منذ عام تقريبا نظمنا بالجامعة معرضا مصورا للحالة الفلسطينية الحاضرة دائما في تحركات الاسلاميين كونها القضية الأعنف والأشهر في ذات الوقت ، سألت احد الأخوة عن إيجابيات المعرض بالنسبة للطالب الجامعي ؟ ذكر لي الأسباب المعهودة ، تابعته ..طيب وبعد ما عرف ؟ ما هي كل الناس عارفه ! وكل الناس شافت الصور دي خمسين مرة ! ايه الجديد؟
كنت وقتها أظن ان تاريخ القضية أصبح محفوراً في عقول الناس لعمقها التاريخي والديني وايضا الجغرافي والعسكري والسياسي بالنسبة لمصر ،
كنت اتفائل بالظن اننا على دراية تامة بكل أحداث القضة ومجرياتها ولما لا ونحن نعقد المؤتمرات تلو المؤتمرات .. ونهتف في كل مناسبة للقضية الفلسطينية بصوت أعلى وقعا ً من أية قضية أخرى ، ولم ننساها أبدا في أى منتج لنا ..دائما حاضرة وبقوة .
في هذا الأيام .. وعندما اشتد وطيس المعركة وتناثرت الاخبار هنا وهناك عن تخاذل مصر "الرسمي" وتواطئها مع العدو واغلاق المعبر وما تلاه من شد وجذب تارة من المقاومة فى الداخل وتارة من الدول العربية مع الموقف الرسمي المصري .
أيقنت للحظة الأولى أننا مقبلون على جني ثمار سنون طوال من التوعية بالقضية الفلسطينية .
وأن الشعب .. كل الشعب .. ستحضره الآن كل الاتفاقيات والقوانين والوعود والعهود والمواقف وكل ما يتعلق بالقضية التي اصابته بالملل من كثرة تكرار مأساتها ، لتدفع عقله الى تفكير ناضج سليم يستطيع تحليل الأحداث واكتشاف ما وراء التصريحات هنا وهناك .
اخذتني الدهشة لأبعاد أخرى عن هذا التصور ... اركب تاكسي مرة لأجد السائق يذكرني بخيانة الفلسطينيين لارضهم وبيعهم لها ويريدون توريطنا معهم "خليهم يغوروا فى داهية ..احسن !"
زملائى من طلبة الجامعة لم يسمعوا بعد بالعدوان ، من الواضح ان اذانهم تستقبل على موجات الاوربي فقط ! وعندما اذكر لهم ما يحدث بغزة يتعجبون لانشغالي الشديد بهذه الاحداث !
تخلصت من هذا الاحباط ومن تلك الثمار غير الناضجة لسنوات التوعية داخل الجامعة وخارجها وعلى كل المحاور والمراحل بالقضية وقلت لنفسي هذه فئة قليلة وانا لا أملك الاحصائيات لأوهم نفسي انهم الأكثر ، ولا يمكن ان يكونوا كذلك ... أبدا ً !
بعدها بيومان قرأت مقالة على الجزيرة نت بعنوان "مصر .. العدو من الداخل" بعدما انتهيت تأكدت اننى لم أكن واهما ً وأن هذا الكاتب يسرد رحلته لمظاهرة نقابة الصحفيين وفي مخيلته ان مشاهد القتلى والجرحى وتدمير غزة سيجعل الناس يكسرون الحواجز الامنية ليعلنوا ولو كلمة حق ...عند " الاصنام " الجائرة (عذرا للاصنام لاقترانها هنا بسلاطين وكروش البترول العرب) .
وفوجئ ببضعة مئات فقط من المتظاهرين امام النقابة معظمهم من الصحفيين ! ويذكر أنه التفت للجانب الأخر ليتذكر هذا المكان وهو يحشد الالاف حول راقصة وطبال منذ سنوات انتهى بتحرش جنسي جماعي !
ترددت داخلى اعنف موجات الضغط تجاه ما يحدث وما يفكر الناس به .
انتقلت الى الريف حيث ولدت لأجد الماسأة الحقيقية .. كم من الشتائم تنهال على حماس والشعب الفلسطيني على جميع الجبهات !
لن اذكر التفاصيل فاعتقد ان المشهد الآن فى مخيلتكم ...
بعدها انتقلت الى احدى مراكز المحافظة عند اقاربي لأجد جريدة الجمهورية وعلى صفحتها الأولى "هكذا قتلوا الضابط المصري" وتروى افضل قصة مفبركة قرأتها في حياتي .. واثناء القراءة ضحكت باستهزاء فقال لي احد اقاربي شفت حماس بتعمل ايه فينا !
اخذت حوالى نصف ساعه معه لتوضيح الأمر ولسرد الاحداث وتبين لي أنه لا يعلم اى شئ ... عن شئ هناك ... يدعى فلسطين !
ما زلت متماسكا َ وابتلع بكل مرارة مسكنات "إنهم قلة"
انتقلت الى الفضاء الخيالي لأكتب لمن عندي بالمسنجر عن اخر الاحداث وعن خذلان مبارك والموقف الرسمي المصري من الاحداث
فتلقيت دروسا في الوطنية والثقة فى الرئيس وأنه يفكر بهدوء عكسنا نحن نفكر بغوغائية ! وأننا ضحينا لفلسطين كثيرا وهم خونة و.. !!
استعنت بالله على نفسي واخذت اخر مسكن لدي .. وانا اعتصر من الألم لجيلنا الذي تربى على معاني السلام الشامل والعادل والشرعية الدولية الظالمة ومجلس الأمن (الصهيو أميركي) ولم يشهد حروبا منذ ثلاثون عاما ً وهو يفرح بذلك ولا يعلم أننا لا نستطيع ان نفرض قواتنا على ارضنا .. سيناء ! وأن الحدود الآن تقصف من طائرات اسرائيل ولم نشعر حتى بنظرة غاضبة من رئيسنا صاحب الضربة الجوية !
لا أعرف لماذا كتبت كل هذا الكلام ...قد يكون لأفرغ " جالونات " الهم والغم من النتائج الكارثية لسنوات طوال ولكنها عجاف ! من التوعية بالقضية .
الآن جيلنا يتعرض بالفعل لعمليات تطهير للهوية العربية والاسلامية ، لقيم الايمان والكرامة والشرف ..
عمليات محو وتشويه لتاريخنا وصبغ رؤى وأفكار جديدة تعمل على تغريب العقل العربي المسلم بعيدا عن قيم وثقافة وهوية مجتمعه .
عقل يؤمن باسرائيل كواقع فرض نفسه بالقوة ... عقل يضع المقاومة بكل بناها الفكرية في موضع هزيل أمام القوى العظمى والمجتمع الدولي والأمم المتحدة .
الآن نريد وبقوة جيوش شبابنا المقاومة لهذا الفكر ان تتضح لها الرؤية أكثر ... أن نفهم عبر مناهجنا كل الابعاد على الارض ونمررها بمواثيقها ودلالاتها العلمية وبذكر مصادرها للمجتمع ..بدلا من ذرع العواطف التى حينما تهب عاصفة كالتي نشهدها لا تصمد أمام الهجمات الفكرية الشاذة وسرعان ما تذوب تلك العاطفة وتتحول الى قوة فى الاتجاه العكسي لأكتشافها انها كانت فى وهم لا تعرف عنه شئ سوى بعض الصور والهتافات !
نريد ان نشرح للناس اتفاقية كامب ديفيد واوسلو ومدريد ..نريد ان نذهب لأبعد من ذلك ولجذور الهجرة اليهودية وتهجير الفلسطينيين وأصل اليهود وعقيدتهم .
نريد ... جيلا ً يقدم شئ وياخذ خطوة ... لا أن يكون عبئا ً على تاريخ وحضارة الاسلام
بالفعل نريد استغلال طاقتنا البشرية كما تعلمنا ..ليكون كل فرد منا واعيا ً ومدركا وملما ً بما يدعوا اليه .