20 مارس، 2009

صعب عليك ان ترفس مناخس

لا يكاد الواحد يتصادم مع طبائع الشعب المصرى هذه الايام حتى يصاب باليأس والقنوط من انصلاح احواله , فالصفات السيئة تكاد تطغى على شخصيته , فالجبن والخداع والندالة وغيرها من الموبقات وفيرة جدا فى هذا الشعب , ولو تعاملت مع احدهم بكرم غير تقليدى فأنت اهطل وعبيط ولقطة , وان افتريت عليه يبقى انت راجل واصل واحنا مش قده يا عم , شعب مابيجيش الا بالعين الحمرا صحيح , اجبن من ان يواجه قامعيه , وقد يقع البعض فى حيرة المقارنة بين جبنه فى حياته وشجاعته فى الحروب , والتفسير ان شجاعته فى الحروب مردها بالاساس الى خوفه وهلعه الشديد من حكامه وآمريه , فهذا الشعب استمرأ الذل والهوان وخلا من كل مكرمة يمكن البناء عليها لاصلاحه .
ورغم هذا الجبن فهو يستأسد على من يكلمه بالحسنى كأنه يريد ان يينتقم ممن اذله فى شخص من اكرمه واحترمه , وهذا الاستئساد تجده حتى فى احقر الطبقات وارذلها , ويندرج تحتها الرشوة الالزامية عند قضاء المصالح القانونية قبل الممنوعة , بل ان اى مصلحة مخالفة للقانون لم تعد تمر ولو بالرشوة الا على المستويات العليا خوفا من طائلة القانون , وان لم تقبل بدفع الرشوة لتأخذ حقك القانونى يبقى لن تأخذه فى سنتك , او ان يكلفك فوق ما سيأخذ عدة اضعاف وكله بالقانون .
وبالطبع لا حاجة لى لتبرير سبب لكتابة هذا الكلام , فيكفى لأى قارىء ان يعيش فى مصر حتى يشعر بما هو مكتوب واكثر منه , ولكن ما استجد هو الوصول الى قناعة بانعدام اى امكانية لتعديل طبائع هذا الشعب .
واتمنى الا يتغابى احدهم فيقول لى بتفاهة " ما انت من الشعب المصرى يعنى بتشتم فى نفسك " لأن من الطبيعى ان من يصدر من هذه السلوكيات يظن انها ليست مقيتة ولا مستهجنة , يعنى من يستهجن نمطا سائدا يكون بالطبيعة غير منغمس فيه , وبالطبع ليس كل الشعب المصرى كذلك لكن التيار السائد فيه كذلك .
ان الرسول يقول " بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، ودنيا مؤثرة ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ورأيت أمرا لا بد لك منه ؛ فعليك نفسك ، ودع أمر العوام ؛ فإن وراءكم أيام الصبر ، فمن صبر فيهن ؛ كان كمن قبض على الجمر ، للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله
وانى لا احسبنا الا فى هذا الزمان الذى اخبر عنه النبى , اما من يظن انه قادر على اصلاح هذا الشعب فأقول له " يا عزيزى صعب عليك ان ترفس مناخس "

30 يناير، 2009

درس أردغان لمعاشر العربان

من الواضح أنَّ سبب الفرح بما فعله السيد رجب أردغان في بيريز , وبمنتدى دافوس ، عندما ردَّ غاضبا على وقاحة هذا الصهيوني العفن ، وغادر المؤتمر محتجاً على ما جرى فيه ، أنه كالفرح بحركة الخنصر بمن أصابه الشلل التام ، رجاء أن تسري هذه الحركة يوما ما في سائر الجسـد .

وليت شعري إنَّ هذا المشهد لمحزن جداً من وجه آخر ، فكيف نفرح بموقف لايعدو كلاماً ، ومقاطعة مؤتمـر في مقام عابـر ـ كان الواجب أنْ لا يُحضـر أصـلا مادام هذا الكيان الصهيوني المجرم فيه ـ في مقابل احتلال الصهاينة لأرضنا ، وقتلهم أبناءنـا ، وإهانة كرامتنا ، ومضيهم في هذا النهج بتحـدِّ سافــر لأمتنــا كل يوم ؟!

وذلك أننا ـ ولنا الحق في ذلك ـ نقارن بين حالنا اليوم ، وماضينا المجيد ، لاسيما مشهد (وامعتصماه) ، بل مشهد الخلافة العثمانية وهي تردِّد مقولة السلطان عبد الحميد الشهيرة ، عندما طلب منه اليهود أن يسمح لهم ببناء بعض القرى في فلسطين لتكون وطنا لهم : (تقطع يمينى لا أوقع على وثيقة يكون لليهود بموجبها موطئ قدم فى فلسطين .. إن عمل المبضع فى جسدى ، وتمزيقه إربا ، أهون عليّ أن أرى فلسطين ، وقد بترت من جسم دولة الخلافة) .

غير أنَّ هذه المقارنة ينبغي أن لاتنسينا أنَّ نهضـة الأمم تبدأ أحيانا بخطـوة قد تحتقرها العيـن ، وأنَّ سنة الله تعالى اقتضت إعتبـار عامل الزمن في التغيـرات الكبيرة ، وأن تجاهل هذه السنة الكونية ، سبيل المتعجليـن المحرومين من ثمار النجاح.

وإنَّ في تركيا اليوم رجوعاً عظيماً للإسـلام ، واعتزازاً كبيـراً بهويتهـم الإسلامية ، وانتماءهم الديني ، وتاريخـهم الوضـّاء في حملة راية الإسلام ، والدفاع عنه.

ومن يرى تفاعل الشعب التركي البطل مع قضايا الأمة في السنوات الأخيرة ، يرى هذا التغيّـر واضحا كرابعة النهار ،

ولاريب أنَّ في موقف الزعيم التركي ـ على ضعفه بالمقارنة التي ذكرناها ـ دروسا تكشف لنا أن تخاذل الزعماء العرب ، إنما هو بسبب عجز ذاتي ، ومهانة نفسية ، وضعف صنعوه لأنفسهم بأنفسهم ، وليس لأيِّ سبب آخر .

فالسيد أردغـان لم يقم وزنا لما يخـوِّف بها الصهاينة أهل النفوس المهينة ، من قدرات وهميّة هائلة على الإضرار بالدول فضـلا عن الشخصيـات ، ولا أقام اعتبارا للدعم الأمريكي والأوربي اللاّمحدود لهذا الكيان الخبيث ، ولا خشي أن يلاحقوه ، أو يقعدوا له بكلِّ مرصد ، ليحرموه من كرسيِّ يتخذه نداً مع الله كما يفعل الزعماء العرب.

بل وجـَّه إهانات مباشرة للقاتل المجرم بيريز ، هذا السفاح الذي أكرمه الزعماء العرب وهم أذلة ، في مؤتـمر نيويورك الذي أطلق عليه ( حوار الأديان ) ، وهو بأن يسمى شباك الشيطان أحرى وأولى ،

وجه الإهانـات لهذا السفاك في مؤتمر ( دافوس ) ، وكذَّبـه جهارا ، وأدار ظهره إلـيه ، وإلى كل الحاضرين أمامه ، مستنكراً أن يصفق هؤلاء المجرمون جميعا لهذا القاتل ، وخرج مترفعا أن يبقى في مثل هذا المكان .

صحيح أنَّ موقف يسير ـ وهو أقل بكثير من موقف شافيز البطل ـ في مقابل جرم الصهاينة الكبير ، غير أنَّ فيه دروسا لمعاشر الزعمـاء العرب الذين بقوا صامتين ، مذهولين ، واكتفى عمرو موسى بجعجعته المعهودة ، التي لا طحـن فيها ، ولا هـي يعول عليها.

ومن الدروس المستفادة أيضا ، أنه لولا جذور أردوغان الإسلامية ، وبقايا أثـر الخطاب الإسلامي في شخصيته ، لما وقف هذا الموقف ، ولاننسى أنه قد أشار إلى هذا ، من أول أيام العدوان الصهيوني على غزة ، معتزاً بإنتماءه إلى الخلافة العثمانية.

وفي هذا درس أخـر أنَّ الإسلام هو منبـع عزِّ هذه الأمـة ، فكما أن حماس انتصرت بالإسلام ، وهتفت لها الأمة الإسلامية ، بسبب جهادها بهذه الراية ، وقف الترك مع القضية الفلسطينية بسبب إسلامهم ، أو بقيـَّة باقية منه .

وهاهـم اليوم يعودون إلى إسلامهم ، ويضربون أمثلـة لبني العروبة ، ويعطونهـم دروسا في العزَّة ، والإعـتزاز بالإسلام ، متذكِّرين تاريخهـم الناصع الذي نعـتز به.

ولاريب أن هذا التاريخ الناصع ، قد تعرض لحملات كبيرة من التشويه المنظم ، واكبـت فترة الإستعمار الماضي ، عندما تداعت الأمم على الخلافة لإسقاطها ، وبعد سقوطهـا ، لئلا يبقى هذا النموذج الإسلامي مصدر إلهام في الأمـَّة ،

وقد تـمَّ لهدف تشويه تاريخ الخلافة العثمانية تجنيد كثيـر من المفكرين ، والكتاب العرب ، وغيرهـم .

ولهذا فسوف نكتب إن شاء الله تعالى ومضات من تاريخ الخلافة العثمانية في المقال القادم ، موجهـين العلماء ، والدعاة ، إلى مد اليد لهذه النهضة الإسلامية المباركة في تركيـا .
لقد سمعوا من التُرْك اليقينـا
رسالـةَ مفهمٍ قولاً مُبيــنا
وقالوا الحقَّ في (دافوسَ) جهْراً
وأُسْكت عُربنا صَمْـتا مُهينا
وأصبحَ (أرْدغانُ) بلا مـراءٍ
يفـوقُ عروبـةَ المتَعـرِّبيـنا
رأى (البيريز) يفخر بإنتفـاخٍ
بقـتل المسلمينَ المؤمنيــنا

وكان يقول من سَفهٍ كلامـاً
ويُظهـر حقدَ أنجاسٍ دفيـنا
فألقى (الأردغانُ) عليه ردَّاً
فأغضى ، والخبيثُ بدا مَهينا
وقال مُقدَّم الأتراكِ : فاخسأ
فكـمْ من ظلْمكم ذقْنا سنينا
وأنتم تقتلون النَّـاس ظلْمـا
وأنـتم تزعمـونَ المصْلحيـنا

وأنتم تقتـلون الطفلَ طحْنـاً
وأنــتم أكذب المتكذِّبـينا
وقامَ يمـرُّ في عجَـلٍ ويرقـى
ويتـْركُ مجْمــعَ المتهوِّكيـنا
وأمرُ العرْب أصبحَ في اضْطرابٍ
مـنَ الذلِّ الذي أمسى خدينا
بقوْا في مجْمــع الإذلال صمْتا
فشاهـتْ أوجــهُ المتذلِّلينـا

وكلُّ الشأْنِ عندهُـمُ خـِلافٌ
سوى ذلِّ بـه متوحــِّـدونا
***
فيا أهـلَ العُروبة مـن نِزارٍ
ومـن مُضَـرٍ أرى متوثِّبيـنا
على الإسلامِ متحِّدين كونوا
وعـوُدوُا للجهادِ مُوحَّديـنا
وقودوا الفرس والأتراك كـلُّ

أخـاءٌ فيه متفقـيـنَ ديـنا
جميعـاً لايفرقّهــم لسـانٌ
ولاعـرقٌ لــه يتعَصـَّبونا
إلى (الصهيونَ) منتصرين سيروُا
لنضـرمَ أُسَّ دولتـها أتـونـا
لنتركهم ذوي ذلِّ صغــاراً
ونرفـعَ عن فلسطـينَ الأَنينا

حامد بن عبدالله العلي

15 ديسمبر، 2008

الجزمة بمعناها فى نفس لابسها

كلنا تابعنا وبكل سرور الهدف الجميل الذى احرزه منتصر الزيدى يوم الاحد الماضى , وتقريبا سارت ردود الافعال فى العالم العربى فى اتجاه واحد يصب فى شعور طاغى بالفرحة لهذا التصرف من قبل الصحفى العراقى , لكن كالعادة ظهر علينا ذوى الياقات البيضاء من العرب الذين تقمصوا دور العقلاء الحكماء العقلانيين واخذوا يتحفونا بعدة حجج منطقية توضح لنا حقيقة الوضع , وكيف ان الامريكان لم يشعروا بالاهانة مطلقا وانه عادى عندهم دول حتى بيسلموا على بعض بالجزمة كل يوم الصبح عربون محبة يعنى .
من امثال هؤلاء كان حافظ المرازى الذى كان ضيفا على برنامج العاشرة مساءا , الرجل اخذ يشرح كيف ان الاعلام الامريكى لم يتعامل مع القضية الا من خلال شرح مفهوم استخدام الحذاء فى الثقافة العربية , وماذا يعنى استخدامه عندنا نحن العرب , ولكن الرسالة التى قصدنا ايصالها باشعار بوش بالاهانة لم تصل , ولا ادرى هل هو جدى فى كلامه هذا ام يهزل , اننا لا يهمنا ماذا يعنى الحذاء بالنسبة للغرب انما ما يعنيه بالنسبة لنا فصاحب الحذاء عربى , وعندما يفهم الامريكان ماذا يعنى استخدام الحذاء بالنسبة للعربى يكونوا قد فهموا الرسالة تماما , فكما قالوا قديما ( الكلمة بمعناها فى نفس قائلها وليست بمعناها فى نفسها ) .
ثم انتقل لنقطة اخرى تدور حول قضية المهنية فى اداء الوظيفة الصحفية , ولكن من قال ان منتصر الزيدى فعل هذا كصحفى , انه فعلها كعربى عراقى يعبر عن كم الغضب والكراهية التى يحملها تجاه الجرائم الامريكية , وليس هنا مجال لتوصيل رساله حضارية عن العرب كما يزعم المرازى , ولا اتصور اصلا ان يكون هناك محل للتصرف الحضارى من قبل ضحية لم يتورع جلادها عن ارتكاب كل انواع الجرائم الوحشية والحيوانية , ان المرازى يتكلم عن امكانيات احراج بوش بقوة عن طريق الاسئلة العسيرة التى ستجعله يفشل فى الاجابة عنها ووشه يحمر ومش بعيد يسقط ويعيد السنة .بغض النظر عن كل هؤلاء انا مبسوط جدا جدا جدا بالموقف دا , وكل اللى انبسطوا من هذا الموقف مش غافلين عن كون الاحتلال الامريكى فى العراق مازال قائما , ولا واحد فيهم يجهل حقيقة موقفنا وسوء اوضاعنا , لكن الموقف دا ان دل على شىء فانما يدل على ان الامة مازالت كرامتها حية ومازال كبرياؤها متجددا ومازال غضبها متأجج , لم نسقط بعد فى حمأة الدياثة ولم نصل لدرجة تقبيل ايدى جلادينا بمناسبة انتهاء مدة خدمتهم وتسليمنا لجلاد جديد .

12 ديسمبر، 2008

التقريبيون والترام

فى النصف الاول من القرن العشرين ظهرت دعوات التقريب بين السنة والشيعة , وكانت غاية أئمة هذه الدعوة من أمثال الشهيد – بإذن الله – حسن البنا والشيخ محمود شلتوت والدكتور مصطفى السباعي وغيرهم هي محاولة مداواة جرح نازف في جنب الأمة وإغلاق جبهة زائدة تستنزف جهودها وتشتت انتباهها , وقد ظهرت أهمية مسألة الصراع بين السنة والشيعة في مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني عندما قال " عدم وجود تفاهم مع إيران أمر جدير بالتأسف عليه , وإذا أردنا أن نفوت الفرصة على الإنجليز وعلى الروس فانا نرى فائدة وجود تقارب اسلامى في هذا الأمر " , ولعله لا يخفى على ذي لب أن السلطان عبد الحميد رد سبب دعوته لمثل هذا التقارب إلى تفويت الفرصة على أعداء الأمة , وقد كان هذه هي الغاية الأساسية لدى أعلام السنة الذين دعوا للتقريب وسعوا له .
ولكن هذه النوايا الطيبة من جانب السنة لم يقابلها مثلها لدى الشيعة , فقد وجد الشيعة فى مثل هذه الدعوة فرصة للوثوب على العالم الاسلامى , ووسيلة للنفاذ لقلب الأمة ونشر مذهبهم فيها , وقد ظهر هذا جليا في تجارب كثيرين ممن كانوا متحمسين لمسألة التقريب وشعروا بعد ذلك أنهم خدعوا من قبل الشيعة, فالدكتور مصطفى السباعي يروى تجربته المريرة مع الشيعة في التقريب في كتابه (السنة ومكانتها فى التشريع الاسلامى) وكيف انه التقى بعبد الحسين شرف الدين احد علماء الشيعة في جبل عامل واتفق معه في حضور بعض علماء الشيعة على ضرورة جمع الكلمة وإشاعة الوئام بين السنة والشيعة وكيف أن تحمس عبد الحسين للفكرة لكنه ما لبث أن وجد عبد الحسين يصدر كتابا في أبى هريرة مليئا بالسباب والشتائم بل وصل به الأمر إلى تكفير الصحابي الجليل أبى هريرة , ولم تقف التجارب المريرة عند هذا الوقت فالشيخ يوسف القرضاوى مثالا حيا لمثل هذه التجارب , فقد بح صوت الرجل طوال سنين يدعو للتقارب ونبذ الخلاف وتجنب الفرقة وضرورة البعد عما يثيرها , وكان يلح على علماء الشيعة الكف عن سب الصحابة ولعنهم , ولم يلقى منهم إلا الكلام المجامل الذي لا يغير من الواقع شيئا , فلما تكلم بوضوح وصراحة فيهم هاجموه بكل ألسنتهم .
فالشيعة لا يسعون من وراء تجاوبهم مع دعوات التقريب إلا الاستفادة في اختراق الصف السني , فهذه الدعوات تحسن صورتهم أمام العامة بحيث يستطيعوا بعد ذلك أن يتدرجوا فى اجتذابهم لمذهبهم ,فالعادة البشرية جرت على النفور الطبيعي لدى اى جماعة بشرية من عقيدة اخرى مخالفة تعلم بطلانها ابتداءا , فلما يبرز امام عامة أهل السنة أناس لهم من الثقل والمكانة لديهم ما هو معلوم يحسنون صورة الشيعة ويثنون عليهم فهذا اول خطوة يريدها الشيعة للنفاذ تدريجيا نحو قلب المجتمع السني ودعوته وجذبه للتشيع الرافضي .
والشيعة – كسائر الفرق الباطنية – لهم في مذهبهم والدعوة إليه درجات – أو قل دركات – أوضحها حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه ( فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية ) , فهم لا يظهرون حقيقة مذهبهم دفعة واحدة , فالخطوة الاولى تقتضى موافقة الذين يدعونهم وعدم اظهار المخالفة لهم حتى يستأنسوا منهم قبولا لدعوتهم , ثم بعد ذلك تأتى محاولة الوصول الى قلب المدعو واستمالته بلطف الحديث , وينتقلون بعد ذلك للتشكيك فى اصول الاعتقاد لدى المدعو بما يعجز عن الاجابة عليه لكونه من العوام , فان تعلق ذهن المدعو بهذه المسائل الشائكة التى لا جواب عنده عليها امتنعوا عن اجابته حتى تأكدوا من التزامه جانبهم وانضوائه تحت لوائهم , فان تأكد لهم هذا اكدوا لهم مدى تعظيمهم للشرع واحترامهم للنصوص القرانية , ولكن هذا يتبعه القول بوجود ظاهر للنص وباطن له , وان ظاهر النص ليس هو المراد انما المقصود باطنه الذى اودع فيه , فان تقبل هذا صار تابعا لكل اقوالهم فى تفسير القران وقبول السنة وانسلخ بالكلية من السنة .
ورغم وضوح هذه الحقائق من خلال التجارب العملية مع الشيعة فى مجال التقريب الا اننا مازلنا نشهد كثير من أعلام أهل السنة يعزفون على نفس الوتر القديم , متغافلين عن استغلال الشيعة لهم دون أن يقدموا في المقابل اى بادرة جوهرية لحسن النية , ويذهب الامر ببعض اهل السنة ان يكيل المديح لبعض رموز الشيعة فى المساجد ويهاجم رجلا بوزن الشيخ القرضاوى ان قال كلمة حق فى كون الشيعة اهل بدعة , فالامر لديهم تعدى مجرد التقريب بينهما الى التحول لمدافعين عن الشيعة وساردين لمناقبهم , وان كان القول بتبعيهم لايران من الصعوبة العقلية بمكان فان التفسير الوحيد الذى يمكن تصوره عقلا هو أنهم أدركوا فعلا أنهم اشتروا الترام ويحاولون أن يبيعوه لنا أيضا كى لا يظهروا بمظهر السذج الأغرار .

21 نوفمبر، 2008

العراق – قراءة للواقع

عند سقوط بغداد فى ابريل 2003 ظهر بالعراق عدة مشروعات مختلفة تدعم كل منها قوى على الارض بهدف تحقيق اهدافها , نذكر اهم هذه المشروعات وهى : المشروع الامريكى مدعوما ب 150 الف جندى امريكى والمشروع الايرانى يعمل على تحقيق اهدافه من خلال المخابرات الايرانية والعناصر المتسللة من الحرس الثورى الايرانى , ثم المشروع الشيعى وهو مشروع متسع بعض الشىء اذ يضم تحت عباءته تيارات متنوعة فهناك المجلس الاعلى للثورة الاسلامية المرتبط بايران ثم حزب الدعوة ذو النزعة الاستقلالية وان كان يكبله اعتماده الطويل على ايران طوال سنوات المنفى ثم التيار الصدرى صاحب الرغبة فى الاستقلال عن ايران وامريكا , وفى اقصى الشمال هناك القوى الكردية التقليدية التى اغلقت على نفسها كردستان العراق , اما فى الساحة السنية فيمكننا ان نجد تيارات العمل السياسى واعلامها هم الاخوان المسلمين بالعراق ممثلين فى الحزب الاسلامى فى العراق , اضافة الى تيارات المقاومة وهى مقسمة الى ثلاث توجهات الاولى محسوبة على الاخوان ( كتائب ثورة العشرين و جامع ثم حماس العراق ) وتيار ذو نكهة بعثية تحت راية اسلامية ( الحزب الاسلامى فى العراق ) ثم تيار السلفية الجهادية ( القاعدة وانصار السنة ) .
وقد تصارعت هذه المشروعات طوال خمس سنوات وبلغ بعضها مرحلة التصادم او التوافق تبعا للظروف والمتغيرات على الارض , الا اننا نستطيع ان نلاحظ عدة ثوابت فى علاقات هذه المشروعات , فالاكراد ربطوا انفسهم من اول يوم بالامريكان بصورة مطلقة , والمشروع الايرانى اعتمد على سياسة قوامها تجنب الصدام مع المشروع الامريكى الذى مال بدوره الى اللجوء الى التفاوض مع الايرانيين لتقسيم المكاسب وتقديم التنازلات , اما المشروع الجهادى فى منطقة السنة فقد بدأ بمقاومة صريحة ومفتوحة مع المشروع الامريكى , وحقق نتائج ايجابية كبيرة تجلت أقوى صورها فى معركة الفلوجة والتضامن الشعبى الكبير من كافة الطوائف العراقية فى وقت تصادم فيه التيار الصدرى مع الامريكان , بما جعلهم محصورين بين الجهتين وهذا بشر بامكانية تحقيق انتصار اذا تحقق استمرار وتقوية وتطوير التنسيق والتعاون بين كافة التيارات المقاومة السنية والتيار الصدرى , ثم تغيرت الاوضاع بعد ذلك وتم ترويض التيار الصدرى وانحسر المشروع الجهادى فى المناطق السنية , وبقيت اربعة مشروعات تتمثل فى ايران وامريكا والشيعة والاكراد , وهذه المشروعات تهدف الى تنظيم علاقاتها البينية من خلال الاتفاقية الامنية التى يجرى الحديث عنها الان .
ويمكن القول ان نجاح مرور هذه الاتفاقية مرهون بما يمكن ان يقدمه كل طرف من هذه الاطراف من تنازلات وضمانات للاطراف الاخرى مع الحفاظ على مكاسب خاصة به , فالايرانيون يهدفون الى ان يصبح العراق صديق لايران ولا يمثل تهديد مستقبلى لها فى ذاته او ان يكون منصة لهجوم يستهدفها , والامريكان هدفهم تأمين النفط العراقى ومراقبة الخليج ككل اضافة الى ضمان عدم وصول تيارات راديكالية الى مراكز النفوذ فى العراق بما يحوله الى مناهض للسياسات الامريكية فى المنطقة , اما الشيعة فهدفهم الحفاظ على ما حققوه من سيطرة على الاوضاع فى العراق وامساك بمراكزا لسلطة والقوة والثروة فيه , اما الاكراد فهدفهم الحفاظ على استقلالية اقليمية عن الحكومة المركزية وموارد ثروات نفطية خاصة بهم .
وفى الحقيقة يمكن الوصول الى نوع من التفاهم فى ظل هذه المتطلبات فلا احد منها يمس خطا احمر لدى طرف من الاطراف , وبالتالى مرور الخطة الامنية مسألة وقت رغم وجود قوى ممانعة تتمثل فى التيار الصدرى الذى لا اظن فى قدرته على احداث فرق رغم صياحه المرتفع , اما قوى المقاومة السنية تعثرت كثيرا بما يمنعها من التأثير على مجريات الامور فى العراق .
وتحليل اسباب الضعف الذى اعترى المقاومة السنية هو ما يهمنا لأنها تمثل المشروع الوحيد الذى لم يحقق اى من اهدافه على اعتبار انها الحامل لمطالب السنة فى ظل عدم امكانية الارتياح للحزب الاسلامى مع ممارساته الخيانية المفضوحة , ويمكن عرض هذه العوامل فى عده نقاط : اولها الموقف الخيانى الذى اتخذته الاحزاب السنية السياسية ( على رأسهم الاخوان المسلمين ممثلين فى الحزب الاسلامى ) وارتمائهم فى احضان الامريكان بصورة فجة وصلت لدرجة تصريح قادتهم برفض خروج الامريكان من العراق , وثانيها انقلاب فصائل المقاومة على مشروع المقاومة وانحيازها لمرجعياتها السياسية ( مثل حماس العراق ) بصورة وصلت الى حد التقاتل والوقوف موقف المتفرج من الهجمات الامريكية على المناطق السنية فى ديالى وبعقوبة , وثالثها الانجراف وراء تيارات تعميق الخلافات الايديولوجية بين فصائل المقاومة , فالقاعدة لم تقبل من فصائل مقاومة اخرى طرحها للمشروع الاسلامى القطرى , رغم ان الطابع العالمى للمشروع الجهادى اكبر يكثير من طاقة فصائل المقاومة بما فيها القاعدة , ورابعها انجراف المقاومة نحو الحرف الطائفية وخصوصا التصادم مع جيش المهدى الذى كان يمكن ان يمثل حليفا محتملا للمشروع المقاوم , كما ان هذا الصدام استنزف كثير من قوى المقاومة التى كان يجب ان توجه لمقاومة المحتل .
وبالطبع يجب توضيح حقيقة ان مجالس الصحوة كانت العامل الاكبر فى تعثر المشروع الجهادى فى العراق , لكن ظهورها لا يعتبر عاملا مستقلا اذ هو نتاج عدة عوامل منها خيانة الحزب الاسلامى وعمالته اضافة الى التنازع الداخلى بين الفصائل لاختلاف الايديولوجيات كما ان فصائل مقاومة بعينها كانت الرقم الاكبر فى تكوين هذه المجالس انسياقا وراء مرجعياتها السياسية , ومع كل هذا لا ننسى ان ضعف ومحدودية الرؤية السياسية لدى قيادات المقاومة كانت عاملا ذاتيا مهما أدى الى انجاح مجهودات المناوئين و افشال مجهودات المقاومة وتشتتها .اما مسألة توصيف الوضع الامريكى فى العراق بالهزيمة او الانتصار فهى معقدة , اذ ان امريكا لم تحقق كل اهدافها فى العراق , ولم تحوله الى النموذج المنشود واجبرت على تقديم تنازلات لصالح اطراف اخرى ( اهمها ايران ) , وان كان هذا لا يكفى للقول بهزيمة امريكا فى العراق الا ان ما تحقق من اهداف امريكية قد تم دفع ثمن باهظ مقابله تمثل فى عشرات الالاف من القتلى والجرحى ومئات المليارات الدولارات من الخسائر المباشرة وقرابة ثلاثة تليريون دولار من الخسائر الغير مباشرة اضافة الى اقتصاد مهتز بشدة وشلل امريكى وعجز عن الاستمرار فى سياسات القوى الصلبة فى التعامل مع القضايا التى تواجهها , واهانة لحقت بالجيش الامريكى بعد عجزه عن تمرير المشروع الامريكى بقوته الذاتية .