Sunglasses نظارة شمس

قد تحميها .. قد تعطيها شعورا بالأمان .. قد تزيدها جمالا .. ولكنها حتما تخفى حقيقتها

My Photo
Name: Ahmed Shokeir
Location: Cairo, Egypt
Famous Quotes brought to you by:
Todays-Woman.net

Tuesday, July 14, 2009

آخر يوم دراسة






كانت تقود سيارتها بسرعة شديدة وكأنها تهرب من شيئ ما ، رفعت نظرها إلى مرآة سيارتها لتجده كالعادة يتبعها بسيارته ويكاد يلتصق بها ، هذا المشهد الذي تكرر يومياً ولعدة أشهر منذ بداية العام الدراسي وحتى اليوم .. آخر يوم في الدراسة ، قبل أن تصل للإشارة التي تفصلهما عادة عن بعضهما ويرحل كل منهما في طريق مختلف إلى مقرا عملهما ، إنحرفت على غير العادة إلى شارع جانبي سكني هادئ ، وهدأت سرعتها تدريجياً قبل ان تقف تماماً تحت ظل إحدى الأشجار الكثيفة ، نظرت في المرآة فوجدته وقف بسيارته خلفها وعلى مقربة منها

بعد عدة أيام من بداية السنة الدراسية إعتادت فيها مصاحبة إبنتيها التوأم صباحاً للمدرسة التي إلتحقا بها في عامها الدراسي الإبتدائي الأول ، شعرت بشيئاً غريباً سرعان ماإكتشفت أن هناك من يرقبها ويتبعها بنظراته ، لم يكن إلا هذا الرجل الأنيق في منتصف الثلاثينات الذي دائماً مايرتدي بزته كاملة مع رباطة العنق ، داكن اللون قليلاً ذو وجه رجولي وشارب متوسط الطول ، لم يكن الرجل يفعل أكثر من متابعته لها بنظرات يحاول إخفائها أحياناً بنظارته الشمسية وهو يقوم بمصاحبة إبنه لنفس المدرسة قبل أن يتبعها بسيارته ذات الدفع الرباعي حتى إشارة الإنفصال ، أزعجها تكرار المشهد يومياً دون حدوث أي تغيير بصورة جعلتها تسترجع هذا الطالب الذي كان يتتبعها سيراً على الأقدام يومياً وهي في طريقها لمدرستها الثانوية للبنات ، وهو في طريقة إلى مدرسته الثانوية لمدة عامين كاملين دون ملل أو كلل ، كان ينتظرها خلف ساق شجرة ذات أغصان سميكة وأوراق خضراء صيفاً وشتاء وجذور ضاربة في القدم حتى مجيئها صباحاً فيتتبعها حتى تصل لمدرستها ثم يواصل طريقه إلى مدرسته ، لم تتغير طريقته طوال العامان ولم يبدو منه أي محاولة منه لحدوث أي تقدم في هذا الوضع ، كانت تحاول تفادي الغياب عن الذهاب للمدرسة حيث أنها باتت متيقنة أن اليوم الذي تغيبه عن الدراسة لن يستطيع اللحاق بمدرسته لتأخره في إنتظارها ، حتى أنهت دراستها الثانوية ومن يومها لم تعد تراه ورحل دون ان تعرف عنه شيئاً ، تتذكره أحيانا عندما تذهب لزيارة والدتها وتمر من أمام الشجرة ، ولكنها أصبحت تتذكره يوميا كل صباح عندما يتابعها هذا الرجل الثلاثيني الوقور

اليوم هو اليوم الدراسي الأخير لإبنتيها وهاهي رحلة المتابعة اليومية توشك على الإنتهاء في يومها الأخير ، إستنكرت سيناريو المراهقة التي عاشته سابقاً على رجل الثلاثينات ، كانت تعلم أنه يفرقها عما يسميه البعض بأزمة منتصف العمر عشر سنوات ، ولكنها كانت تدرك أنها تعانيه بين جنبات زوج أناني غير محب ، كانت تناجي الحب ولكن بينها وبين خيالها فهي تعلم بقسوة الواقع ، تساءلت بينها وبين نفسها عمّا يريده هذا الرجل وهل الإعجاب يصل إلى تلك الدرجة من الإنشغال ، وهل يبتغي هذا الرجل حباً خيالياً يحاول أن يجعله واقعياً في مراقبته اليومية لها ، كانت تدرك أنه متزوج يوم أن رأته مع إبنه وزوجته عصراً في أحد المراكز التجارية التسوقية ، إرتبكت كثيراً وهي بصحبة زوجها كما إرتبك هو عندما رآها وهو بصحبة زوجته المنتقبة ، إندهشت وقتها فلم يكن يتوافق شكله وطريقته وملابسه مع شكل زوجته

لاتدري لماذا شعرت أن الشجرة التي وقفت أسفلها تشبه تماماً تلك الشجرة العتيقة التي كانت تمر من أمامها ، وكأن القدر يريد أن يستكمل حدوتة سابقة لم تنتهي نهاية طبيعية ، ثوانٍ مرت وهي تنظر في المرآة حتى تحرك الحجر خارجاً من سيارته ذات الدفع الرباعي مترجلاً في إتجاه باب سيارتها الأمامي ، إبتسمت إبتسامة صغيرة في المرآة الجانبية تعبر عن خيبة أمل وهو يقترب بعدما أدركت أنه ليس هذا هو طالب المراهقة .. هذا يحدث في الروايات فقط ، بيد مرتعشة أمسك بمقبض الباب وإنحنى قليلا ليطل وجه جميلاً أصبح أكثر إحمراراً من الخجل ، وبكلمات متعلثمة تأبى الخروج يعتذر لها عن المضايقة ويأسف على إزعاجه لها بمضايقتها ، قالها وهي تشعر أن الأرض تتلاعب به تحت قدميه ، إبتسمت إبتسامة خفيفة تحاول بها أن تزيل بعض من التوتر الذي إنتابها هي الأخرى ، ثم صمت وظلت صامتة حتى طلب منها أن تسامحه فهو ليس ذلك النوع من الرجال الذي يتعود أن يقوم بمعاكسة السيدات ، إبتسمت تلك المرة وهي تراه يقول ماكانت تتوقعه منه فلم يكذب حدثها ، كانت تتوقع ماسوف يقوله ولكنها لم تكن تعرف كيف سيكون ردها ، إستفسرت منه عما يريد قال لها أن يشعر بإرتياح كبير تجاهها ، وكل مايريده فقط أن يحادثها ، كانت هي الأخرى تشعر بدقات قلبها تزداد سرعة وسط مشاعر مراهقة تملكتها ، إستجمعت شجاعتها وإعتذرت له عندما طلب منها رقم هاتفها وقالت له لا الظروف ولا الزمن ولا الحياة تسمح لنا للأسف بأن يكون بيننا كلام ، بخيبة أمل إعتذر لها وتأسف على إزعاجها راجياً أن تمنحه فقط فرصة رؤيتها ، قالت له بصوت شبه مخنوق .. الشارع ملك للجميع ولن أستطيع أن أمنع أحداً ، عاد من حيث جاء ورمقته بنظرة أخيرة وجدته يتعثر بالطريق قليلاً قبل أن يصل لسيارته

عادت بسيارتها من الطريق الفرعي إلى الطريق الرئيسي وغيرت وضع المرآه لتفادى رؤيته ، رأت وجهها في المرآة فحدقت في صورة عينها وعلى وجهها إبتسامة شاحبة تعبر عن ثقتها في إنتصارها على نفسها ، بصمت وتحدي أطالت النظر قليلاً فوجدت دمعة تولدت بين جنبات عينيها ، وصلت لإشارة الفراق وأعادت وضع المرآة لوضعها الطبيعي .. بحثت عنه فيها فلم تجده ... برغم الزحام المحيط بها شعرت بالوحشة

Monday, March 16, 2009

المنصورة .. رايح جاي


رحلة إلى الماضي


قررت أن تستريح من عناء قيادة السيارة لتستمتع برؤية جنبات الطريق كي تسترجع أيام الحرية ، أيام ماكانت طالبة مغتربة في جامعة المنصورة ، وجدت بصعوبة موقف لسيارتها في شارع الجلاء بالقاهرة قبل أن تستقل الأتوبيس المنطلق لمدينة الذكريات ، إنتظرت قليلاً في محطة الأتوبيس حتى جاء رجل عجوز أشيب وجدته مناسباً لأن تقف خلفه في الطابور الذي ينتهي بشباك التذاكر ، بذلك تضمن أن تجلس بجوار شخص لن يتقرب لها أو يحادثها حديث خائب يمنعها عن الإستغراق في أحلام الطريق مع الماضي ، الماضي الذي بدأت تستعيده في وجه محصل شباك التذاكر القابع على مقعده منذ كانت طالبة وكأن الزمن توقف عنده كما تتمنى لو توقف هو الآخر عندها ، على غير عادة المسافرات منفردات أخذت موقعها بجوار نافذة الأتوبيس القابع في إنتظار لحظة الإنطلاق

أخذت ترقب الرجل العجوز رفيق الطريق من النافذة وهو يحتسي زجاجة مياة غازية مع قطعة بسكويت يلوكها بدون أسنان فتمتد شفتيه للأمام والخلف بطريقة كوميدية دفعتها للإبتسام ، إنكمشت في مقعدها كي توفر مساحة كافية للعجوز الذي أخذ طريقه للصعود بصورة لا تجعله يتلامس معها حيث كانت تنفر ملامسة أي جسد رجل لها بشكل مبالغ فيه ، تعداها الرجل وجلس في مقعد آخر يبعد عنها مسافة مقعدين في نفس اللحظة التي جاء القدر ليجد له مكاناً متمثلاً في حاتم رجلاً وقوراً في منتصف الثلاثينات تأففت على أثره ريهام موليه وجهها ناحية النافذة تفادياً لأي محاولة تعارف ، تحركت المركبة حتى وصلت بداية الطريق الزراعي الذي تغير كثيراً وحلت فيه كتل أسمنية قبيحة مكان مساحات ريفية خضراء ، دفعت ريهام لتغير وجهة نظرها لترمق بطرف عينيها الجالس بجوارها ولأول مرة تنتبه لحاتم

بالفعل إنه حاتم زميل درستها خلال أربعة أعوام في كلية الآداب إكتشفت لاحقا أنهما كانا من أفضل أعوامها ، كانت يومها فتاة مرحة منطلقة محط أنظار وإعجاب زملائها ومن بينهم حاتم ، تعود لتنظر بالنافذة لتتذكر هذا اليوم الذي تعتقد أنه كان اسوأ أيام حاتم على الإطلاق ، عندما حاول أن يعرب عن إعجابه بها في محاولة تشييد علاقة عاطفية مثل معظم الفتيات والشباب الذي يرتبط معظمهم بعلاقة خاصة مع زميل أو زميلة ، لم يكن يدرك وقتها أنها مرتبطة بهاني تلك العلاقة التي فشلت مثل فشل علاقات جميع قريناتها ، تتذكر إهانة هاني القاسية له في نفس اليوم عندما وبخه وسخر منه أمام الطلبة والطالبات بصورة وقحة عقدت لسان حاتم ، فلم يكن رده سوى نظرة لوم وتأنيب لها مازالت تتذكر حدتها بالرغم من عدم إكتراثها وقتها ، نظرت ريهام لحاتم الجالس بجوارها بطرف عينيها مرة أخرى عسى أن تجد منه أي نظرة يستطيع من خلالها أن يتعرف عليها ، ولكن كانت عينيه مثبته على صفحات كتاب إضطرت أن تنظر له بطريقة صريحة لتتبين عنوانه ، لمحت على الكتاب إسم ألبير كامي والعنوان كان "الغريب" ، إبتسمت للمصادفة محدثة نفسها أمازال هذا الرجل يقرأ أدب عالمي مع صراع الحياة اليومي ، تذكرت أنها هجرت القراءة يوم أصبحت زوجة لرجل سلبي مادي بخيل لايقل بخله عن شحه العاطفي معها ، تذكرت أن حاتم غاب عن الكلية لمدة إسبوعين كاملين عقب يومه الأسود وبعدها لم تره إلا على فترات متباعدة وكان دائماً يشيح بوجهه للجهة الأخرى إذا ما تلاقت الأعين ، وكأن حاتم مازال على عهده حتى اليوم في ألا ينظر لها

تسائلت ريهام عن من تكون زوجته .. جميلة أم دميمة ، محجبة أم متبرجة ، تعمل أم ربة منزل .. رسمت لها صورة ترضيها في هيئة ربة منزل ذات صلة قرابة مترهلة كئيبة متسلطة ، مع حركة المركبة المتهدهدة تبددت أمنيتها أن يتعرف عليها عندما أدركت أن يغط في نوم عميق دون صدور هذا الصوت التي إعتادت عليه منذ أصبحت تحمل لقب زوجة عندما يشرع شريك حياتها في النوم ، نومه العميق جعلها تتأمله دون تلصص وجدته وسيماً لم يغير النوم من قسمات وجهه المريحة ، لم يترهل وجهه ولم يفتح فمه مثلما إعتادت أن ترى شريكها ، عدلت من إتجاه وجهها للأمام عندما سمعت صوت هاتفه المحمول برنة تقليدية خافتة تشبه صوت رنة تليفون المنزل ، من المكالمة وبالرغم من صوته الخافض إستطاعت أن تدرك أنه هو الآخر في زيارة إستثنائية تنتهي في مغرب هذا اليوم بعدما ترك سيارته هو الآخر في القاهرة ليتفادى أعباء القيادة ، وكانت كلمة سر العودة تكمن في الساعة السادسة ، توقف الأتوبيس في نهاية الرحلة وقف بجوارها متأهباً للنزول وإلتفت إليها لأول مرة بوجه يحمل إبتسامة هادئة تزيل عناء الدنيا موجهاً حديثه لها في ستة كلمات " حمد الله على السلامة يامدام ريهام " ، أقعدتها المفاجأة عن الرد وعندما بادرت بالرد كان قد إختفى أثره وكأنه كان حلم

في جامعتها أمضت بعض الوقت في إسترجاع ذكريات الماضي وهي تنهي إجراءات إستخراج صورة من شهادة التخرج لعملها الجديد بعدما فقدت نسختها منذ أعوام طويلة ، جميلة هي الجامعة لم تتغير مثلما تغيرت أشياء كثيرة جميلة ، كانت ترى جامعتها أجمل الجامعات لازالت على عهدها جميلة ساحرة شابة نظيفة أنيقة ، لكنها لاحظت التغيير في شكل وملبس ووجوه الطلبة والطالبات ، لم يكن الحجاب ولم تكن اللحي بتلك الكثرة ، ولم يكن الإبتذال والتعاملات بهذا السوء ، أشرفت الساعة على الواحدة ظهراً عندما أنهت مهمتها وعلى وجهها إبتسامة عندما وجدت حرف د. معلق على يافطة إحدى الحجرات يسبق إسم زميلة لها كانت يوماً تتيم حباً بهاني الصعلوك الذي إرتبطت به مدة دراستها ، لم تتخذ ريهام وجهتها الطبيعية لمحطة الأتوبيس ولكنها إستغلت الساعات المتبقية بالسير على كورنيش المنصورة والمشاية السفلية حتى قادتها قدماها إلى شارع السكة الجديدة التي كانت منتزهها يوماً ما مع هاني الصعلوك كما لقبته في آخر لقاء بينهما

مر الوقت ببطء وهي تتسائل عن ماذا تريده من طيف حاتم ، لم تصل لإجابة سوى أنها تريد محادثته وتبادل الكلام معه وكأنها تنتظر أن تسمع إعادة لكلمات الإطراء التي صدتها يوماً ما ، قبل السادسة بثلث ساعة كانت هناك تقف بجوار الطابور تحاول أن تشغل نفسها بالعبث بهاتفها المحمول حتى يصل حاتم ، حضر الرجل .. ليس حاتم ولكنه هذا العجوز الأشيب وكأنه إتفق معهما على العودة ، قارب الأتوبيس على التحرك ولم يأتي الماضي الجميل ، وبدأ السائق في النداء بالتحرك .. تحركت بقلب يائس تحصل على تذكرة العودة ، وجدت مقعدها بجوار الرجل العجوز الأشيب الذي يلوك قطعة البسكويت بدون أسنان فتمتد شفتيه للأمام والخلف .. ولكنها لم تبتسم ، أخذت مقعدها بجوار النافذة في الوقت الذي بدأ يحادثها الرجل العجوز الذي لم يصعب عليها إكتشاف أنه متصابي

دفست وجهها بزجاج النافذة لتترك دمعة تنسدل من عينها لاتدري سبب خاص لها إلا أنها تحوي تراكمات وحنين لماضي ولّى ، وبينما تبدأ عجلات المركبة في التحرك .. شاهدت شبحه في بدايات ضوء الليل الخافت مترجلاً ، إنتفضت من مقعدها طالبة من السائق النزول وسط دهشة الجميع ، نزلت إلى الطريق غير مكترثة أنه آخر أتوبيس ينطلق من المحطة متوجها للقاهرة وإقتربت منه وإكتشفت ... أنه شخص آخر يشبهه

نظرت للأتوبيس المتحرك فلم ترى منه إلا شبحاً .. دمعة جديدة تلألأت في عينيها ولكنها تحجرت

Friday, October 31, 2008

هواء بارد


هواء بارد



كأن السماء تترفق بها فتؤجل غيومها الداكنة الملبدة في أن تمطرعليها حتى تعود منزلها مع الدقائق الأخيرة من النهار ، كانت تسير بالشارع الخالي من المارة بين أشجار المعادي تتجه بأنظارها ناحية الفيلا التي يعمل بها لعلها تستطيع أن تراه من خلال نافذة مكتبه ، إكتفت بأشباح خيلاته بعدما تيقنت أنها له عندما وجدت سيارته مازالت أسفل الفيلا وعادت من حيث أتت ، لم تكن المرة الأولى فقد أدمنت هذه الرحلة المقدسة وكأنها صلاتها التي تشعر بعدها بالراحة النفسية فتركن إلي الماضي القريب ، عندما شعرت بالحب تجاهه .. هذا الحب الذي أخفى عنها مشاعره الحقيقة تجاهها ، ضللتها شخصيته الهادئة الدافئة الباسمة والتي كانت دافعاً لحبها له عن حقيقة مشاعره لها ، فلم تكن بالنسبة لأسامة سوى صديقة مثل أي صديقة

تمر بجوار كافيه جرين ميل حيث كان لقائهما الأول مع مجموعة من الأصدقاء كان هو البارز بينهم بحضوره ولباقته وأناقته ، لم ينتهي اللقاء إلا وهما وحدهما بعدما إنسحب الأصدقاء واحداً تلو الآخر ، تبادلا الهواتف وتعددت اللقاءات فرادى وجماعات ، إزدادت منه قرباً وهامت به حباً ، تبرق السماء وهي في مشوار عودتها وكأن غيومها تنبهها بأنها لن تستطيع أن تطيل صبرها على سذاجتها أو أحلامها .. لايهم ، البرق يجعل جسدها يقشعر مثلما حدث عندما لمست يده يدها أول مرة وهما يعبران الطريق ، عبرت الطريق وحدها هذه المرة وهي تتذكر لحظة أن نطق بإسمها .. إسم الفتاة التي يحبها ، لم يكن الإسم يحمل أي حرف من حروف إسمها وكأنما يؤكد على عدم وجودها في حياته ، وقتها كرهت الإسم وكرهت الصداقة وكرهت الكلام وكرهت ضعفها ولكنها لم تكرهه ، دون إتفاق مسبق إنسحبت وإنسحب ولم ينسحب حبها ... دلفت منزلها صامتة تكورت في أحد أركان فراشها تستكمل نوافل صلاتها مع أوهام ذكرياتها بقلب يتحرّق شوقاً

الآن وبعد عامين إستقرت نفسيا وأوقفت رحلتها المقدسة ، ولم تعد تمانع خطيبها في الجلوس بكافيه جرين ميل بعد أن إستشعرت كم كان إحسان حكيماً في مقولة في حياة كل منا وهم إسمه الحب الأول ، دفأ المقهى في هذا الجو الممطر إنتقل لقلبها الذي برأ من جراح ذكريات مراهقة ، بضحكة طفولية كانت تعدو سلم المقهى خارجة منه مع خطيبها هرباً من قطرات المطر نحو السيارة حينما إلتقطت عينيها من خلال برق الغيوم خيالات ظل هادئ دافئ أنيق تألفه عينيها بين الأشجار يتابعها ، أدارت رأسها للخلف تتابعه بعيون زائغة ووجه غابت عنه كل التعبيرات من صدمة المفاجأة حتى إستقلت السيارة ، تكاد قطرات المطر على زجاج نافذة السيارة تخفي خيالاته وهو يبتسم لها إبتسامته المعتادة ، تعدو السيارة تقلهما ولكنها تستبقي روحها هناك بين الأشجار وبجوار المقهى وتحت الأمطار مع الخيالات تحتضنه فيعتصرها ويغيبا معاً في قبلة طويلة قبل أن ينظرا لبعضهما وتتلاقى أعينهما فيضحكان ويبكيان في ذات الوقت .. برقة تمسح أنامل كل منهما دموع الآخر ، يهم بالكلام تضع يدها على فمه .. فلا وقت ولا معنى للكلمات ، تمر السيارة التي تحمل جسداً خالياً من الروح مع خطيبها بجوار إحدى الفيلات ترى سيارته أسفلها تفتح زجاج السيارة فتشعر بلفحة هواء باردة ، تنظر لأعلى لترى وجه أسامة بوضوح من خلف زجاج نافذه مكتبه

Monday, October 22, 2007

نظرات

نظرات




كانت تراقبه من خلال بخار كوب اللاتيه الساخن الذي أحضره له النادل في المقهى الراقي الذي كاد يغيب عنه الزوار في هذا الوقت بعد قليل من ساعة العصر ، إستنتجت هادية أنه زبون دائم للمقهى طالما يطلب أفضل ماتجود به القائمة ، لم يكن يبعد عنها إلا بمسافة طاولة واحدة خالية إستطاعت من خلالها أن تعيد إكتشافه فهو يبدو أنه أكبر منها بعشر سنوات حيث ملامحه تشير إلى أنه في منتصف الثلاثينات ، أناقته الواضحه تبعث عليه جمالاً خاصاً ، ساعة يده تشير إلى أنه ودع الفقر منذ قرون ، عطره النفاذ المنتشر بالمكان جعلها تستنشق فيه لأول مرة رائحة من يشاركها فراشها دون أن تنفر منه ، كانت مشكلتها الدائمة أنها لاتستطيع أن تنام بجوار أحد حتى لو كانت شقيقتها التي تصغرها بعامين فكانت فكرة أن ينام بجوارها رجل صعبة القبول وهاهو يأتي بسحر رائحته لتقبل الفكرة المستحيلة

أشاحت بوجهها عندما إكتشفت أنها اطالت النظر إليه بالرغم من عدم تلاقي نظراتهما قط ، شعرت أنه ينظر إليها فلم تنظر إليه حتى تعطيه الفرصة ليتفحصها مثلما أتاحها لها ، ثم مالبثت أن قررت مفاجأته بالنظر إليه لتنتقل للمرحلة التالية ، نظرت له نظرة حانقة عندما إكتشفت أنه ينظر على النافذة خلف مقعدها ، سريعاً تبدلت تعبيرات وجهها عندما حول بصره عليها بإبتسامه هادئة خجولة سريعة بادلتها بإبتسامة واسعة لم تفلح في أن تجعلها خجولة ، كانت نغمة هاتفه المحمول العادية تشير إلى أنه شخصية واثقة ومتزنة ، أتاح إنشغاله بالمكالمة أن تعيد تفحصه من جديد بينما يتسرب إلى مسامعها حوار بلغة فرنسية رقيقة سليمة لاتجيدها

تأخر صديقتها ناهد ساعدها في أن تمارس لعبة النظرات .... التي كانت تجيدها بتفوق بارع ، كانت عينيها تسأله أهذه فتاة ... فؤجئت به وهو يتحدث يحرك وجهه بالنفي ، سألته بعينيها هل أنت متزوج أفرد أصابع يديه اليسرى الخالية من أي أثار للزواج .... إسمك إيه ؟ هكذا كانت نظرتها التالية متسائلة ، لم تكن تعلم أنها تجيد الكلام بلغة العيون بهذا الحد عندما رد على محدثه بلكنة واضحة مجيباً إياها ... عادل

تلاشت سخونة كوب اللاتيه لتنتقل إلى عيونه التي تسألها وهو يرشف رشفته الأولى من أين لك بهذه الجاذبية ، إبتسمت خجلاً ولم تجبه ، إنزعجت وهي تقرأ الجملة التالية في عينيه ، أريد ان آخذك بين أحضاني في قبلة طويلة ، أعادت قرائتها مرة أخرى بعد لحظات عسى ان تكون قد أخطأت السمع لتجده يكرر مايقوله ، وأنا ياحبيبي أشتهيك زوجا لي بين أحضانك ، هذا ما نطقت به عينيها ولم تستطع أن تخفيه للحظات قبل وصول ناهد التي جلست أمامها لتغلق تماما حديث العيون

هذا أفضل .. هكذا ترجمت ماتقوله عينيه عندما تحركت بمقعدها جانباً يتيح لها رؤيته بعدما أغلقت ناهد عليها نوافذ الحياة ، بينما ناهد تحدثها حديثا لم تعي منه شيئا كان ذهنها مشغولا كيف تعبر عينيها عن جملتها التالية وهي طلبها له بالإكتفاء بهذا القدر من حوار العيون لتنتقل إلى حوار الشفاه حيث تخرج الأصوات بعواطف أدق تعبيراً وأكثر تحديداً ، لم تصدق أنها نجحت في ان تصل له هذه العبارة عندما أطاح بوجهة ناحية النافذة المجاورة له والمطلة على الطريق وكأنه يدعوها للإنطلاق خارج المقهى حتى يتسنى الحديث معها ، أومأت برأسها بما معناه أنها موافقة ولكن ليس الآن عندما نظرت الى ناهد صديقتها ، كانت سعيدة أن ناهد مازالت مسترسلة في حديثها وغير منتبهة إلى عدم إدراكها لحديثها أو أي نظرة تحدثت بها إلى هذا الجمال الدافئ القابع في الركن الآخر من المقهى ، إبتهجت ناهد عندما جاءها النادل بكوب اللاتيه بدلا من فنجانها الإسبرسو المعتاد والذي من خلال بخاره إستطاعت أن تستكمل مراقبته بعدما قد أنهى هو كوبه

يبدو أن الوقت حان للمقابلة ... أمسك بمفاتيحه وهاتفه المحمول وإستعد للخروج وهو ينظر لها قائلا أن الوقت قد حان لمقابلتها خارج المقهى ، ثواني بعد خروجه كانت تتأهب للقيام والإستئذان من ناهد لدقيقتين خارج المقهى ... وهي في طريقها إلى الخارج وبحركة تلقائية معتادة رفعت يدها لتتحسس خدها لتكتشف أنها مازالت ترتدي نضارتها الشمسية بينما أذنها تلتقط صوت محرك سيارة وإحتكاك إطارات يتلاشى بعيدا

Tuesday, May 29, 2007

ثنايا الكلمة


ثنايا الكلمة






لم تلتفت سلمى لمؤشر سرعة سيارتها الذي قد تجاوز التسعون وهي على الطريق الدائري في طريقها إلى جراند كافيه على نيل القاهرة ، ولم تهتم بتغيير مؤشر الراديو عندما بدأ في إذاعة أغنية يابنت الإيه التي تستفزها بشكل غير إعتيادي .. كل ماكان يهمها هو هذا المجهول الذي ستقابله .. هذا المجهول الذي قلب حياتها رأسا على عقب خلال العشرين يوما الماضية ، عشرون دقيقة وتنتهي حيرة أيام وليالي مع هذا المجهول ... بالرغم من أن إسمه يشع ضياء ووضوح وسطوع إلا أنه مازال يمثل لها غموضاً يزيد من جماله .. تتذكر سلمى يوم أن ظهر نور في حياتها .. لا بل في بريدها الإلكتروني حيث كان يمطرها ببعضاً من أشعاره يومياً وبصورة منتظمة ، وكانت سلة المهملات هي نصيب قصائده فهو لايعرف أنه يرسل أشعاره لإمرأة لاتهوى بل ولا تطيق الشعر ، بالرغم من أن سلمى مدونة تكتب إنفعالتها بصورة حادة غالبا وأحيانا بطريقة غير مفهومة للآخرين ولاتهتم بردود أفعال من يقرأ تدويناتها ولم ترد على أي تعليق وصل لها ، الأمر الذي جعل كثيرين يلفظونها بعد بضعة متابعات .. إلا أنها لم تكن مثل صديقتها المعروفة بإسم شتاء أغسطس فلم تستسغ يوما أي نوع من أنواع الشعر أو القصائد

بحركة إنفعالية ضغطت على زر إقفال راديو السيارة كي تستمتع بإستعادة أحداث الأيام السابقة يوم أن توقفت في إحدى المرات قبل أن تحذف بصورة روتينية رسالته اليومية دون فتحها .. شيئ ما دفعها إلى التركيز مع هذا الملل اليومي ففتحت الرسالة وجدتها كالعادة شعراً .. إكتشفت انه لايرسل إلا شعرا .. لا كلمات .. لا تحيات .. لاتوقيع .. لاإعجاب .. ولا حتى سباب تعودت ان تحصل عليه من آن لآخر في بريدها .. كانت شخصية سلمى الحادة تجعلها تكره عدم الوضوح بشكل عام وتتململ من تصرفات المراهقين ، تلك الشخصية التي جعلتها خلال ساعة حوار قبل مرور عام على زواجها أن تحمل لقب مطلقة .. طلبتها وأصرت عليها رغم ماكان يتمتع به طليقها من رومانسية تزيدها عصبية وتوترا غير مبرر ... طغطت على نفسها تقرأ شعره لم ترى فيه شيئا .. بضعة كلمات فارغة تحمل عنوان أريد دواءاً خافضا للحب ... غضبتها جعلتها ترسل له رسالة من كلمتين جافتين .. إنت مين ؟

في أقل من دقيقة كان بريدها يحمل رداً من خمس كلمات على رسالتها يقول أنا بين ثنايا الحرف ولهيب المعنى ، أنقذها من غيظها المعتاد صوت صديقتها المدونة شتاء أغسطس على هاتفها المحمول فوجدتها تحدثها عن هذا المجهول المُرهِق قارئة عليها بعضاً مما كتب

القمر يستفزني...فلا أجد سوى ورقاً من حزن وحبراً من ذاكرة
.
.
حتى نهاية الرسالة
.
.
بعض القلوب إذا أصابها العشق عجزت إلا عنه... وما عادت تصلح إلا للحبيب الذى أعطبها
ومن هذه القلوب ... قلب من نور


يخرب بيتك ... هكذا بادرتها شتاء أغسطس قبل أن تطلب منها أن تقرأ لها رسالة أخرى إستطاعت سلمى إستعادتها من سلة المهملات يقول فيها

فتشوا في حقائبي وبين أوراقي عن ورد وياسمين ولم يجدوا سوى خنجر
قسما ًبربي لم يكن خنجري .. سقط من صدروهم .. فحملته أسطري
لا أحد يحبني

.
.
حتى نهاية الرسالة
.
.
وما زال قلبي معلقا على بابك
نور ... الذي يحلم أن ينام


ده شعر فنان ، لم أسمعه من قبل .. تعبيراته مبتكرة وغير عادية.. تركيباته للكلمات جديدة .. هكذا كان رأي شتاء أغسطس الذي بدأ يمطر على رأس سلمى ، بين ثنايا الكلمة ولهيب المعني ... ده معناه إن إسمه نور ياعزيزتي .. هكذا تعرفت شتاء على إسمه ، هنا بدأت سلمي تشعر بمعنى جديد للكلمات وبروح للبحث بين ثناياها لم تختبرها من قبل على غير إرادتها

زحام الجيزة إضطر سلمى أن تخفض من سرعتها وهي تسابق الدقائق للوصول للكافيه .. لترى النور أو ترى نور لايهم ، فقد أصبحا سواء .. فقد أصبحا كليهما مرادفا لإحساس دافئ يتخلل مشاعرها ، وذلك بعدما رفضت بحدة طلب شتاء أغسطس أن تراسل هي النور حيث أعجبتها لعبة ثنايا الكلمة وإكتشاف خباياها

عاشت سلمى أياما جميلة وصباحات مختلفة متشوقة ومتعلقة بفك رموز الرسالة اليومية التي لاتتأخر عن موعدها في الحادية عشر صباحا ، وتحمل محتوى جديدا كليا عليها كل مرة ، بل تكتشف جديدا لها كلما أعادت قرائتها بعدما تعلمت فن قراءة الكلمات ومتعة إلتقاط ماتخفيه بين حروفها ، حتى كان قراراها بمقابلته بصعوبة لاتقل عن صعوبة موافقته على اللقاء من خلال قصيدة أدمعتها كلماتها وزادت قلبها إشتياقا وتوهجاً وصخباً لا يقل عن صخب الكافيه الذي وصلته قبل خمس دقائق من موعدها ولم تحتمل أن تنتظرهم خارجه .. كان دخولها ملفتا لنظر المجموعات المختلفة داخل الكافيه فكانت هي المفرد الوحيد بين تلك الجموع .. لم تخجلها نظراتهم وهي تتفحصهم بدقة ولم تصل لنتيجة محددة لتساؤلها أيهم يكون النور .. حتى دخل مهندم الملبس حليق الرأس بإبتسامة ساحرة يجلس على الطاولة المجاورة ، يرمقها بنظرة سريعة وحيدة لم تتكرر ثانية تخطف قلبها قبل عينيها ، وبينما يقف محيياً فتاة تقترب منه أشد منه جاذبية وسحراً مقبلا إياها من وجنتيها ، تجد خبطا خلفيا رقيقا على كتفيها لتلتفت ببطء وقلبها يزداد نبضاً وترفع رأسها لتراه ... فتسقط مغشيا ًعليها



-------------------------------

ملحوظة : القصة مستوحاة من القصيدة والكلمات النثرية الخاصة بفنان موهوب ومجهول

-------------------------------

أعاد نشرها منتدى الضحى

أعادت نشرها مدونة كان حلم وراح

Monday, April 30, 2007

البنك


البنك


بأقدام مرتعشة تقدمت نهى خطوة أخيرة لتصبح أمام شباك البنك ، إحتبس صوتها عندما سألها موظف الشباك عن مرادها ، بصعوبة إستطاعت أن تطلب منه سحب مبلغاً كبيراً من المال ، وهي تقدم له الورقة التي بيدها .. تفحص موظف الشباك الورقة بيديه بينما يجاهد قلب نهى الذي ينبض بشدة رهيبة حافة الإغماء التي تداهمها وعلى وشك أن تتمكن منها، بوجه خالي من أي تعبير وبنظرات ثابتة موجه لعينيها التي تتفادى النظر إليه من موظف الشباك وبصوت شبه حاد لاتتغير طبقته يطلب منها أن تنتظر قليلا بعد أن أعطاها ورقة سحب من الحساب بغرض تعبئتها كاملة

لا تستطيع بسهولة إمساك القلم لتملأ الطلب تشعر أنها تفشل في الضغط بالقلم للكتابة بعد عدة محاولات فاشلة قبل أن يقدم لها موظف الشباك قلم آخر حيث إكتشف أن العيب بالقلم ، نظر لها مرة أخرى نفس النظرة الثابتة التي تحاول التحديق بعينها ، تفحص بطاقتها الشخصية ويعيد النظر لها ، تحاول أن تلتقط نفساً آخر عسى أن تستطيع التماسك أمامه قبل أن يطلب منها إنتظاره قليلا على أحد مقاعد خدمة العملاء ، لتتغير نظرته لها هذه المرة وهو يدخل إحدى غرف البنك لتصبح نظرته لها تحمل كثيرا من الشك كانت تحاول أن تتفادى الوصول إلى تلك المرحلة طوال مدة الدقائق الأربعون السابقة في إنتظار دورها

لولا المقعد لسقطت نهى مغشيا عليها ، بالرغم من أن البنك يمتلأ حركة وصوت وجمهور إلا أنها أصبحت تعيش في عالم آخر يأخذها بعيداً لأربع سنوات سابقة ، عندما تعرفت على أحمد المحاسب بأحد البنوك التي تقع في إمارة الشارقة حيث تعمل بها كمدرسة لغة إنجليزية في إحدى مدارس التعليم المتوسط ، كان قد مضى عليها هناك سنتان وعمرها قد أكمل الثلاثين عاماً بينما أحمد يصغرها بعاماً واحداً ، ويسبقها في العمل بتلك الإمارة بعام واحد وفي خلال ستة أشهر كانت قد وافقت مع أحمد على الإرتباط ، ونزلا سوياً للقاهرة للخطوبة وترتيب شقة الزوجية بمدخراتهما خلال فترة عملهما السابقة ، بعدها بعام كان أحمد قد غادر الإمارات تماماً ليعود للقاهرة ليستكمل إعدادات الزواج وخصوصا أنه قد حصل على وظيفة مرموقة بأحد البنوك الإستثمارية الكبرى بمرتب عالي ، كانت نهى ترسل روتينيا لأحمد مدخراتها شهراً بشهر وتأجل نزولها النهائي أكثر من مرة بعد أن وافقت أحمد طموحاته في إستبدال شقة الزوجية المستقبلية بشقة أكبر بمنطقة راقية تحتاج ضعف المبلغ المخصص لذلك سابقاً

تنتفض نهى من عالمها في الماضي على صوت فتاة شابة تقترب منها تستأذنها في الجلوس على المقعد المقابل ، تشير برأسها بالموافقة دون أن ترد إبتسامة جارتها التي استشعرت أنها تراقبها ، يمر الوقت بطيئا مملاً قاتلاً فلا تجد مفر من الهرب إلى الماضي ، عادت إلى القاهرة لتكتشف أن أحمد قد تغير كثيرا ولا يعطي لها بالاً وسريع الغضب بشكل مبالغ فيه ، وقبل مرور ثلاثة أيام كاملة كان أحمد قد أنهى المسلسل الممطوط لأربع سنوات كاملة ، بمصارحتها بأنه لايحبها ولن يتزوجها بعد أن تنكر لمدخرات سنوات غربتها التي إستولى عليها بدم بارد ، كانت الصدمة على نهى أكبر منها ومن توقعاتها شعرت لفترة غير قليلة أن عقلها ليس معها وكادت أن تصاب بالجنون ، وصلت المنزل التي تعيش فيه والدتها وحيدة بعد أن تزوجت شقيقتاها الكبيرتان وتوفي والدها وهي صغيرة

مثلما كان الظلام يحيط بها داخليا كان ظلام غرفتها يكمل الصورة الداكنة ، تركت إضاءة الغرفة مغلقة وقذفت بجسدها على سريرها ، مازالت صدمتها أكبر من أن تتفاعل عينيها مع الدموع التي استعصت عليها وتحجرت بداخلها ، في ظلام الغرفة وبينما هي على سجادة الصلاة لا تعلم أي صلاة تصلي ، بكت كما لم تبكي طوال حياتها ليرتفع صوتها بالنحيب بشكل كبير يعوقها عن أداء حركات الصلاة دون أن تدري ، فكانت تسجد دون أن تركع لتعود في المرة الاخرى لتركع مرتين ، أنهت صلاتها وظلت جالسة تكلم ربها باللغة العامية غير مهتمة بأبجديات الدعاء ولا أدبياته ، لاتدري إن كانت تدعو أم تشكو أم تحتسب ، ولكن كانت تكلمه وسط دموع ونحيب وتقول له .. يارب .. كل حاجة إنت شايفها .. والنبي يارب ..والنبي يارب .. والنبي يارب ماليش غيرك

أستاذة نهى هكذا خاطبها موظف غير موظف الشباك الذي أخذ موقعه خلف الشباك مرة اخرى ، دون ان تسقط عينيه من عليها بنفس نظرة الشك والريبة ، أستاذة نهى ممكن تشرفيني في مكتبي لو سمحت ، كانت نهى تسير خلفه وكأنها منومة مغناطيسيا وعينيها مثبتتين على بطاقة هويتها والورقة الأخرى في يده ، لم تنتظر نهى الوصول لغرفته لتعود للماضي القريب وتتذكر حالتها ليلة أمس وهي تبكي لربها ساعة كاملة قبل أن تجد نفسها فجأة تتوقف عن النحيب والبكاء لتجف دموعها تماماً بلاسبب واضح غير أن ثمة أمر مشوش غير واضح المعالم يدور حولها ، ليقترب من عقلها ومن فكرها بل ومن ذاكرتها ، خيالات تبدأ أن تتضح معالمها تبدأ في فتح طاقة فرج ، تنتفض من على سجادة الصلاة تجري على أحد أدراج دولابها بلاوعي تقلب محتوياته رأسا على عقب على أرضية الغرفة ، تبعثرت في أوراق كثيرة معظمها يحتوي على خطابات عاطفية من أحمد ، وهدأت ثورتها مرة واحدة وهي تقدم يدها ببطء نحو أحد الأوارق المطوية التي تبحث عنها ، قبل أن تفتحتها كادت تطير فرحا ورعبا مما يحدث لقد وجدتها نعم إنها هي الورقة التي تبحث عنها ، قرأتها لتتأكد نعم إنها توكيل من أحمد أصدره أحمد من القنصلية المصرية بالإمارات لها للسحب من حسابه من البنك بالقاهرة ، والذي تعود أحمد أنه دائما يحول مدخراته شهريا عليه ، وذلك بعد عام من تعارفهما عندما سبقته بثلاثة اسابيع للنزول إلى مصر فقد كان والدته في حاجة إلى مبلغ كبير من المال لم تعلم وقتها وحتى الآن سببه ولم يهمها أن تعلم ، كانت عينيها تأكل سطور التوكيل بحثا عن مدة محددة لصلاحيته لتكتشف أنه غير محدد المدة

نظر الموظف للتوكيل وتحقيق الشخصية مع طلب السحب وقال لها :" أستاذة نهى نعتذر عن إجراء عملية الصرف فالتوكيل مضى عليه ثلاث سنوات ويجب تجديده ، فليحضر السيد أحمد بذاته ليصرف المبلغ بنفسه أو يجدد لك التوكيل" ، لم تدرى نهى كيف جائتها حالة ثقة بالنفس كبيرة بدلا من حالة الإحباط وتكلمت بصوت حاد محتجة عما يحدث فسرعة صرف المبلغ مهم بالنسبة لها والسيد أحمد خارج البلاد والتوكيل صالح وساري ، مهددة إذا تم إعاقة موضوعها فسوف تقوم بتحويل الرصيد كله إلى أحد البنوك الأخرى ، بلامبالة هز الموظف رأسه بإستحالة الصرف مشيرا إلى إن تلك تعليمات البنك المركزي ، تمكنت منها حالة من الإحباط واليأس وهي تستعد للنهوض وفمها يتمتم .. ليه كده يارب ، على توابع حدة صوتها كان الباب المجاور لمكتب الموظف يخرج منه رجل مهيب يتسائل بإنزعاج عن المشكلة ، تمتم الموظف له بكلمات أنهاها بأنها هددت بسحب الرصيد كله لبنك آخر ، أمسك الرجل بالورقة قرأها بتمعن ونظر للبطاقة ثم نظر لنهى وخرجت منه أحلى ست كلمات وصلت لمسامع نهى طوال حياتها .. " مافيش مشكلة ... إعملها اللي هي عايزاه " ، أعقبها بتوقيعه على مستند الصرف

خرجت نهى من البنك تحمل كيسا أسود اللون يحوي بالتمام والكمال قيمة مدخرات سنواتها الست ، تعبر الشارع للجهة المقابلة وتختلس النظر لداخل الكيس لتتأكد أنها لا تحلم وتضحك في الشارع بصوت مسموع للمارين ويرتفع صوتها كما يرتفع نظرها للسماء بوجه ضاحك باكي وعلى شفتيها إبتسامة النصر وفي عينيها تتولد قطرات دموع ولسان حال شفتيها يقول بحبك ياربنا .. والله العظيم بحبك


-------------------------------

أعاد نشرها
نادي تكنولوجيا المعلومات

Saturday, August 12, 2006



سيدة الحفلة



Shokeir - Night Lady


مع نهاية آخر ضوء خافت بعد مغيب الشمس ينبعث من نافذة غرفة الجلوس كانت تجلس أميرة في أقصى الجانب الأيمن من الأريكة متكورة حول نفسها يحتضن ساعديها ساقيها بينما تخرج أصابعها بصعوبة من الأكمام الطويلة لبلوزتها لتحتضن كوب النسكافيه الدافئ ، مسحة من دموع بدأت تظهر في عينيها وهي تتذكر تلك النظرات الخاصة التي إكتشفتها في حفلة الأمس بين زوجها وإحدى المدعوات والتي عرفت بعدها أنها سيدة مطلقة ، تعترف أميرة بينها وبين نفسها أنها كانت تفوقها جمالا وأناقة ساحرة وجاذبية خاصة ، إنتبهت هي نفسها لها منذ إلتقطت أنفاسها تلك الرائحة الباريسية الناعمة نعومة بشرتها العارية وهي تهم أن تجلس مع صديقتها على نفس الطاولة المستديرة والتي لم يكن يشغلها إلا هي وزوجها عماد وكانت تتسع لبضعة اشخاص آخريين ، كانت تلك هي المرة الاولى التي تكتشف زوجها مرتبكا في وجود إمرأه جميلة بالرغم من تظاهره بعدم المبالاة . ترتشف أميرة رشفة من كوب النسكافيه وهي تتذكر كيف كانت تتباهى من داخلها بزوجها عندما تسمع شكوى أصدقائها من أزواجهن وهي تقارن بين عيوبهم التي لاتجد أي منها في زوجها ، بالرغم من أنها كانت لاتبدي أي من تلك المشاعر أمامهن أو أمام عماد إلا أنها كانت تعلم أنها فازت برجل نادر ماتجتمع فيه صفات الرجولة والخلق الرفيع والهدوء والكرم والعقل المتزن فضلا عن جمال الهيئة الرفيع بلا إبتذال

على مدار ثلاث سنوات لم تلحظ على عماد هذا الإرتباك بالرغم من انه كان محط إعجاب كثير من السيدات حتى من أقرب اصدقائها ، يزداد صدرها ضيقا بينما يمر مشهد إكتشافها لتلك النظرات الخاطفة المتبادلة التي لم يستطع عقلها إعتبارها نظرات بريئة بينما قلبها يؤكد لها خصوصية تلك النظرات ، كان بداخلها ثورة تتغلب عليها بجلستها الهادئة حتى تستطيع أن تغالب أحاسيسها المحتقنة كما تعودت دائما حيث كانت متيقنة بخبرة المرأة أن الثورة في تلك الأمور لاتفيد بل تزيدها تعقيدا

كما إعتادت دائما تهز كوب النسكافيه بيديها قبل آخر رشفة والتي تعتبرها ألذ رشفة ، شعرت بمرارة في حلقها وهي تبتلع الرشفة الأخيرة حيث لم يستطع خيالها بعد إستيعاب تلك اللقطة ، بينما عقلها كان يقوم بعمل مقارنة تكرهها بينها وبين سيدة الأمس كانت تتذكر لقاؤها بشادي البحيري أشهر مصصمي الأزياء المصريين في حفلة الأمس وهي تعرفه مسبقا من حوار صحفي قامت به منذ بضعة سنوات في بدايات عملها عندما إستنكر زيادة وزنها الملحوظة وأشياء أكثر منها يبدو أنه تحفظ من ذكرها ، مازالت ترن جملته في أذنها إنك لاتحبين نفسك ردا على إجابتها له أنها تحب نفسها بهذا الشكل ولأول مرة تنتبه إلى أن مقولة شادي في لقائهما الأول بالماضي من أنها تصلح عارضة لم تكن مجاملة ، تشعر بالإختناق فعقلها مُصر على عمل تلك المقارنة اللعينة ليس بينها وبين سيدة الأمس فقط بل والحبيب عماد أيضا ، كانت تتذكر أن خمس دقائق دائما كافية لها للإنتهاء من إرتداء ملابسها والتزين ببعض المساحيق الرخيصة بينما عماد كان متأنقا دائما مثل سيدة الأمس ، كانت لاتبالي إلى إعجاب عماد بالملابس الأنيقة التي يحاول شراؤها لها بينما تفضل هي الجينز والملابس العملية ، كانت لاتهتم بإبداء رأي في برفان يختاره عماد لنفسه بكل دقة وكانت لاتوافقه على برفان يعجبه لها وتفضل شراء البرفانات الرخيصة

تمرر يدها على رأسها الذي يكاد أن ينفجر فتنزع تلك الحلقات الإسطوانية التي طالما قال لها زوجها أنه يفضل رؤيتها بدونها عندما يتواجد بالمنزل ولاتدري أنها لم تأبه يوما لذلك بل ولاتدري لماذا كانت تتعمد أن تظل بها ، لم يكن هناك مفر أمام أميرة من أن تصارح عماد بما تشعر به فليس عندها القدرة أن تحتفظ بالموضوع مثلما فعلت بليلة البارحة

لم يمر وقت طويل عندما عاد عماد إلى المنزل بينما إنتهت أميرة في غرفة نومها من تزيين نفسها قدرما إستطاعت بالإمكانيات المحدودة المتاحة ، كانت إبتسامة عماد الرقيقة ترتسم على شفتيه بهدوئه المعتاد وهو يستمع إلى مكاشفتها ليمسح على وجنتها بيده الرقيقة وهو يخبرها أنه سعيد بإكتشاف أميرة كزوجة غيور للمرة الأولى والنظرات المرتبكة منه بالأمس لم تكن إلا نتيجة محاولة تذكر وجهها عندما كان ينظر إليها ولايستطيع أن يطيل النظر لها ، حتى قادته ذاكرته إلى أنها كانت زوجه أحد أصدقائه في فترة سابقة قبل زواجه ،أخبرها أنه كان يخجل النظر لها ليتذكرها ومن هنا كانت نظراته خاطفة مرتبكة ، قرر الجبل الذي كان يرقد على صدر أميرة الرحيل وتنفست الصعداء في نفس الوقت الذي كانت يدها تمتد بلا تفكير إلى الحلقات الإسطوانية لتسمح لشعرها بالإلتفاف عليها مجدداً ، بينما كان عماد يخرج بخفة إلى غرفة الجلوس ليمسك هاتفه المحمول ويقوم بإعادة تخزين أحد الأرقام الذي سجلها ليلة الأمس ولكن بإسم مستعار
----------------------------------
أعاد نشرها موقع عشرينات