تحقيق: عبدالرحمن سعد
برغم مرور18 عاما علي زلزال أكتوبر1992 مازالت هناك أزمة بين محافظة القاهرة وهيئة تعاونيات البناء من ناحية, وبين متضرري الزلزال الذين تسلموا الشقق من ناحية أخري.
الدولة راعت ظروف متضرري الزلزال وسلمتهم الشقق دون مقدم وبقسط شهري قيمته31 جنيها فقط, وهو مبلغ صغير للغاية تستطيع أي أسرة مهما كانت فقيرة أن تسدده.. في حين أن بعض متضرري الزلزال يرفضون سداد القسط بدعوي أن هذه الشقق مجانية.
أجهزة الدولة راعت ظروف المتضررين والتزمت سياسة ضبط النفس ولم تقدم علي طردهم من الشقق أو الحجز الاداري عليهم لسداد المتأخرات, ومع ذلك قام الكثير منهم ببيع الشقق بمبالغ خيالية بالمخالفة للعقد بينهم وبين محافظة القاهرة وهيئة التعاونيات.
تحقيقات الأهرام اقتربت من أطراف المشكلة.
سناء صادق كانت تقطن بمنطقة السيدة عائشة حتي وقوع الزلزال, وكانت تدفع إيجارا شهريا جنيهين فقط, ثم تسلمت وحدتها السكنية بمساكن الزلزال بمدينة المقطم, ففوجئت بقيمة إيجارية قدرها31 جنيها, ارتفعت لاحقا إلي45 جنيها, ولعدم قدرتها علي حد قولها امتنعت عن السداد, وتراكمت المبالغ عليها, تقول: فيه حاجة مش طبيعية.. كيف تراكمت علي أكثر من ثلاثة آلاف جنيه.. لو هايحجزوا يحجزوا فأنا لا أملك إلا كنبة, وأعيش علي بيع الحلوي.
برغم كبر سني, إلا اني أعيش في خوف وفزع من اعتقالي في أي لحظة, فهم يطالبونني بسداد75 جنيها شهريا, بينما يبلغ معاشي بالكاد هذا المبلغ.
هكذا يقول حلمي عبدالعليم أحمد(85 سنة) الذي تهدم منزله في روض الفرج, فنقلته محافظة القاهرة إلي وحدته السكنية المقيم بها حاليا بمدينة النهضة.
وتقول سيدة مسنة أخري, تسكن بالقرب منه, انها تقضي معظم أوقاتها في المسجد, خوفا من اعتقالها ليلا, وهي اعتقالات لا تفرق بين رجل وامرأة, ولا شاب ومسن, بعد أن استصدرت محافظة القاهرة أحكاما تقضي بالسجن ضدهم, علي خلفيةامتناعهم عن سداد مستحقاتها, في حين تعرض بعضهم الآخر للحجز الإداري علي أثاث منزله, وهو أثاث غاية في البساطة, للسبب نفسه.
حنان طه, تعيش في شقة باسم زوجها المتوفي كمال كامل, ولديها ثلاثة أبناء.. تقول إن المحافظة وعدتهم بأنها مجانية, لكن الموظفين يطالبونها بسداد75 جنيها شهريا, تقول: احنا ناس غلابة, ولا أستطيع تدبير75 جنيها كل شهر.. ونحن عايشين مهددين.
ويعترف جمال عبدالله( سائق) بأنه هارب من تنفيذ حكم بحبسه6 أشهر, بعد ان طالبوه بسداد2700 جنيه, يصفها بأنها ليست معه.
ويروي فتحي عبدالحميد أنه عندما تسلم وحدته من محافظة القاهرة فوجئ بتوقيعه علي العقد علي بياض, وتسليمه الوحدة بخطاب تخصيص, ثم قامت المحافظة بملء العقد, وفوجئت بثمنها يصل إلي60 ألف جنيه, بينما المطلوب كان8 آلاف جنيه فقط, ثم فوجئت بالموظفين يطالبونني بمتأخرات, و75 جنيها إيجارا شهريا مضروبا في40 سنة, بينما كنت أتوقع أن يكون الإيجار20 جنيها, علما بأنني عامل علي المعاش, ولا أستطيع سداد هذا المبلغ, لذلك رفعت قضية عليها.
الحيلة للإيقاع بالمنتفعين
ويقول المحامي مجدي عبدالجليل إن متضرري الزلزال كانوا الفئة الوحيدة التي لم توقع علي عقودها( علي بياض) للمحافظة, إذ كان تسليمهم يتم بموجب محاضر هدم حررتها أقسام الشرطة, وحصرتها الأحياء, لكنهم فوجئوا بعد تسكينهم بقرار من محافظة القاهرة بتحصيل إيجار منهم تمهيدا لأخذ توقيعاتهم علي عقود, وبدأ موظفو مكاتب الاسكان يطوفون علي الأهالي ينبهونهم بضرورة دفع ايجار شهري قدره75 جنيها, مثلهم مثل بقية الحالات, وبذلك تكون المحافظة قد ساوت الجميع بعضهم ببعض, فمن المواطنين من ارتضي بالقرار, وقام بالسداد, برغم أن وحدته مجانية, ومنهم من لم يرتض بذلك, وتمسك بمجانية وحدته كبديل عن تلك التي انهارت علي اثر الزلزال.
وإزاء هذه التصرفات لجأ المواطنون إلي القضاء, وطالبوا بإلزام المحافظة بضم عقود التمليك التي وقع عليها المواطنون, وإحالتها للطب الشرعي الذي أثبت أن المحافظة استغلت العقود الموقعة من المواطنين دون وجه حق!!
مجدي عبدالجليل القاضي يضيف أن هيئة التعاونيات قامت بملء نسخ العقود التي وقعها المواطنون ــ سواء من ضحايا الزلزال أو محدودي الدخل ــ علي بياض, بالأسعار الجديدة التي تطالبهم بها دون الرجوع إليهم, لذلك فقد طالب بإحالة العقود إلي قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي للوقوف علي كيفية ملئها, فجاء التقرير مؤكدا أن هناك إضافات تمت بالزيادة علي العقود في غياب المواطنين.
في الوقت نفسه, أحال القضاء الدعاوي المرفوعة من الأهالي لخبير حسابي لبيان التكلفة الحقيقية للوحدات, فأودع الخبير تقريره, مؤكدا أنها وحدات اقتصادية تم تسليمها للمواطنين دون أي تشطيب, وأنهم قاموا بتشطيبها علي نفقتهم الخاصة.
وبناء علي تقريري الطب الشرعي, والخبير الحسابي ــ يضيف مجدي عبدالجليل ــ صدرت أحكام قضائية عدة لمصلحة آلاف المواطنين من مختلف المحاكم تقضي برد وبطلان الزيادات كافة التي تمت إضافتها إلي العقود لدي الهيئة, وإلزامها بما اتفقت عليه مع المواطنين عند بداية التعاقد, وعدم مطالبتهم بمبالغ أزيد, لكونهم من محدودي الدخل, الذين يجب أن تراعي ظروفهم المادية.
ومن جانبها, استأنفت هيئة التعاونيات الأحكام القضائية, وردت بأن العقد شريعة المتعاقدين, وان البند الثالث منه يتضمن شرطا يقول: لحين الانتهاء من الأعمال الختامية للمشروع, وأن السعر المذكور بالعقود ليس هو السعر النهائي للوحدة السكنية, وإنما سيتحدد حين الانتهاء من تلك الأعمال, وأن الفوائد التي تمت إضافتها بالعقد هي فوائد قرض التمويل من البنك المركزي لتمويل المشروع.
والأمر هكذا, لم يجد عشرات المواطنين بدا من رفع دعوي أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة تطالب بفرض الحراسة القضائية علي الهيئة, برغم أنها جهة حكومية يتهمونها فيها بالتلاعب في عقودهم, وإضافة زيادات عليها دون وجه حق, لكن المحكمة قضت يوم28 يناير الماضي, بعدم اختصاصها نوعيا بنظر الدعوي.
ولكن كيف وصلت الأمور إلي هذا الحد؟
يرد مجدي السيد مصطفي المدير العام للشئون القانونية في هيئة التعاونيات بأن الهيئة أسهمت في إزالة آثار الزلزال فقامت بتسكين وإعطاء المنكوبين سبعة آلاف وحدة, في كل من هضبة المقطم والقطامية, إيمانا منها بروح المشاركة في حل المشكلة السكنية بحسب الدور المنوط بها قانونا, علي أن تتحمل الدولة قيمة هذه الوحدات, خاصة مشروع المقطم الذي لم تستوف الهيئة حتي تاريخه المستحقات المالية الواجبة السداد من المنتفعين بالوحدات الكائنة به, والتي تم تمويل إنشائها من البنوك العقارية بفوائد مركبة, ومازالت الهيئة ــ كما يقول ــ مدينة بتلك القروض, وفوائدها لتلك البنوك.
-
ولكن الدولة اتفقت مع متضرري الزلزال علي أن وحداتهم مجانية؟
*
رد بانفعال: هو فيه حاجة في الدنيا النهارده مجانية!!
وأضاف: الهيئة جهة وسيطة بين الدولة والمواطنين, ولا تبغي الربح, ولكن تنفيذ مشروعاتهم يتم من مخصصات الإقراض التعاوني في الموازنة العامة, حيث تتحمل الدولة جزءا من القرض, ويتحمل المنتفع سداد الجزء الآخر.
ويتابع: لقد فوجئنا بأن أكثر من50% من سكان وحدات الزلزال ليسوا الآن من متضرري الزلزال, بعد أن قاموا ببيع وحداتهم للآخرين, وهكذا ظهر أمامنا ساكن جديد, وبرغم ذلك منحناهم عقودا, وقلنا لهم أن الشقة مساحة52 مترا يسدد عنها33 جنيها شهريا لمدة30 سنة, والشقة68 مترا, يسدد قسط شهريا عنها يبلغ39 جنيها, لمدة30 سنة أيضا.. وبرغم ذلك وجدنا امتناعا من الغالبية عن السداد!
ويتابع: نحن نبحث عن قروض الهيئة, ولو تخلفنا عن ذلك فسيتم اتهامنا بالتقصير.. وعموما فقد أوقفنا مطالباتنا المالية, والإجراءات المتخذة ضد المتضررين, لحين صدور أحكام القضاء التي سنلتزم بها, بشرط تقنين الأوضاع لهؤلاء الجدد, بأن يكون لدي كل منهم مستندات الملكية أو التنازل, والتزامهم بسداد المبالغ المستحقة عليهم, مشددا علي عدم صدور أحكام نهائية في أي دعوي حتي الآن, وأنها كلها ما زالت متداولة في المحاكم.
ويشير إلي أن هناك بندا في العقد الأصلي ينص علي أن حساب تكلفة أي وحدة مفتوح إلي أن يتم الحساب الختامي لها.. وبرغم ذلك نقدم بدائل للمتعثرين في السداد, بمد الأقساط إلي سنوات أطول.
تيسيرات لاتكفي
وكان الدكتور عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة قد أصدر تعليماته بإيقاف الحجوزات والإجراءات القانونية المتخذة بشأن سكان مساكن الزلزال بمناطق المقطم والسلام والنهضة, ومنح المواطنين الفرصة للسداد عن طريق جدولة مديونياتهم, علي أن يقوم المواطن بدفع شهر من المتأخرات القديمة مع كل شهر جديد يقوم بسداده حتي يتم استيفاء الدين, وفي حالة الالتزام يتم الغاء قيمة فوائد المتأخرات.
أما في حالة عدم الالتزام بالسداد فقد حذر المحافظ من اتخاذ الاجراءات القانونية, لتحصيل المتأخرات, لأنه يجب استيفاء المديونيات كافة, باعتبار أنها أموال مستحقة للدولة, ولايمكن التغاضي عنها.
في هذا السياق يقول ربيع هاشم رئيس حي السلام ثان إن عدد متضرري الزلزال الذين استفادوا من مساكن المحافظة يبلغ نحو عشرة آلاف متضرر, وهؤلاء لم تتقاض الدولة منهم شيئا, ودفعت مقدمات الوحدات عنهم, ثم طالبناهم بعد ذلك بمبالغ زهيدة, وأقساط شهرية عن الوحدة تتراوح بين40 و75 جنيها شهريا, لكن معظمهم رفض السداد فتراكمت الأقساط عليهم, وبالتالي اتخذنا ضدهم الإجراءات القانونية, ومنها الحجز الاداري, ضمانا لمستحقات المحافظة, وإلا توقفت مشاريع التنمية فيها.
وفي المقابل حصل بعض المتضررين بالفعل علي أحكام بعدم سداد الزيادات والمتأخرات التي تطالب بها المحافظة, كما يقول, مشيرا إلي أن المحافظة التزمت بتلك الأحكام, وتم عمل التسويات المادية اللازمة لها.
أما من لايستطيع السداد فعلا فيتم بحث حالته ــ يتابع ــ ونحاول مساعدته من خلال الجمعيات الأهلية, أو توظيف البعض منهم, خاصة أن المحافظة تقوم حاليا بإنشاء منطقة صناعية علي مساحة33 فدانا بمدينة النهضة, ولن يتم توظيف سوي أبناء المدينة بها, واصفا متضرري الزلزال بأنهم فئة تحتاج للرعاية.