Thursday, 15 May 2008

أن تكون يوما..عائشة


حين وقف كل منا ليعرف عن نفسه و ما هو هدفه في الحياة و ليلقي بيت الشعر الذي يحضره في هذه اللحظة ..دار الميكروفون علينا جميعا و كل شخص يحاول التخلص من حرجه و يفتش داخل ذاكرته عن ذلك البيت الذي يطلبونه و يحاول حصر أهدافه في الحياة في كلمة واحدة براقة تثير الإهتمام ..جاء الدور عليها فوقفت..بزيها زاهي الألوان ..أمسكت الميكروفون و اتسعت ابتسامتها و انطلقت لتغني مقطع من أغنية سودانية معروفة





"إزياكم...كيفانكم"

تساءلت بسخرية بيني و بين نفسي



"إيه الناس الرايقة دي..الناس دي بتجيب البهجة دي ع الصبح منين؟"



و حينما قدموها في جلسة لاحقة من جلسات المؤتمر ..لم أخجل من نفسي قط قدر خجلي منها في تلك اللحظة



"عائشة..متعايشة مع فيروس نقص المناعة"



" يا لهوي"



هكذا انطلقت الفكرة بداخلي



إذا فهذه المرأة التي كنت أحسدها على تفاؤلها هي مريضة بالأيدز

هكذا قلتها قبل أن أعرف أن المرض يسمى بنقص المناعة و أن الأيدز هو فقط المرحلة الأخيرة التي تسبق النهاية



جلست لتتحدث عن يوم اكتشافها للمرض..بدأت بقولها



"من 10 سنين"



"عشرة؟"



تساءلت..كانت فكرتي المغلوطة السابقة هي أن مرض نقص المناعة هو حكم مستعجل بالإعدام..لم أسمع يوما عن شخص استطاع التعايش مع المرض كل هذا العدد من السنوات



حكت لنا عائشة عن يوم إكتشافها لحملها للمرض..عن الطبيب الذي وصمها في نفس لحظة اكتشافه لمرضها



"إسألي نفسك جبتيه منين"

سألها بغلظة و اتهام و بكت و هي تحلف لتقنعه بإخلاصها لزوجها..فانتقل الإتهام في لحظتها إلى الزوج البريء الذي لم تتأكد هي شخصيا من برائته إلا بعد قيامه بالتحاليل اللازمة



إذا فهو ذلك الكيس من الدماء الذي تلقته في إحدى المستشفيات

لم يخطر ببالي أن أتساءل عن مصير ذلك الزواج..بالطبع فقد تركها الزوج و مضى في طريقه ..فالندالة في مثل تلك المواقف هي السمة الغالبة على رجال شرقنا التعيس..إلا أنها فاجأتني حين أعلنت أنه مازال بجانبها ..شادا من أزرها..استأنفا علاقتهما الزوجية الحميمية بعد 5 سنوات من إصابتها بالمرض حين أكد لهما الأطباء أنه لا داعي لقتل العلاقة الزوجية طالما إستخدما الإجراءات الوقائية المناسبة



تفاجأت بالرجل..و شعرت ناحيته بإحترام عظيم



" و في يوم الواقي اتقطع ..فحصل حمل"



قالتها ببساطة لا تتناسب مع وقع الخبر المرعب على..و ضربات قلبي التي تسارعت فزعا من تخيلي لذلك الأمر



و سرحت لأتخيلها ..تكتشف حملها..ماذا تفعل..و هل هذا سؤال؟..بالطبع عليها الإجهاض..و ماذا فعل الزوج يومها؟..بالتأكيد أصيب بالمرض و لعن اليوم الذي قرر فيه مواصلة هذا الزواج



إلا أنها أكملت..لتخبرنا كيف طمأنها الطبيب ..فنسبة إنتقال المرض من الأم للطفل و التي يظنها البعض 100% لا تتعدى 40% و إذا تم إتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة أثناء الحمل..ربما قلت تلك النسبة إلى أقل من 2%..لم اكن أعلم ذلك ..و لكني إرتحت له كثيرا



و جاءت المولودة الجميلة سليمة معافاة و نجا الزوج من فكي المرض



واصلت عائشة كلامها لتحكي عن معاناة توقعتها ..منازل طردها أصحابها هي و عائلتها فور معرفتهم بمرضها..جيران يحرقون أثاثها حين ترفض التنازل و الخروج بأطفالها للعراء..أساتذه و تلاميذ يلوكون سيرتها أمام اطفالها و يدفعونهم لترك الدراسة هربا من الوصم و الإهانات


إلا انها مازالت صامدة..و مازالت إبتسامتها تملأ وجهها...ليست حالة فردية..و يمكن بسهولة أن تتكرر..فكر جيدا بالأمر..مجرد عملية بسيطة..قد يكون ضرسا فاسدا تقتلعه عند طبيب أسنان..أو عبوة دم فاسدة تنقل لك في إحدى المستشفيات..فتتحول فورا لعائشة




هل تراها إهانة؟..أن تكون يوما عائشة؟...أقولها لنفسي كما أقولها لك.. ليتنا جميعا عند وقت الشدائد و عندما يختفي الأمل في الغد و عندما ينبذنا جميع من نحب و ينتهك الكل حقوقنا




يا ليتنا وقتها جميعا..نستطيع أن نكون...عائشة



-----------------------------------------------------




حقائق و أرقام



-يوجد في العالم العربي حالة إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة..كل 10 دقائق



- عدد المرضى الذين "يتعايشون" مع المرض في العالم العربي 720000 حسب آخر إحصاء في عام 2006

-عدد الذين يحصلون على أدوية لعلاج أعراض المرض 5%من عدد المصابين



-95% من عدد المصابين لا يحصلون على العلاج اللازم



-الفيروس ينتقل عن طريق : نقل الدم ..مشاركة الحقن الملوثة..الجنس الغير آمن..عن طريق لبن الأم و من الأم الحامل للجنين



- الفيروس لا ينتقل عن طريق الهواء و لا الطعام و لا الشراب و لا التلامس الخارجي مع حامل المرض



-نسبة انتقال المرض من الأم للجنين لا تتعدى نسبة 40% و قد لا تزيد عن 2% مع اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة



- الوصم الإعلامي و الديني للمرض بأنه عقاب من الله و لا يصاب به إلا الزناة و الخطاة..يمنع الكثيرين من القيام بالتحليلات اللازمة للكشف عن الإصابة بالمرض خوفا من "الفضيحة" و الوصم و التمييز

- فيروس نقص المناعة ..من الفيروسات الضعيفة..يمكن القضاء عليها بالقليل من التعقيم للأدوات الملوثة بالفيروس..على عكس فيروس الإلتهاب الكبدي الوبائي "سي" ..لا يمانع الكثيرين في مشاركة حامل فيروس "سي" حياته..إلا أن الشحن الإعلامي و الصورة المفزعة التي يرسمها الإعلام لمرض نقص المناعة مسئولة إلى حد كبير عن حالة التمييز ضد المريض و نبذه من أقرب الأقربين إليه

-مريض الإيدز..هي تسمية خاطئة لمريض نقص المناعة .حيث أن الأيدز هو المرحلة الأخيرة من المرض التي تسبق النهاية



-يمكن للمريض الذي يحمل فيروس ال "إتش .آي .في "أو "فيروس نقص المناعة" أن يتعايش معه لمدة تصل أحيانا إلى 25 عام و ذلك باستخدام الأدوية و المحافظة على الإجراءات الصحية الصحيحة



من المشاركين

العدالة للجميع

أنا إخوان

هذيان حروف

كوبري امبابة

كلمات من أجل التغيير

أحمد زيدان

قصاقيص ورق

حكاوي آخر الليل

باقة ورد

أحمد باعبود

الناس والعالم

علي سفر

حمود استوديو

عباس العبد

زينب غصن

محمد سعيد أحجيوج

بيكيا روببكيا

simply me

ضمانات

Sunday, 6 April 2008

فكرة





ألا تكتبين؟




يقولونها و هم يضيقون أعينهم ..أسمعها فتصبح سياطا تلهب جسدي و اجري في المضمار خلف فكرة شاردة أكاد ألمسها لكنها تخدعني و تفلت مني قبل ان أقبض عليها لأرتشفها و تستقر بداخلي و تخرج من مسامي حروفا على الورق




ألا تنطقين؟




يقولونها و هم يزوون مابين حواجبهم فتصبح إبرا تنغرس في قدمي فأظل أقفز في الهواء باحثة عن اي فكرة ضلت طريقها إلى صاحبها علني ألتقطها لأصيغها و أنطق فتكف الإبر عن إدماء قدمي



تطفو فكرة على سطح الماء الراكد فأسرع إليها فتغافلني و تذوب في الهواء


تعلن أخرى عن وجودها بوميض فوق رأسي ثم تختفي في الظل ساخرة


أعرف نفسي قد تظل قريحتي تبخل علي لأيام و أيام
ثم تأتي الأفكار كشلال يغرقني و يغرقهم جميعا معي


و ساعتها


سيتنهدون و يمطون شفاههم و هم يقولونها



ألا تصمتين؟


Friday, 14 March 2008

يوم في شهر مارس







اليوم جاءتها رغبة ملحة في شرب كوب من القرفة باللبن..رغم أن الجو معتدل و هي لا تهوى شرب القرفة باللبن إلا في الليالي الباردة..أعدت الكوب و قربته من أنفها و هي تستنشق الرائحة المميزة و أغمضت عينيها و ارتشفت أول رشفة فشعرت باليد الدافئة تحتضنها برفق و تربت على رأسها في حنو بالغ ..مر الطيف في خيالها ففتحت عينيها سريعا لتمنع نفسها من الغوص في بحر الذكريات





صعدت في خطوات سريعة إلى سطح المنزل لتقوم بجمع الملابس المنشورة منذ الأمس.. حاولت المقاومة لكنها لم تستطع الإمتناع عن دفن وجهها في الملاءة الوردية آملة أن تجد فيها بقية من رائحة.. إرتسمت على وجهها أمارات خيبة الأمل حين خذلتها الملاءة ..فهي ملاءة عادية لا تحمل صفة الإعجاز حتى تحتفظ برائحة جسد لامسها لآخر مرة منذ خمس سنوات








جاءت بالأطباق لتجهز طاولة الطعام فوجدت أنها أحضرت طبقا زائدا..أخفته فزعة وراء ظهرها كأنها تخفيه عن عينيها و عن تفكيرها..كيف لها ألا تنتبه..خمس سنوات مرت دون أن ترتكب تلك الغلطة..فلا أسهل من طبق فارغ ليذكر الحاضر بمن غاب.. مر الطيف مرة أخرى .دفعته دفعا خارج ذهنها هذه المرة فلا توجد لديها -اليوم بالذات- القدرة على إنقاذ قلبها من اليد التي تعتصره كلما سمحت للذكرى بأن تستقر في ذهنها للحظات






تلك الأغنية التي تنطلق من حانوت الهدايا على ناصية الشارع تسبب لها الإختناق..لماذا لا يشعرالناس بنتيجة أفعالهم ..ألا يعلم صاحب الحانوت ان تلك الأغنية..تلك الأغنية بالذات قد تفتح جرحا داميا في قلبها جاهدت سنوات لتغلقه..أغلقت النوافذ و حاولت شغل نفسها حتى لا تسمعها إلا أن صوت الأغنية ظل يخترق أذنيها متسللا في خفة و قسوة إلى القلب فيدميه





ترتدي ملابسها في حدة و غضب مصرة على النزول للعراك مع صاحب الحانوت..ضيق ..حزن ..ألم..اللعنة على شهر مارس..لابد لها من إيقاف ذلك الجلد المستمر لها و لغيرها..لابد أن الكثيرون يشاركونها ذلك الشعور..فلتنصب نفسها مدافعة عن حقوقهم..لن تنزوي و تدعو أن يمر هذا اليوم بسلام ..بل ستعترض و إن لم يفهم الرجل فلا مفر إذا من العراك




تنزل بسرعة إلى الشارع متجهة إلى الحانوت ..يفتح الباب فتسمع صوت الأجراس الصغيرة ..و تراها.. فتاة في العاشرة تحمل على وجهها إبتسامة إنتصار. تحتضن بين يديها الصغيرتين علبة صغيرة مغلفة بورق مزين بالقلوب الحمراء..تجري ناحيتها ثم تتجاوزها لترتمي في حضن سيدة على الجانب الآخر من الشارع..تراهما في مشهد يعيد لها من الماضي مشهدا مماثلا -بل ربما مطابقا -..لها ..و لها..





مازال صوت الأغنية ينطلق من الحانوت : " ست الحبايب يا حبيبة" ..تتقبله الآن و تترك الطيف ليتسلل إلى كيانها و يحتله ..كوب القرفة باللبن في الليالي الباردة..الملاءة الوردية على سريرها الكبير..مكانها على طاولة الطعام..هديتها التي كانت تدخر من أجلها قروشها القليلة..تستسلم لإبتسامة واسعة و تتركها لتستقر فوق شفتيها..تزيل الحواجز و تهدم السدود لينساب نهر الذكريات في قوة و حرية ..فتمتليء روحها برائحة الزنابق و الفل و القرنفل..و تغشى عينيها صورة تجري وراء الأخرى لفساتين العيد المنفوشة و شرائط الساتان الملونة و كراريس الحساب و العربي و الحروف المكتوبة في صفوف عمودية و عروسة المولد المرسومة في كراس الرسم..و تزدحم أذنيها بأصوات تنبيهات و تحذيرات و ضحكات و دعوات





تملأ قطع الفسيفساء كيانها لتكون صورتها.. وتربت يداها الطيبتان على روحها التعبة فتصبح نار الفراق بردا و سلاما و تعود لتتدفأ بذكراها و كأنها تنام بين أحضانها





تهدأ تماما و تستدير لتعود إلى منزلها و لا تنسى و هي تمر بجوار الفتاة أن تهمس لها


"ربنا يخليهالك"

Thursday, 28 February 2008

فراشة





فراشة طايرة في الخلا يجري وراها صغير


يحبسها مرة بين إيديه و يعود يسيبها تطير


و ف عز لهوه و متعته يقطع جناحيها


ما اللهو ممكن يبقى سيف يقتل براءة و خير