لحضور عقد قراننا في تمام الساعة 6 من يوم الجمعة القادم الموافق 26/6/2009
بمسجد عماد راغب بمدينة 6 أكتوبر - الحي الرابع - محور الكفراوي
أريد أن أسمع تعليقاتكم ونقدكم
المقدمة:
يوم السبت (المقدس والمحرم عند كل اليهود) 27/12/2008، بين عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية عند النصارى ومع احتفالات الغرب بهذه المناسبة، وفي غمرة السنة الهجرية الجديدة وعاشوراء عند المسلمين، وقبل نهاية العام الستين لتوقيع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بدأت إسرائيل حربًا تدميرية على قطاع غزة استمرت حتى 17/1/2009 أي على مدار 23 يومًا من الحرب الجوية والبحرية والبرية في محاولة لإسرائيل لإنهاء حكم حماس في القطاع بعد أن فشلت في تقويض حكم حماس بالحصار. كان الحصار يهدف إلى إسقاط حركة حماس، وإخراجها من الحكومة ومن السلطة الفلسطينية عموما وذلك من خلال إنهاك الحركة معنويًا وأخلاقيًا، ومن خلال تأليب الناس عليها عسى أن يقوموا بتحرك جماهيري يضحي بحماس من أجل لقمة الخبز.
وكان الظن أن حماس ستسقط خلال مدة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر من سيطرتها على غزة، لكن الأشهر مرت وحماس بقيت صامدة، واستطاعت أن تدبر أمورها جيدا في إدارة القطاع وتحقق مزيدا من التأييد على المستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية.
إن الحرب على غزة فضحت جميع الأطراف العربية والدولية، ووضحت الموقف الحقيقي لكل طرف من حقوق الإنسان، إن إسرائيل بهمجيتها ووحشيتها في حربها على غزة وضعت المجتمع الدولي في موقف محرج حين اجتاحت غزة وضربت بعرض الحائط كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية وفي مقدمتها اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين أثناء الحرب، وأظهرت سياسة الكيل بمكيليين الذي يتبعه المجتمع الدولي في تعامله مع القضية الفلسطينية بشكل عام ومع قطاع غزة بشكل خاص.
قبل ذلك، في يوم الاثنين 8/12/2008، أي صباح عيد الأضحى، وقبل الحرب الإسرائيلية على غزة، قدم الاتحاد الأوروبي لإسرائيل أضحية العيد متمثلة باتفاقية ترقية العلاقات معها لتصبح أول دولة في العالم تتمتع بامتيازات العضوية دون أي تكليف أو مسؤولية. هذه الهدية التي قدمها الثنائي ساركوزي-كوشنر في الأيام الأخيرة لرئاسة فرنسا للاتحاد، من هنا كان من الضروري وهو من العارفين الأوائل بمشروع "إنهاء سيطرة حماس على قطاع غزة"، أن ينهي العمل الدبلوماسي قبل انطلاقة القاذفات الإسرائيلية.
وهذه محاولة مني لرصد رد فعل البرلمان الأوروبي من هذه الحرب أثناء وبعد الحرب كمنظمة دولية، تجمع 27 دولة أوروبية وله من السلطات التشريعية والرقابية ما يخوله لأخذ موقف من هذه الحرب، فكان موقفه من الحرب على النحو التالي:
دور البرلمان الأوروبي من الحرب على غزة
2008 - 2009
صمت البرلمان الأوروبي تمامًا أثناء الحرب على غزة، فعلت أصوات المدافع والرصاص والموت عن صوت البرلمان الأوروبي الذي لطالما كان عاليًا في أي انتهاك لحقوق الإنسان من طرف حماس أو أي فصيل مقاوم بفلسطين عمومًا وغزة خصوصًا، والذي لطالما أدان الصواريخ المنطلقة من أرض غزة. ووقف متفرجًا على الأحداث على مدار أيام الحرب الطويلة، في حين كان الزخم الشعبي الأوروبي على أشده، حيث ارتفع صوته مناديًا بوقف الحرب الإسرائيلية على القطاع ومُطالبًا البرلمان الأوروبي بأخذ موقف واضح من هذه الحرب فما كان من البرلمان إلا أن أدلى بتصريح على لسان رئيسه "هانز جيرت بوترينج" دعى فيه الأطراف المتنازعة من احترام المدنيين والحفاظ على أرواحهم.
إلا أن صوت البرلمان الأوروبي كان أكثر وضوحًا بعد أن وضعت الحرب أوزارها على النحو التالي:
1- 1- صدر قرار عن البرلمان الأروبي حول الأوضاع في غزة في 19 فبراير 2009 دعا فيه البرلمان الأوروبي إلى تقويم الدمار الذي أصاب غزة وتقدير حاجيات السكان المدنيين. وطالب النواب في القرار الذي أصدروه، بزيادة المعونات الإنسانية ورفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر فورا ومكافحة تهريب الأسلحة والذخيرة. وصوت على القرار 488 نائبا واعترض عليه 5 واحتفظ 19 نائبا بأصواتهم. ([1])
رغم أن القرار الصادر عن البرلمان الأروبي تناول الاوضاع الإنسانية لقطاع غزة المحاصر منذ تولي حماس إدارته في يونيو 2007 وإلى الآن، وبالرغم مما أصاب القطاع من شلل تام نتيجة الحصار فضلا عن الحرب التي شنتها إسرائيل على القطاع، إلا أننا لم نجد أي إدانة من جانب البرلمان الأروبي للانتهاكات الصارخة التي مارستها إسرائيل على القطاع طوال ما يقارب 22 يوما من الحرب المتواصلة جوًا وبحرًا وبرًا بل حملت حماس المسئولية الكاملة على الدمار الذي لحق بالقطاع وأهله جاء ذلك على لسان "لويس ميشال" المفوض الأروبي للتنمية والمساعدة وكأن حماس هي التي كانت تمتلك الطائرات والزوارق الحربية والدبابات!!، واكتف البيان فقط بالتأكيد على ضرورة استئناف المفاوضات بين الفلسطينين والإسرائيليين. إن سياسة البرلمان الأروبي في الكيل بمكياليين وازدواج المعايير فتغض الطرف عن انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان في حين تؤكد على إرهاب حماس.
2- زار وفد من البرلمان الأوروبي برئاسة هانز جيرت بوترينج، رئيس البرلمان الأوروبي قطاع غزة في 23 فبراير 2009 في أعقاب الحرب الإسرائيلية على القطاع للوقوف على الاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني وليس لمقابلة مسئولين في حركة حماس. وفي هذا الإطار جاء في بيان لرئاسة البرلمان: "إن المهمة الاستطلاعية للوفد في هذه المنطقة ستتمحور بشكل أساسي حول تقييم الحاجات الإنسانية وإعادة إعمار غزة".
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن المسئول الأوروبي قوله: "أنا هنا للاجتماع مع مسئولي رئاسة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (الأونروا) وسألتقي برئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في رام الله، ولم التق بمسئولي حركة حماس". كما زار الوفد البرلماني الأوروبي جمعية الهلال الأحمر في غزة، حيث التقى بعدد من المسئولين فيها.([2])
عززت هذه الزيارة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، حيث ألتقى رئيس البرلمان الأوروبي برئيس الوزراء الغير شرعي سلام فياض، ولم يلتقي في المقابل برئيس الوزراء إسماعيل هنية أو أيًا من ممثلي الحكومة في غزة والتي من المفروض أنها معنية بالاضرار التي لحقت بالقطاع وبتسيير أموره، وبالتالي فإن أي مناقشات تدور بعدين عن حضور الحكومة في القطاع هي بالأساس مفاوضات ومناقشات لا قيمة لها.
بالرغم من أن أدوار البرلمان الأروبي لم تتعدى اصدار قرار وزيارة للقطاع للوقوف على حجم الأضرار الإنسانية، إلا أن هذا الاهتمام بالجانب الإنساني الذي لطالما سمعنا أروبا تنادي به وتتطالب باحترام حقوق الانسان والحفاظ على كرامته، وبالرغم من دعوى الكثير من المنظمات الإنسانية إلي فتح تحقيق حول الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان إلا أننا لانجد أي ردة فعل من البرلمان الأروبي بهذا الخصوص، فلم يصدر ما يدين إسرائيل فضلا عن قطع العلاقات الاقتصادية معها باعتبرها دولة لم تحترم حقوق الإنسان كما نص البند الرابع من اتفاقية جنيف. ويجب أن نلفت النظر هنا إلى أن الاتحاد الأوروبي تضع حماس على قائمة الإرهاب في حين تعزز من علاقتها مع إسرائيل في ازدواجية واضحة لمفاهيم حقوق الإنسان.
3- فيما يخص إعمار قطاع غزة بعد الحرب، دعا البرلمان الأوروبي الأربعاء 18/2/2009 خلال جلسته العمومية في بروكسل الى وضع خطة لاعادة اعمار قطاع غزة. وطالب منسق السياسية الخارجية الاوروبية خافيير سولانا خلال الجلسة بفتح المعابر فورا لايصال المساعدات، مؤكدا ان المصالحة الفلسطينية هي مفتاح السلام والاستقرار والتنمية. ([3])
كما حذر نواب أوروبيون من مغبة تكرار الخطا بعدم التعامل مع حكومة وفاق وطني فلسطيني بمشاركة حركة المقاومة الاسلامية(حماس).
وقد قرر البرلمان الأوروبي تسليم الأموال إلى السلطة الفلسطينية برام الله في مؤتمر صحفي جمع بين رئيس السلطة – المنتهية ولايته – محمود عباس وبين منسق السياسة الخارجية خافيير سولانا برام الله.
رغم التحذيرات التي أطلقها العديد من الخبراء من أنه يجب أشراك حماس في أي قرارات ومفاوضات وعدم تهميشها في اي حوار، إلى أن سياسية البرلمان الأوروبي تضرب بعرض الحائط كل هذه التحذيرات بتسليمها الأموال إلى السلطة الفلسطينية برام الله.
4- لقاء وفد من البرلمان الأوروبي برئيس المكتب السياسي لحماس بدمشق "الأستاذ خالد مشعل" في منتصف مارس 2009. ([4])
تعد هذه الخطوة نقلة نوعية في علاقة البرلمان الأوروبي بحماس، خاصة إذا لاحظنا أن على رأس هذ الوفد "كلير شورت" عضو مجلس العموم البريطاني ووزيرة التعاون الدولي البريطانية السابقة والتي عرفت بمواقفها المناهظة دائمًا لسياسة الغرب مع الشرق الأوسط، فقد شاركت وفدا برلمانيا أوروبيا في زيارة لقطاع غزة وهو تحت الحصار في شهر نوفمبر من العام الماضي 2008 واتهمت شورت الأوربيين أثناء زيارتها بالجبن والعمى عما يحدث للشعب الفلسطيني.
حماس رحبت بالخطوة الأوروبية تجاهها رغم تأخرها، معتبرة أن اللقاءات ليست جديدة لكنها لأول مرة تأخذ الطابع العلني.
وفي تعليق حماس على هذه الخطوة قال علي بركة نائب ممثل حركة حماس في سوريا إن محادثات تلك الوفود لها أهمية كبيرة على ثلاثة مستويات، أولا باعتبارها اعترافًا برلمانيًا أوروبيًا بأن حماس أحد الممثلين الشرعيين للشعب الفلسطيني استنادًا إلى فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006.
ويضيف أن تلك اللقاءات حملت ثانيا اعتراف النواب الزائرين بأن حماس حركة مقاومة وليست منظمة إرهابية كما تحاول إسرائيل والولايات المتحدة وصمها به، وثالثا أن القدوم للاستماع إلى حماس يؤكد فشل سياسيات العزل والحصار التي مارستها واشنطن على الحركة.
لماذا هذا الموقف من أوروبا؟!
وأخيرا، كيف يمكن تفسير هذا الموقف؟ هناك الكثير مما يمكن قوله. ولكن ينبغي أن نلاحظ هنا بعض المسائل الهامة. الأولى هي مسألة الهوية: فإن الرأي العام في الغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي يرى إسرائيل كدولة أوروبية في الشرق الأوسط، أو دولة غربية في قلب العالم الإسلامي. وقد لعبت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، على هذا الوتر، خلال زيارتها لفرنسا، حيث بررت القصف الإسرائيلي على غزة بقولها "إن إسرائيل تدافع عن القيم الغربية". وتعزز وجهة النظر هذه جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في وسائل الإعلام، والقطاع المالي، والأحزاب السياسية، حيث لا يتورعون عن تذكير أوروبا بأن دعم سياسة إسرائيل هو الثمن الذي تدفعه للتكفير عن عمليات الإبادة الجماعية ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أمرين: أولا، لا ينبغي الخلط بين هذه الأقليات من جماعات الضغط وبقية المواطنين من اليهود في أوروبا، والذي يعد جزء منهم من دعاة السلام في منطقة الشرق الأوسط. ثانيا، لقد تغير الرأي العام الأوروبي، في الواقع، في السنوات العشر الأخيرة، حيث تدهورت صورة إسرائيل بسبب سياستها في الأراضي المحتلة.
يمكن للمرء أن يضيف الكثير من التفسيرات، ولكن الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي، من خلال اعتماد هذا الموقف، لا يفعل شيئا من أجل حل الصراع الذي يجري أمامه. ([5])
ما هو الدور المنوط به البرلمان الأروبي:
إن أوروبا، نظرا للمصالح الاقتصادية والجيوسياسية، يمكن أن تؤثر في الواقع على هذا الصراع. كيف؟
أولًا: عن طريق وضعه في سياق القانون الدولي من خلال العودة إلى شرعية الأمم المتحدة. وهذا يعني عمليا: الدعوة لتنظيم مؤتمر دولي تحت إشراف مجلس الأمن.
ثانيًا: استخدام آلية "الشراكة المميزة" (تعليق الاتفاقات الاقتصادية إذا كان القانون الدولي لا يحترم من قبل الدولة التي تستفيد من هذه العلاقة).
ثالثًا: مراقبة استخدام الأموال المرسلة للسلطة الفلسطينية.
رابعًا: الحوار مع حماس.
باختصار، فإن أوروبا يجب أن تكف عن التعامل مع القضايا العربية والإسلامية بمعايير مزدوجة، وأن تسعى إلى تطبيق القانون الدولي بشكل أكثر جدية. في النهاية، نأمل ذلك!
([1]) نقلًا عن موقع يورميد للإعلام http://www.euromedinfo.eu
([2]) نقلًا عن موقع دويتشيه فيله http://www.dw-world.de
فلسطين اليوم-غزة
حكاية ليست من نسج الخيال، وإنما هي قصة حقيقية لشابة أردنية من أصل فلسطيني، تم زفافها إلى عريسها بطريق غير متوقع على الإطلاق.
فالشابة تمكنت من العودة إلى موطنها الأصلي، بعد ارتباطها بشاب غزي، ولم تكن سبيل العودة سوى أحد الأنفاق الممتدة بين قطاع غزة ومصر. إنه الخيار الوحيد الذي تبقى لها بعد أن أُغلقت كل الطرق في وجهها، لتكمل مسيرة حياتها مع زوجها في غزة المحاصرة مع علمها أنها قد لا تغادرها مرة أخرى وقد لا ترى عائلتها ثانية.
تروى العروس إيمان تفاصيل حكاية رحلتها عبر النفق، وهي تُزفّ إلى عريسها بعد انتهاء الحرب بقليل، لتصل إلى غزة متجاوزة كل العقبات والحدود وتلتقي بنصفها الآخر.
وُلدت إيمان (24 عاماً) في الأردن، وعاشت وتربت وترعرعت هناك، وأكملت دراستها الجامعية في تخصص تربية الطفل. وحينما كانت هذه الشابة طفلة صغيرة قامت بعدة زيارات مع والدها لمسقط رأسه في الخليل، لكنها لم تطأ أرض غزة من قبل.
لم يكن يدر بخلد إيمان أنّ قدرها سيسوقها للارتباط بشاب من قطاع غزة المحاصر منذ ثلاث سنوات، والذي يتعرض لعدوان مستمر كانت ذروته مطلع السنة الجارية، في الحرب الضارية التي راح ضحيتها 1400 شهيد والآلاف من الجرحى.
فقبل الحرب بثمانية أشهر تقدم شاب يدعى وائل لخطبتها من والدها، وذلك من خلال أقربائه الذين يعيشون في الأردن. فكان الرفض السريع والقوي من قبل والدها، نظراً لأنّ عريسها هو من غزة، المنطقة المنكوبة في نظره، وكيف سيمكنه أن تبعد ابنته الصغيرة عنه في هذا القطاع المحاصر، والذي يعيش سكانه ظروفاً صعبة للغاية لا يمكن لبشر احتمالها.
الرفض لم يكن نهاية المطاف بالنسبة للأب، أما بالنسبة لإيمان فكانت البداية فقط. لقد حلمت بأن ترتبط بشاب مثل وائل، بعدما عرفت من هو لاحقاً، وأن تعيش في قطاع غزة الذي لطالما سمعت عنه وعن أهله من صمود وتضحيات.
وبعد تكرار طلب خطوبة إيمان مرات ومرات من قبل أقرباء وائل؛ وافق أهلها على مضض، بشرط أن يكون سفرها إليه بطريقة آمنة ورسمية، حتى لا تتعرض لأي مخاطر، وكي يضمنوا أن رؤيتهم لها مرة أخرى.
وبعد الخطوبة التي تمّت عن بُعد لم تنته معاناة إيمان، فقد بدأت فصول جديدة من مواجهة الواقع المرير، حيث اختبار الالتحاق ببيت الزوجية في غزة. كثيرون من محيطها الاجتماعي في الأردن استغربوا هذا الاقتران الذي بدا مستحيلاً للوهلة الأولى.
وتقول إيمان عن هذه المعاناة "عندما أخبرت إحدى صديقاتي المقرّبات مني بأنني سأرتبط بشاب غزي، جرحتني بقولها حينما قالت لي: كيف هان على أهلك أن يرموك هذه الرمية"، وتضيف "منذ تلك اللحظة قرّرت بألاّ أخبر أحد بأنني سأرتبط بشاب" من هذه المنطقة المحاصرة.
ومع بداية الحرب على غزة، نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، عاشت إيمان فصلاً جديداً من فصول المعاناة، وهو خوفها على خطيبها أولاً، ومن ثم خوفها من تراجع والدها عن الخطبة وفسخها، بعدما رأى ما حدث في غزة، ولكنّ الأمور سارت على نحو أفضل.
فقد قالت إيمان والابتسامة ترتسم على وجهها "عند حدوث الحرب على غزة ازداد الاتصال بخطيبي وأهله من قبل أهلي للاطمئنان عليهم، وكنت أجتاز حالة نفسية سيئة للغاية، ولكنّ والدي فاجأني حينها بأنه موافق بشكل نهائي على ارتباطي بهذا الشاب، بعدما كان متردداً في ذلك قبل الحرب".
وأضافت العروس "بعد انتهاء الحرب وانتصار غزة، وبعدما شاهد أهلي وكل العالم قمة الصمود والصبر لأهل غزة؛ استصغرنا جميعاً أنفسنا أمام القمم الموجودة فيها، وحينها قال لي والدي: أهل غزة ضحوا بأبنائهم ومنازلهم وكل ما يملكون وأنا أخاف عليك وأرفض أن أزوجك من شاب غزي!، فأقسم خلالها بأن يوصلني لخطيبي بأي طريقة، فقال لي: سأرسلك لزوجك وما سيحدث لمليون ونصف المليون يحدث لك".
وأكملت إيمان مستذكرة حديث والدها "الجميع يتبرّع لغزة بالمال والمعدّات، ولكني أنا سأتبرع لها بفلذة كبدي وأصغر بناتي، لأزوِّجها لأحد شبابها، فلن أجد أحداً يخاف على ابنتي مثلهم أبناء غزة الذين قدّموا أرواحهم وأغلى ما يملكون وهم يدافعون عن أرضهم وعرضهم وكرامة هذه الأمة". وأضافت إيمان "حينها قام والدي بالاتصال بخطيبي وهنّأه بنصر غزة، وأخبره أنه موافق بشكل نهائي على زواجنا لكن بدون أن يدفع أي مهر".
وطلب والد إيمان بعد ذلك بدء الإجراءات لعقد القران، حيث وكّل وائل أحد أقاربه مطلع شهر شباط (فبراير) 2009، وتم عقد قرانهما في بيت والد إيمان بالأردن، لتبدأ أولى خطوات العروس في طريقها إلى غزة المحاصرة، كي تُزفّ إلى عريسها.
وقالت إيمان "قام وائل بالسعي هنا وهناك للحصول على جواز سفر لي أو حتى لم شمل، وعلى الرغم من سعيه الدائم إلاّ أنّ محاولته باءت بالفشل، وبعدها قرّرت أن آتي إلى غزة عبر أحد الأنفاق، رغم علمي بالمخاطر التي تحفّ تلك الخطوة، لاسيما في ظل القصف المكثف لهذه الأنفاق والذي لم يتوقف حتى بعد انتهاء الحرب"، كما شرحت.
وأضافت العروس "كان الحدث الأصعب على نفسي هو كيف أخبر والدي بالأمر، ولكن وبعد تساؤلات كثيرة بيني وبين نفسي، قرّرت أن أخبره بهذه الفكرة، فرفضها أهلي رفضاً قاطعاً بداية، ولكن وبعد إصراري على ذلك أقنعت والدي بالأمر ووافق على ذلك".
بعدما قطعت إيمان هذه المسافة في إقناع والدها بالموافقة على أن تذهب إلى زوجها عبر أحد الأنفاق بين غزة ومصر، بدأت مرحلة جديدة من مراحل معاناتها، لكنها المرحلة الحاسمة التي ستكفل لها الوصول إلى غزة.
وتستذكر العروس شريط رحلتها الشاقة من عمّان إلى غزة، فتقول "قمت بتجهيز أغراضي الخاصة وحقيبتي، وكنت على يقين بأنني سأصل إلى غزة، فكانت الصلاة والدعاء وتوكلي على الله سبب يقيني". وتابعت إيمان "خرجت أنا ووالدي وزوج أختي يوم السبت السابع من شباط (فبراير) الجاري من الأردن إلى القاهرة، وعند وصولنا القاهرة التقينا بأحد معارف وائل الذي كان قد رتّب ذلك جيداً، ثم خرجنا إلى رفح المصرية عند الحدود، وكانت الطريق طويلةً، فقد قطعنا بالسيارة حوالي خمسمائة كيلومتراً، وكانت الحواجز منتشرة على طول الطريق، فكان كل حاجز يبعد عن الآخر حوالي كيلومترين اثنين على طول الطريق للعريش، أما رفح المصرية فكيلو واحد كان يفصل بين كل حاجز وآخر".
وتشرح العروس ما جرى معها بالقول "على طول الطريق التي أخذت منّا يوماً كاملاً، كان المصحف والدعاء يصاحبني، وعند أحد الحواجز أوقفنا الأمن المصري ووجّه إلينا بعض الأسئلة، وأخبرناهم بأننا نتجه إلى رفح المصرية لزيارة عمتي هناك، فسمحوا لنا بمواصلة الطريق".
وتابعت إيمان "كان الأمن المصري في ذلك اليوم ينتشر بشكل غير طبيعي على الطريق، نتيجة لاكتشافهم نفقاً في تلك الأوقات، وسمعنا في تلك الأثناء دوي انفجارات شديدة، وكنت أشعر في تلك اللحظات بتأنيب الضمير لأنني جعلت والدي يمرّ بكلّ هذه الصعاب لأجلي".
وتكمل إيمان سرد رحلتها فتقول "وصلنا إلى منزل في رفح المصرية، وتم استضافتنا به، ورأيت هناك معاناة حقيقية يحياها أهالي رفح المصرية نتيجة لوجود الأنفاق. ففي ذلك المنزل تواجدت عدة نسوة، جميع أزواجهن مطلوبون للأمن المصري نتيجة لوجود الأنفاق، فسمعت في ذلك المنزل البسيط الكثير من القصص، وكان أكثرها تأثيراً في نفسي حال تلك الزوجة التي تماثلني العمر ولديها طفلان صغيران لكنها منذ أكثر من شهرين لم ترَ زوجها نتيجة لملاحقة الأمن المصري له"، حسب روايتها.
وانتقلت إيمان بعد ذلك إلى فصل آخر من فصول رحلة المعاناة، حيث انطلقت هي ووالدها من المنزل الذي استضافهم إلى المنزل الذي يوجد به النفق، وتقول "سرنا مسافة خمس دقائق، ولكنها بالنسبة لي كانت مسافة طويلة جداً، خمس دقائق من خوف ورعب شديد، كنت كل ما أخشاه أن يعتقلنا الأمن المصري، فكان هذا هو كل ما يدور في مخيلتي في تلك اللحظات".
وبتنهيدة تنمّ عن راحة بعد عناء؛ تكمل إيمان قولها "أخيراً وصلنا، فأنزلوني داخل النفق، فكان كالقبر تماماً لا فرق بينهما، حيث المكان مظلم، لم أرَ شيئاً، فكنت حافية القدمين، وفي آخر النفق كان ضوءٌ خافت أكاد أرى شيئاً منه، فإذا بعريسي وائل يظهر وسط هذا النور الخافت، ينتظرني ليكون اللقاء الأول معه في هذا النفق المعتم".
وتابعت إيمان رواية ما جرى في تلك اللحظات الدقيقة من حياتها "في هذه اللحظة سلمني أبي إلى يد وائل، وأوصاه بيّ كثيراً، وقمت بوداع أبي وانطلقت برفقة وائل. وفي نهاية النفق التفتّ خلفي فوجت والدي يتبعني، فبكيت كثيراً وبكى والدي في تلك اللحظات، وقرّر أن يذهب معي إلى غزة، ولكن نتيجة لإلحاح الجميع عليه للعودة عاد من النفق نفسه الذي أتينا منه".
إلى هنا لن تنتهي فصول حكاية إيمان مع وائل، فتكمل العروس قائلة "من فوهة النفق قاموا بإنزال حبل لمسافة 15 متراً، فكان الحبل بشكل دائري كالأرجوحة، فجلست عليه وقاموا بسحبي إلى أعلى، وأخذت أتخبط بجانبي النفق وأنا أصعد، قبل أن أتنسم هواء قطاع غزة، وأخيراً خرجت إلى النور، فإذا أنا في مدينة رفح الفلسطينية".
وتابعت العروس التي ربما تكون قد دخلت التاريخ في زفافها الاستثنائي هذا "في تلك اللحظات كان هناك صوت طيران (إسرائيلي) وقصف شديد على الشريط الحدودي في منطقة ليست بعيدة عنّا، ولكن بحمد الله انتقلنا إلى السيارة التي سارت بسرعة كبيرة جداً نتيجة للقصف الجوي، وأقلّتني إلي بيتي الجديد".
بعد وصول إيمان إلى غزة والتقائها بزوجها وائل؛ أصر الأخير على أن يقيم لها حفل زفاف في المدينة، رغم أنّ أوضاع الناس صعبة، فكل بيت فيه شهداء وجرحى وآلام. وأضافت العروس أنه تم زفافهما في حفل حضره أقارب وائل، وكانت في قمة السعادة، "ولكن تمنيت لو كانت والدتي ووالدي وأخواتي إلى جانبي، ولكن تم تصوير الحفل بالفيديو وأرسلت نسخة منه إلى عائلتي".
وعن أول ما رأته في غزة؛ تقول إيمان "أول شيء سمعته هو صوت الطيران والقصف، وأول شيء وقع نظري عليه هو صور الدمار والخراب والبيوت المهدمة، وشاهدت أيضاً استخدام أهالي غزة أدوات الطهي القديمة كالبابور (موقد يعمل بالجازولين)، بالإضافة للبطالة المنتشرة في صفوف الشباب نتيجة لحصار غزة".
وأضافت العروس "الجميع تآمر على غزة التي مرة سكانها بمحن لو تعرّضت لها دول عظمى لانهارت في يومين، ولكنّ غزة صبرت رغم كل ما تعرّضت له، ورغم أنّ الجميع سعى لأن يحوِّل هذا الشعب إلى متسول؛ لكني رأيت العزة بوجوه أطفال غزة، بالإضافة إلى التكافل الاجتماعي بين الأسر الغزية بشكل كبير لا يوجد لدى أي مجتمع من المجتمعات"، حسب ملاحظاتها.
وفي ما إذا كانت تخشي الموت في غزة؛ فقالت إيمان "الموت حقيقة لا مفرّ منها، وعندما ينتهي الأجل سأموت سواء في غزة أو في أمريكا أو الأردن أو في أي دولة أخرى، ولكني عندما أموت في غزة شهيدة يكون أشرف لي من أموت مقهورة أبكي أمام شاشات التلفاز على أبناء غزة".
أما عن كيفية تواصلها في الوقت الحالي مع أسرتها بعد مرور أكثر من أسبوعين من تواجدها في غزة فتقول "أتواصل مع أهلي عبر الإنترنت والهاتف، ووالدتي تقول لي إنني أخاف على أختك الموجودة عندي في الأردن ومطمئنةٌ عليك أنت الموجودة في غزة".
إيمان المتخصصة في تربية الأطفال، تدعو الله أن ترزق بـ"الذرية الصالحة"، كي ترتبيهم تربية على حب الوطن، مؤكدة أنه "لا توجد بيئة أفضل من غزة لتعلم بها أبنائها كيف يكونوا رجالاً"، حسب قولها.
رويدك يا هنية من تنادي *** ومن تبغيه ينفر للجهاد
أتبغي ظالماً يقضي الليالي *** مع القينات في حمر النوادي
يهب لنصرة الإسلام؟ كلا *** وربي لا حياة لمن تنادي
تنادي المسلمين فان قومي *** يفوقون الحصى في كل وادي
كمثل الذر لكنا وربي *** غثاء ليس ترهبنا الأعادي
لدينا يا هنية طائرات *** و أسلحة و أنواع العتاد
فما أغنت بأزمتنا ولكن *** رأينا الكفر يمرح في البلاد
نساء الروم جاءتنا لتحمي *** رجالا في الحواضر و البوادي
رويدك إننا في السلم أسد *** وعند الحرب نصبح كالجراد
رويدك لا صلاح الدين فينا *** وما من طارقٍ أو زياد
غرقنا في الحياة حياة دنيا *** تناسينا أخي دار المعاد
أأترك منصبا أفنيت عمري *** على تحصيله و هجرت زادي
ويترك صاحبي زوجا حنونا ***يطيب بقربها سمر الوداد
و يترك ثالث ابنا و بنتا *** هما أغلى من الذهب القلاد
ويترك رابع سوقا وبيعا *** و يترك خامس زرع الحصاد
و نذهب يا هنية في صراع*** ينوء بحمله أهل الرشاد!
فديتك يا هنية والقوافي *** سلاحيَ ضد أرباب الفساد
فديتك لست أقوى غير هذا *** وبعض القول أبلغ من زناد
فداك الخائنون ولاة أمرٍ*** يبيعون البواقي في النفادِ
وراء الكفر قد لهثوا جميعا *** عبيدا يا هنية للأعادي
ألا خابوا ورب البيت طُراً***كما خابت قديما قوم عادِ
وسوف يقرعون غدا وربي*** ويفصل بيننا رب العبادِ
أحبك يا هنية مثل نفسي *** بلى والله حبك في ازدياد
كلمات أعجبتني.. وصلتني على الإيميل.. ولم يذكر من المؤلف..