مدونة جديدة!
مدونة جديدة “نوعا” لم يتح لي أن أقدمها لكم قبل اليوم..”عندما أصبحت كلماتهم حمقاء” هو الإسم الذي يروق لي إطلاقه على مدونة مالك..
في هذه المدونة يعرض مالك بعض رؤاه الفكرية، معنى التدين ومقتضياته من وجهة نظره، ولحبه للفلسفة يخوض خوضا في الحديث عن فرق ومذاهب المسلمين “ولعلنا نجد منه حديثا عن فرق ومذاهب المسيحية واليهودية مستقبلا”..
لن أعدكم بأن تجدوا هناك من تتفقون معه في أغلب أفكاره، لكنني أعدكم بأنكم ستجدون تركيبة فكرية ربما لم تشهدوا مثلها قبلا..
يكفي أن يكون الكاتب سني المذهب شيعي الميول إسلامي التوجه شيوعي الثقافة..صباحكوا فل..
كفاية..
يبدو لي أن فترة الهدوء بيني وبين مجتمع التدوين قد قاربت على الانتهاء..أتوقع أن تفتح عليّ أبواب جهنم قريبا…
لابأس..كنت قد علمت من قبل أنني أحمل كل أسباب النبذ الاجتماعي..وقد جاء وقته فيما يبدو..
هل نبدأ؟
مقال رائع بكل ما للكلمة من معنى قرأته في مدونة سقراط “والتي أعترف معتذرا إليها بأنه لم يتح لي تمعن هذه المدونة قبل اليوم”..
كان المقال متعة فكرية لا تعدلها متعة أخرى، والأمتع من الاستماع إلى الفرض كما تعلمون هو نقده..لم لا؟..لكن المهم ألا يتحول النقد إلى نقد لمجرد النقد..
بالطبع..أنا أقصد ذلك المقال: حدثتنا سقراط عن إبليس أنه كتب عن احتراق الفراشات..ويبدو أن إبليس هو “راجل بركه”..فمقاله يجد أصداء لا صدى واحدا! “مش حسد ولا غيرة..؛)”
وبما أنني قد استمتعت فعلا بمقال سقراط..فأنا سأقتصر على صداه “بعد إذن إبليس”..
على أساس من ملاحظاتها أود أولا أن أعبر عن عميق إعجابي الحقيقي بالمقال وأسلوبه “أيا كان رأيي”..وبأسلوب التفكير الذي يبحث في مردود كل تصرف..
وسيكون تعليقي على ما أثارته غير مرتب بالترتيب “الكرونولوجي” لما أثارته..وإنما سأستعيض عنه بأن أعلق على أكثر ما أعجبت به من أفكار..فالأقل فالأقل..يعني سأبدأ بحلو الكلام..
الفكرة الأساسية للمقال وبشكل عام أنها ترى أن ذلك المظهر المحدد بالسنتي يلقي في روع المرأة –سواء بشكل شعوري أو لا شعوري- فكرة أنها (كلها) عورة يجب إخفاؤها..وهو ما يعني ببساطة هو إحساس منها بالقيد الشديد السطوة الذي يمنعها -بلا شك لدى الكاتبة- من أن تمارس حياتها الطبيعية..ومثالها الرائع –فعلا- في هذا النطاق هو ذلك الرجل الذي يكتشف خرقا في بنطلونه، فتوجه إلى القارئ سؤالا: “هل يمكنك في هذا الوقت أن تدعي أنك كنت على طبيعتك؟”
الواقع أنه مثال رائع بلا شك..لكنني بعد قليل من التفكير قلت “لكن ترى..ما علاقة رجل اكتشف أن ملابسه لا تؤدي واجبها كما يجب في ستر عورته..بامرأه تعلم أن عورتها –بالكامل- مستورة كما يجب؟..أليست تلك المحتجبة هي في حالة الرجل الذي لا يوجد خرقا في بنطلونه؟”
لا زلت لا أرى إلا فارقا في مساحة هذه العورة ومدى استتارها..وكل من يعتبر أن له عورة أرى أن نفسه تكون متزنة تماما بمجرد ستره لها!..سواء كان رجلا أو امرأة..فهو قادر على التصرف بثقة وجرأة كما يريد طالما لا يشعر بأي قدر من “النقص” الناجم عن انكشاف عورته!
حسنا..أسئلة تتوارد على ذهني، يمكنكم مساعدتي في تقويم الإجابات:
س: ماذا عما رصدته سقراط من تصرفات هؤلاء المحتجبات من ضم لأرجلهن وانخفاض لأصواتهن..وفسرته على أنه نتاج إحساسهن بأنهن “عورات”؟
ج إلى الآن: أولا فالنظرة الجزئية التي عابتها سقراط على الأطباء من قبل في حديثهم عن هرمونات المرأة “والتي أؤيدها فيها” قد وقعت فيها سقراط عندما حمّلت “مفهوم” الحجاب مسؤولية إحساس كثير من النساء بأنهن ممن يجب إخفاؤهن..لا بأس..فهذه النظرة الجزئية هي غلطة كل البشر!
فمن النساء محتجبات وغير محتجبات كثير ممن يتصرفن على هذا الأساس..وأيضا من المحتجبات وغير المحتجبات كثير ممن يتصرفن بكل ثقة ويتحركن في كل مكان دون البحث عن زاوية ليختفين فيها!
فالحقيقة أنه لم يحدث تقسيم للنساء على أساس: “محتجبات” وخصائصهن دائما هي الإحساس بأنهن عورات وأنه يجب إخفاؤهن بعيدا..و “غير محتجبات” وخصائصهن هي أنهن لا يخضعن لتلك القاعدة ويسعين لنيل مكانهن ولو في صدر المجلس..هذا التقسيم لم يحدث!..ولا حتى بنسب غالبة في كل مجتمع في محتجبات وغير محتجبات!..وإنما اختلفت نسبه بين كثير من المجتمعات التي خالطتها بغض النظر عن احتجاب المرأة من عدمه..ففي المجتمع السكندري –مثلا- وجدت أن النساء (سواء المحتجبات أو المتدينات المسيحيات أو غير المحتجبات وغير المتدينات) تقل بينهن نسب المختفيات على أي حال..في حين وجدت النسبة تتزايد بين المجتمعات الريفية –مثلا أيضا- سواء كانت المختفية هي محتجبة أم لا..
أين المشكلة إذن..أنا شخصيا أراها فيما يغرس في الفتاة من صغرها وكيف يغرس..تماما كما يغرس في الفتى!..دونما علاقة حقيقة بلبسها أو لبسه!
كان يمكنك أن تتساءلي..كيف للرجل أن يسير في الشارع إذا كان يخجل من نصفه التحتي ويراه “عورة” يجب إخفاؤها..هذا بالنسبة للرجال الذين يحملون نفس فكرة المحتجبات..والواقع أن أغلب الرجال يخجلون أيضا من النصف الأعلى “في الحالة العادية”..وكثير منهم حتى لا يلبس زيا لا أكمام له “النصف كم هو الغالب في الصيف”!..إلا أن هذه العورة، وبمجرد سترها، لم تكن عائقا له ولا لها، في أي إجراء من إجراءات الحياة العادية!..إذن ما الذي يجعل بعض النساء تختفي؟..أعيد مرة أخرى هل عوملت منذ صغرها كشخصية كاملة لا تنقص شيئا لمجرد أنها امرأة؟..أم عوملت كأنها شيء يجب إخفاؤه حتى لو كانت مستورة العورة؟..وهذا الأمر لا يرتبط –كما هو واضح- بحجاب..وإنما هي عادات وتقاليد “لا أكثر”..
س: ماذا يحدد مساحة هذه العورة؟
ج: في هذه الحالة هو اعتقاد ديني..وبناء على الملاحظات في أول مقال سقراط فلن أقوم بالخوض في اعتقادات دينية لكنني هنا أناقش فقط..الفرق بين صاحبة عورة كبيرة المساحة وصاحب عورة أقل مساحة منها إذا كانت كلتا العورتين مستورتين!
ومفهومي للعورة هنا ليست (الحدود الشرعية) لدى صاحب/ـة الاعتقاد الديني وإنما ما يخجل صاحب العورة من انكشافه للناس ويسعى لستره!
الفكرة الثانية التي أثارت الأفكار فعلا في دماغي الصغير..هو المبدأ الذي اعتمدت عليه سقراط في جزء من تدوينتها..وهو المبدأ الشهير “اللي زعلان يمشي” أو “اللي خايف يروّح بيتهم”!
فهي تقول..أنه إذا كان الرجل مسلوب الإرادة أمام جسد المرأة..فليجلس في بيته..مثيرة سؤالا وجيها هو “لماذا تتحمل المرأة ذنب الرجل في كونه مسلوب الإرادة؟”
الواقع أنني أرى إجابتين لهذا السؤال..واحدة منها أعتبرها أشبه بإجابة هزلية..والأخرى أظنها تعبر عن الواقع..
لنبدأ بالهزلية:
سقراط تفترض أنه على الرجل –إذا كان يثيره منظر جسد المرأة- أن “يتحمل” وألا يكون مسلوب الإرادة أمامها!..كلام وجيه!..أليس رجلا؟..
لكن ما معنى التحمل؟..أليس ألا يكون ثم مردود لضغط ما واقع عليه بالفعل؟..حسنا..وإذا كنت تعلمين سيدتي أن أمرا ما هو ضغط على أعصاب شخص ما..أليس من أبسط قواعد الذوق..هو ألا نفعل هذا الأمر؟!
أنا لا أفرضه عليك بمسمى الذوق والأدب طبعا..فإذا كنت ترين أنه من حقك الاستمتاع بنسيم الهواء فإن أحدا لن يجبرك على التنازل عن حقك إيثارا لغيرك..(هذا مع أن حقا آخر للرجل أن يطالب به هو الاستقرار النفسي، طالما سلمنا بأن مرأى جسد المرأة يثيره فلماذا يبقى هو تحت المؤثر؟)
لكن وعلى أي حال..طالما قررت عدم التنازل عن حقك العادي في التمتع بنسيم الهواء…فإنه ليس لك انتقاد الأخرى التي تنازلت عن هذا الحق لأجل غيرها، ولو بدافع أنها ربيت على هذا التنازل، إذ أنه ليس تنازلا غير مبرر…
ربما كانت تلك الإجابة الهزلية من وجهة نظري هي لا قيمة حقيقة لها..لأني –ومن معرفتي للمحتجبات- أعلم جيدا أن واحدة منهن لم تفكر إلا في إيمانها العقدي بخصوص الحجاب بعيدا عن كل هذه السفسطات..(خاصة أولئك اللاتي لم يتربوا على الحجاب وإنما لبسنه بقرار)
أما الأخرى المعبرة عن الواقع بنظري:
هو أننا لو اعتمدنا مبدأ “اللي خايف يروّح”..فالمؤكد أن الخائف ليس الرجل!..
فحتى تلك الإثارة التي فرضت سقراط وجودها في حال نظر الرجل إلى جسد المرأة..لا تؤذي الرجل حقيقة “إلا إذا كان لا يريد ذلك لسبب ما ديني أو مبدأي”..لكنها تؤذي المرأة فعلا إذا سار سفيه من الرجال “لا يملك رادعا داخليا” خلف تلك الإثارة دون اهتمام للعواقب..في هذه الحالة..فإن الرجل غالبا لم يخسر شيئا بالفعل..وما أيسر التملص من عقوبة أمر كهذا إن كانت المرأة تعتمد على النظام والقوانين لحماية نفسها..
وحتى تلك الإجابة الجدية من وجهة نظري هي لا قيمة حقيقة لها..لأني –ومن معرفتي للمحتجبات- أعلم جيدا أن واحدة منهن لم تفكر إلا في إيمانها العقدي بخصوص الحجاب بعيدا عن كل هذه السفسطات..(مرة أخرى: خاصة أولئك اللاتي لم يتربوا على الحجاب وإنما لبسنه بقرار)..إذ أنها لا ترتديه خوفا أو بسؤال عن أسباب..
ولذا كان سؤالها في حقيقته هو “لماذا يحمّل الله المرأة نتيجة تهافت الرجل؟”..أظن والله أعلم، أن السبب في ذلك أن المجتمع الإنساني يحتاج لاستمراره إلى بعض التنازل من طرف لحساب الآخر، وعقديا: فإن الله كما فرض على المرأة التنازل عن بعض الأمور -والموقف كما أوضحنا- فقد فرض على الرجل التنازل أيضا في أمور أخرى..لا أريد الإسهاب فيها -فقط- كي لا نفتح القرآن والإنجيل كما فعل والد سقراط ؛)..ولهذا بالطبع: فإن من ارتدين الحجاب قد أقررن بهذه القسمة انطلاقا “وللمرة الألف” من إيمان عقدي (أيا كان)..
بالطبع أنا أفهم أن كاتبة التدوينة ترفض من الأساس فكرة أن الرجل هو مسلوب الإرادة أمام مرأى أجساد النساء..وأنا أوافقها في ذلك بلا شك..لكن ثم أمرين شديد الأهمية بمكان أن نفرق بينهما..وهو أن نقول أن مرأى أجساد النساء يثير الرجال..وأن نقول أنه مسلوب الإرادة أمام ذلك المنظر..والعبارة الثانية اتفقنا على تفنيدها..وطالما اتفقنا على ذلك فأنا أظن أن كثيرا من أسئلة المقال الاستنكارية قد أجيبت..
لفتة صغيرة..أود أن أوضح معنى مصطلح الإيمان العقدي الذي أكثرت من استخدامه في هذه التدوينة..فالإيمان العقدي في حالته الطبيعية هو اقتناع وإيمان عقلي قام على أساس وعلى براهين يقتنع بها صاحب ذلك الإيمان تقنعه بوجوب أمر ما أو منعه..وله في هذا من المبررات والأسباب ما يكفيه على الأقل..
فهو ذلك الإيمان الذي يجعل الإنسان –مثلا- يصلي..فإذا سئل “لماذا تصلي؟” قال تقربا إلى الله..فإذا سئل “ولم تكون الصلاة على هذه الصفة؟” أجاب بأنه ما أمره به الله..وخلاصة ما أردت قوله من كل هذا الذي دونته اليوم..هو أن أمرا عقديا لا معنى لمناقشته بناء على أسباب مادية لا تتعلق بعقيدة المؤمن به!..لك أن تناقشي “من أين لك أن تعلم أن الله أمرك بهذا؟” ولك –حتى- أن تناقشي “ولماذا ترى أن الله موجود أصلا؟”..وأقول أن طرح مثل هذا السؤال –فعلا- هو من حقك..أما أن تناقشي أمرا عقديا بمعزل عن مناقشة العقيدة نفسها كما قررت في بداية التدوينة لهو من ضروب المستحيل..وهو لن يصل بك –من وجهة نظري- إلى نتيجة صحيحة أبدا!..
بخصوص الصداقة أتفق معك في المعنى العام وبشكل ما، مع التحفظ على بعض الشكليات..فحتى (المتدينين) تنشأ بين رجالهم ونسائهم علاقات يمكن اعتبارها صداقة كاملة بغض النظر عن مسماها..عموما لا أود الاسترسال في هذه النقطة من فرط ما أشعر أنها “منتهية”..