهم السياسي بالانضمام إلى الأحزاب وسرعة عمل البطاقة الانتخابية وأهمية المشاركة الإيجابية للشعب في حل قضاياه المعيشية. بهذه الطريقة ينتشر الفكر الليبرالي بين الشباب الريفيّ وأنصاف المتعلمين الذين لا يختلطون بالنخبة عبر الإنترنت أو مقرات الأحزاب المهجورة أو المطبوعات الورقية. أما عن نشاط الليبراليين عبر الإنترنت فأرى أنه قد تضاعف مرّات عدة خصوصا على الفيس بوك واجتمع الليبراليون على كلمة رجل واحد عقب اندلاع حرب غزة الأخيرة وبالإفراج عن زعيم الليبراليين المصريين أيمن نور مؤخرًا فإن الفكر الليبرالي العلماني الديمقراطي بلا شك قد بدأ يكسب شبابًا جددًا كل يوم مع التنوير بأهمية الليبرالية باعتبارها حرية ذات مسئولية لا تحررًا. علمانية تحترم الأديان لا إلحادًا. رأسمالية رشيدة تنهض باقتصادنا لا احتكارًا. ديمقراطية للجميع لا تعصبا. انفتاحًا على العالم لا تبعية للغرب. أحمد منتصر في ربيع الأول 1430 التسميات: علمانية |