سلاماتي
عود بعد غياب ... وفي التدوينة القادمه يكون بيان الأسباب ان شاء الله
قرأت لكم هذه الأسطر الخالده لأستاذي محمد احمد الراشد في كتابه القيم صناعة الحياه احببت أن تكون محل قراءتكم وفائدتكم ان شاء الله
*********
فلسنا ملائكة معصومين، ولا شياطين أغلقت قلوبنا، وإنما لنا نفوس مزدوجة : ((ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها))، ولنا إيمان يزيد وينقص فى مداورة دائمة .
فلو أسلف مسلم حسنة فى المساء، من صدقة، أو صلاة بوقتها، أو أمر بمعروف، أو إغاثة لهفان، أو تفهيم علم، أو بذل شفاعة، أو ستر عرض، أو تخذيل عن شر، أو خلافة غاز مجاهد، فماذا يحدث له فى الصباح؟
يستيقظ فإن زوجه مبتسمة فى وجهه، وإذا أولاده يستيقظون مع أول نداء، على أتم نظافة، وكل قد كتب واجبه المدرسى وجمع كتبه. فإذا أفطر : كان طعامه لذيذاً، وتودعه زوجه بابتسامة أيضاً حتى إذا ركب سيارته –وهى دوابنا اليوم- وجدها سلسة تشتغل مع أول إدارة للمفتاح، ووجد الإشارات الضوئية خضراء تفتح له الطريق مرحبة به، والسائق الذى أمامه يسير وفق الأصول بأدب وهدوء، حتى شرطى المرور يرفع له يده بالتحية. فإذا دخل مكتبه الوظيفى: وجده نظيفاً، وجاءه من المراجعين أهل الرفق والأخلاق. فإذا رجع : لم يجد ألذ من طعامه، وهكذا سائر يومه!.
ثم لو أسلف سيئة فى ليلة أخرى: من غيبة، أو بخل، أوتقاعس عن نجدة، أو تأخير صلاة، أو تنابز بالألقاب، أو منع خير, أو أذى جار، أو انتصار بالباطل لزوجة فى تعاملها مع زوج صاحبه، فماذا يحدث له؟
يستيقظ فإذا زوجه ذات عبوس وتأفف، ولا يدرى سبباً منه مباشراً فى إغصابها، ثم من بعد قليل إذا بها تولول، ولربما فتش عن الفرد الضائع من حذاء ابنه نصف ساعة، حتى يتأخر عن دوامه المدرسى، ويكون طعامه مالحاً لا يكاد يسيغه، وتعذبه سيارته نصف ساعة أخرى كى تشتغل، وتكون كالدابة الشموس، ويجد الاشارات الضوئية حمراء فى وجهه، ويبتلى بسائق طائش عن يمينه، ثم يوقفه شرطى مرور كان قد تشاجر مع زوجه هو الآخر فيفرغ همومه فيه ويحرر له مخالفة هو منها برئ، وقد يبتلى ثالثة فى مكتبه بمراجع فوضوى ملحاح يعكر عليه ويشكوه لدى الرئيس، ولربما يجد فى الآخر طعام غدائه دخاناً محضاً وتكون زوجه قد نسيت القدر على النار حتى احترق، ويظل سائر يومه قلقاً كئيباً، حتى أن أقل عقوبته أن توقظه رنة الهاتف وهو فى عز نوم القيلولة، فيزعجه.
وكلنا يمر بمثل هذه الأحوال، ولكن الأقل هم الذين يرجعون بذاكرتهم إلى ما أسلفوا من حسنات أو سيئات تكون سبباً لهذه الأحوال، والموفق هو الذى يسرع إلى بديهته هذا المعنى فيعلم موطن قدمه، فيزداد خيراً وصعوداً، أو يحذر المنزلق، ويجد فى هذه المعاكسات الخفيفة اللطيفة تحذيراً يمنعه من الاسترسال فى الغى وركوب الشهوات.
بل هى إشارات تحذير ربانية توازى اللمم والصغائر تنبهه إلى وجوب فطم النفس عن هواها، وإلا عوقب بأكبر من ذلك، من تضييق رزق، وضياع تجارة، وجلاء بركة، ومرض متعب، وتسلط ظالم، وطلاق، وقذف عرض، وفشل فى امتحان، وسفاهة جار، وبما هو أكبر من ذلك ربما .
ولهذا، فإن هذه المعاكسات هى من تمام اللطف الربانى بمؤمن يفهمها ويستوجب موعظتها، من أجل أن لا يتمادى، بل قيل: هى مداعبة من الله للعبد، يذكره أنه معه وتحت رقابته، ليستقيم.