تساحي ملاميد
ترجمة: نائل الطوخي
أوشفيتز دايت
خشبة المسرح عارية إلا من سرير مساج مغطى بملاءة.
عاملة المساج الشابة ببالطو بيتي، وزبون يبلغ خمسين عاما تقريباً.
مشهد افتتاحي، بعد أن ينتهي الزبون من متعته، يجلس على السرير وعلى وجهه تعبير راض. الجو السائد بين الاثنين يبدو كبيت دعارة فرنسي، يدور به حوار آخر بخلاف الحوار المباشر.
عاملة المساج: كيف كان الأمر، بابا؟
الزبون: رائع. ماذا قلت لي اسمك؟
ع.م: ليلاخ، بابا، هل أنت فعلا عالم صواريخ؟
ز: وهل أنت فعلا تعزفين على البيانو؟
ع.م: والناي والكمان.
ز: هل تعزفين لي أغنية على البيانو؟
ع.م: ليس لدينا هنا.
ز: طيب احكي لي نكتة
ع.م: بكل سرور. مرة كان هناك أمريكي وروسي عليهما ملء استمارة كي يدخلا لكوبا، وكان مكتوبا عليها سؤال: "من انتصر في الحرب الباردة، الروس أم الأمريكان؟" عندئذ سأل الأمريكي الروسي "قل لي، من خسر في الحرب العالمية الثانية، هل هم الألمان؟"، فقال له الروسي: "نعم". فقام الأمريكي بتسجيل إجابته: "الأمريكان انتصروا في الحرب العالمية الثانية."
ز: لم أفهم.
ع.م: كأنه لا يعرف أن الروس انتصروا في الحرب العالمية الثانية.
ز: الأمريكان هم من انتصروا في الحرب العالمية الثانية.
ع.م: الروس هم من انتصروا في الحرب العالمية الثانية.
ز: الأمريكان.
ع.م: الروس.
ز: بديهي أنهم الأمريكان.
ع.م: مؤكد أنهم الروس.
ز: الأمريكان والإنجليز بنوا خط ماجينو.
ع.م: لا، عاملات المساج هن من بنين خط ماجينو. *
ز: الأمريكيات.
ع.م: الروسيات.
ز: الأمريكيات.
ع.م: الروسيات.
ز: العاهرات.
ع.م: الأمريكيات.
ز: الروسيات.
ع.م: العاهرات الأمريكيات وعاملات المساج الروسيات.
ز: مازلت لم أفهم النكتة.
ع.م: ما الذي لم تفهمه؟ أن ستالين قبض على الألمان؟
ز: ستالين قتل أشخاصا كثيرين.
ع.م: جدتي كانت في أوشفيتز** عندما تم إطلاق سراح الروس هناك.
ز: ما الذي كانت تفعله هناك؟
ع.م: أشغال شاقة.
ز: لصالح من؟
ع.م: الألمان.
ز: ولكن أي أشغال كانت تقوم بها هناك؟
ع.م: شاقة.
ز: لصالح من؟
ع.م: الألمان، قلت لك.
ز: أعني إن لم يكن لها رئيس، شخصي، أم أنها كانت تعمل لصالح جميع الألمان؟
ع.م: آها، نعم، كانت تعمل لصالح قائد المعسكر.
ز: وما الذي كانت تعمله من أجله؟
ع.م: تطبخ، تنظف، تخيط.
ز: وهذا ما يطلق عليه أشغال شاقة؟
ع.م: لم تكن تفعل هذا فقط. الطبخ، والتنظيف، والخياطة، كانت تقوم بهم بعد ساعات العمل المعتادة.
ز: ساعات إضافية.
ع.م: نعم، ساعات إضافية. في الصباح كانت تعمل لأربعة عشر ساعة، تقف في الماء حتى ركبتيها، وتقطع الأحجار.
ز: تبدو كأنها بعصة.***
ع.م: هي بعصة حقيقية.
ز: ما هي البعصة؟
ع.م: الأشغال الشاقة، قلت لك.
ز: أقصد، ما هي البعصة الأصعب، الأشغال الشاقة في الوقوف لأربعة عشر ساعة في الماء حتى الركبتين وتقطيع الأحجار أم الطبخ والتنظيف والخياط بعد ساعات العمل؟
ع.م: كلاهما بعصة.
ز: نفس البعصة؟
ع.م: ماذا يفرق؟ كلاهما بعصة.
ز: ولكن كانت تأخذ على الخياطة والطبخ والتنظيف أوفرتايم.
ع.م: ولكنها بعصة. الطبخ والتنظيف والخياطة هي بعصة.
ز: حتى لو أخذت أوفرتايم؟
ع.م: حتى لو أخذت أنا أوفرتايم.
ز: وأنت، هل تأخذين أوفرتايم؟
ع.م: مقابل ماذا؟
ز: مقابل عملك هنا.
ع.م: هنا نتحاسب بشكل مختلف. آخذ خمسين في المائة لي، وخمسون في المائة لصاحب البيت.
ز: حتى لو كنتي تعملين في الساعات الإضافية؟
ع.م: ما الذي أتى بالساعات الإضافية هنا؟
ز: لأن جدتك كانت تأخذ أوفرتايم.
ع.م: كانت تعمل في التنظيف والخياطة والطبخ.
ز: ولم تعمل في المساج؟
ع.م: ماذا تقول، جدتي لم تعمل في المساج، جدتي كانت مناضلة.
ز: قلت من قبل أنها كانت من ناجيات معسكر برجان بلزان.
ع.م: أوشفيتز.
ز: ولم تكن عاملة مساج؟
ع.م: كانت مناضلة.
ز: في برجان بلزان أم أوشفيتز؟
ع.م: كانت تأخذ بقشيشا.
ز: من الأمريكان أم الروس؟
ع.م: من قائد المعسكر.
ز: وماذا كان؟
ع.م: ألمانياً.
ز: ألماني روسي أم ألماني أمريكي؟
ع.م: ألماني يهودي.
ز: يهودي آري؟
ع.م: يهودي إسرائيلي.
ز: قائد المعسكر كان يهودياً إسرائيلياً؟
ع.م: كان عالم ذرة ألمانيا آريا يهودياً روسياً أمريكياً إسرائيلياً.
ز: وكانت تعزف من أجله على البيانو؟
ع.م: على الكمان.
ز: قلتِ من قبل على البيانو.
ع.م: على الكمان.
ز: ولكنك قلتِ من قبل على البيانو.
ع.م: أنا أيضا أعزف على البيانو.
ز: ليس على الكمان؟
ع.م: وعلى الكمان أيضا.
ز: وقلت أنك تعزفين على الناي أيضا.
ع.م: على الناي أيضا أعزف.
ز: الناي، البيانو والكمان.
ع.م: أنا أعزف على كل شيء.
ز: هل لديكم هنا بيانو أو كمان أو ناي؟
ع.م: قلت لك أنه ليس لدينا.
ز: قلت أنه ليس هناك بيانو، ولكن الناي والكمان يمكن إحضارهما.
ع.م: لمن يدفع بقشيشا.
ز: إذن اذهبي لإحضار كمان، وسوف أبحث في المحفظة.
ع.م: أنا ذاهبة.
تغلق عاملة المساج البالطو وتخرج. الزبون يلبس بلوزة من التريكو، يبحث في المحفظة، يخرج والمحفظة بيده ويتعثر بعاملة المساج التي تدخل ومعها جراب الكمان
كلاهما: هيي، هيي.
يخفي الزبون المحفظة وراء ظهره. تخفي عاملة المساج الجراب خلف ظهرها هي أيضاً.
ز: لم تذهبي لإحضار الكمان.
ع.م: لم تبحث عن النقود.
ز: بحثت.
ع.م: وأنا أحضرته.
ز: إذن اعزفي لي شيئاً.
ع.م: إذن أرني النقود أولاً.
ينبش الزبون في المحفظة، عاملة المساج تضع جراب الكمان على الأرض وتفتحه بحيث يكون مائلا بزاوية أمام ساقيها.
ز: ماذا تفضلين، دولارات، روبلات أو شيكلات؟
ع.م: ماذا تفضل، أسد لتينور بمقام سي الصغير أوبليجتو لباخ، أم كونشرتو لبجنيني، أم إتيود في مقام ري الصغير لتشايكوفسكي؟
ز: ابدأي في العزف.
ع.م: أرني النقود.
ينظر كلاهما إلى الآخر ببطء، عاملة المساج تنظر إلى محفظة الزبون، الزبون ينظر إلى جراب كمان عاملة المساج، عاملة المساج تمسك بيدها محفظة الزبون، الزبون يأخذ جراب الكمان.
تفتح عاملة المساج المحفظة على اتساعها، تظهر للجمهور أنها خاوية.
الزبون يعرض أمام الجمهور الجراب الخاوي للكمان.
تتردد موسيقى من الخارج، ومطر من الأرواق المالية يهطل على الاثنين، اللذين يقفان ويتطلع كل منهما إلى الآخر، وإلى الجمهور.
__________________________________________
ولد تساحي ملاميد عام 1964. يعمل مهرجا طبيا لإدخال البهجة على المرضى. ابن لعائلة دينية متوسطة. خدم في السلاح التعليمي بالجيش الإسرائيلي. مر برحلة طويلة من كونه فتى متدينا إسرائيليا ليصبح من دعاة السلام. يقول عن نفسه في مرحلة ما بعد الخدمة العسكرية: "احترت في أسئلة هويتي، حتى الآن لم أخلع الكيباه [الطاقية اليهودية الدينية]، وأتجول في البلد بالحلة العسكرية، من أجل الحصول على "الخصم" في ثمن تذكرة الأوتوبيس. كنت ألبس بلوزة من التريكو، وعليها السترة العسكرية، وبعد أن أدفع للسائق، أجلس في الأوتوبيس، أخلع السترة العسكرية، حتى أبدو مدنيا بين ركاب الأوتوبيس الآخرين.... في فترة متأخرة سافرت لأوروبا، وهناك عرفت المزيد من دعاة السلام، يمكن القول أنهم كانوا ودودين بدرجة كبيرة."
"الآن أدرس التمثيل في "كنفايم" وهي جماعة فنية... أسكن في شقة إيجار وحدي في الحي البوهيمي "بلورنتين"، وأسترزق عبر العمل مع العجائز. صديقة جديدة وجيدة لي، هي راقصة شرقية إسرائيلية، أقامت لعام بالقاهرة، وبفضلها أشاهد الرقص الشرقي على موقع "اليوتيوب".
هذا المشهد المسرحي منشور في مجلة "معيان" الأدبية المستقلة بعددها الخامس والأخير.
___________________________________________
* خط حدودي قامت فرنسا ببنائه بعد الحرب العالمية الأولى لحمايتها من ألمانيا.
** أوشفيتز هو اسم أشهر معسكرات التعذيب التي أقامها النظام النازي ضد ضحاياه، ومنهم اليهود، في الحرب العالمية الثانية.
*** كلمة بعصة أخذها الإسرائيليون من اللهجة الفلسطينية، وتعني ورطة، وتكتب بالعبرية بنفس الحروف تقريبا: באסה