أكتوبر 2005


بعد العودة من الطائف :
كان النبى صلى الله عليه وسلم قد فقد سنده الذى كان يحميه ، عمه أبو طالب ، فلفم يستطع دخول مكة إلا فى حماية المطعم بن عدى ( وكان مشركا ) . 

وكان الله قد أخبر النبى قبل عودته من الطائف أن نفرا من الجن استمعوا القرآن فأسلموا فسر بذلك النبى صلى الله عليه وسلم ،

وفى هذه الأجواء امتن الله على نبيه برحلة الإسراء والمعراج ، وخلاصة الرحلة أن النبى صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل فى ليلة فأخذه على البراق ، حتى ذهب به إلى المسجد الأقصى ، ثم عرج به إلى السموات السبع ، ورأى النبى وشاهد من أحوال الدنيا وأهل الجنة فى الجنة وأهل النار فى النار ، وتلقى فى هذه الرحلة فرض الصلوات الخمس فى اليوم والليلة ، وصلى بالأنبياء إماما ، ثم عاد إلى مكة فى نفس الليلة .

ومع ما أثارته هذه الرحلة من جدل واسع فى مكة ، برغم الدلائل التى ساقها لهم رسول الله فوصف لهم المسجد الأقصى ناحية ناحية ، واخبرهم عن القوافل التى فى الطريق وأحوالها ، وتبين فيما بعد صدق النبى صلى الله عليه وسلم حينما عادت هذه القبائل واكدت هذه الأخبار ، رغم ما أثارته من جدل فإن بعضا ممن كانوا قد آمنوا ارتدوا عن الإسلام ، والمؤمنون ازدادوا إيمانا ، حتى أن ابابكر رضى الله عنه حينما حاول المشركون الوقيعة بينه وبين النبى قالوا له : عن صاحبك يزعم أنه ذهب الشام وعاد فى ليلة ، فرد فى حسم : إن كان قال فقد صدق .. وحصل من حينها على لقب ( الصديق ) .

هذه الرحلة ، الراجح فيها أنها كانت فى ربيع الأول عام 13 ، إذا يستحيل أن تكون فى رجب عام 10 من البعثة ، فهذا قبل الطائف وقبل موت خديجة ، والثابت أن خديجة رضى الله عنها ماتت قبل فرض الصلاة ، وان الرحلة بعد الطائف .

فى العام الحادى عشر :

فكر النبى فى عرض دعوته على القبائل التى تأتى فى موسم الحج ، بعد اتضاح أن مكة لن تتبنى هذه الدعوة من تجربة العشر سنوات الماضية .
فكان يعرض نفسه على القبائل طالبا حمايتهم حتى يبلغ دعوة الله ، فتكلم مع 15 قبيلة ، كل منها كانت لها أعذارها أو شروطها ، مما منع أن يتم أى اتفاق بينها ، واشهر هذه المحادثات كانت مع بنى عامر الذين اشترطوا وراثة الملك بعد موت النبى ، وبنوشيبان الذين اشترطوا الحماية من العرب فقط لا من الفرس .

حتى كان فى ذى الحجة من هذا العام ، التقى النبى فى موسم الحج بست نفر من الأنصار ، عرض عليهم الإسلام فعرفوا أنه النبى الذى يتوعدهم به اليهود فى المدينة ، ثم ذكروا أن قومهم على شقاق كبير فلعل الله أن يجمعهم على يد النبى صلى الله عليه وسلم .

وعادوا إلى المدينة يحملون دعوة الإسلام .

فى العام الثاني عشر :
اقبل هؤلاء الستة ، ومعهم مثلهم فصاروا اثنا عشر رجلا ، بايعوا النبى بيعة العقبة الأولى وخلاصتها ( اجتناب المعاصى والفواحش ) ، وأرسل النبى معهم ( مصعب بن عمير ) يعلمهم الإسلام ، فقام سيدنا مصعب بهذه المهمة خير قيام ، واسلم على يديه زعيمى المدينة ( أسيد بن حضير وسعد بن معاذ ) .

وقبيل حج السنة الثالثة عشرة من البعثة ، عاد مصعب إلى المدينة يحمل بشائر الخير لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

فى العام الثالث عشر :

أقبل الأنصار وكان عددهم 73 رجلا وامرأتان ، ولقيهم النبى ليلا فى أجواء تحيطها السرية ، وتمت بيعة العقبة الثانية ، وقد وضح فيها كل طرف واجباته والتزاماته ، وتأكد فى هذه البيعة عزم الأنصار على حماية رسول الله مما يحمون منه أنفسهم وأموالهم ، واتضح لهم أن تبنى هذه الدعوة معناه الدخول فى حرب العرب والعجم ، ولكنهم ثبتوا بتوفيق الله وتمت بيعة العقبة الثانية .

بعد إتمام هذه البيعة ، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته بالهجرة إلى المدينة ، فكانوا يخرجون متخفين ليلا ، فأول من هاجر هو أبو سلمة ، والوحيد الذى هاجر علنا هو عمر بن الخطاب ، ومابقى بمكة إلا النبى وأبو بكر وعلى – بأمر من النبى – ومن لم يستطع الهجرة من المسلمين .

لما علمت قريش بأن خروج الرسول معناه أنه سيصبح أكثر قوة وعزة ومنعة ، اجتمعوا مقررين قتله فى القصة المشهورة بدار الندوة ، ولاداعى لتكرار ماهو معروف من القصة هنا .

المهم أن النبى صلى الله عليه وسلم هاجر فى عملية دقيقة محكمة بالغة الذكاء والسرية ، ووصل إلى المدينة فى 12 ربيع الأول عام 1 للهجرة ، وكان يوم جمعة ، واستقبله الأنصار بالنشيد الخالد ( طلع البدر علينا ) .

كان أول ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم هو :
1) بناء المسجد ، الذى كان فى نفس الوقت ( قصر رئاسة أو دار حكم ) فيه يتلقى الوفود ، ومنه يعين الولاة ، ومنه تخرج الجيوش ، وفيه يتربى المجتمع ، وكان منبره وسيلة الإعلام .
2) المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار : وقد كانت قصصا أسطورية صنعها الأنصار ، فصارت درة على جبين الإنسانية كلها ، إذ رحبوا بإخوانهم المهاجرين واقتسموا معهم أموالهم وديارهم وحتى زوجاتهم ، مع احتياجهم لهذا ، ووصفهم القرآن بـ (الذين تبوءوا الدار والإيمان ) أى كأن الإيمان بيت ودخلوه ، وليس دخل الإيمان فى قلوبهم ، وكانت صفحة مذهلة الروعة من صفحات التاريخ .
3) المعاهدة مع اليهود : وهى اتفاقية دفاع مشترك – لو استخدمنا مصطلحات العصر – كانت على التعاون على الدفاع عن المدينة والاتفاق على أسلوب الحياة فى المدينة ، مع الحفاظ على حياتهم وأموالهم … ولكن اليهود هم اليهود .

ثم نزل الأمر الإلهى بالإذن بالقتال .

كتب فى 6/10/2005 …. 3 رمضان 1426

حبـة القمح 

بين حبوب القمح الكثيرة ، كانت حبة قمح جميلة كبيرة متميزة الحجم والملمس والصفاء ، فكانت تفخر بذلك على زميلاتها حبيبات القمح التى إن لم تخل إحداهن من العيب ، فلن تصل إلى نفس المستوى من الميزات .

مع كثرة وتكرار فخرها بنفسها ، قالت لها حبة أخرى : لاتفرحى كثيرا ، غدا سوضع كلنا فى الطاحونة التى ستجعلنا سواءا .

ولأن الاحتمال كان مرعبا مفزعا للحبة الجميلة ، فقد أنهت الكلام مع زميلتها بسرعة ، وهربت بفكرها من هذا المصير المحتوم ، وصارت تنظر إلى قوامها غير مصدقة أن هذا القوام يمكن أن يصيبه ما يصيب غيره من حوادث الزمان .

وكبرت نفسها فى عينيها ، وظلت تكبر وتكبر وتكبر … حتى فوجئت بنفسها تلقى فى الطاحونة ، لكنها – مع ذلك – لم تصدق لحظة أن بإمكان الطاحونة أن تخدشها فقط ، لا أن تطحنها تماما .
ومع أول دورة ، وثانى دورة ، وثالث دورة .. كان الجسد الجميل قد تحول أشلاءا ، ومازالت روح الحبة غير مصدقة أو مستوعبة ما قد حدث .

*****

هذا هو الإنسان بالضبط .. حبة قمح فى طاحونة لايملك شيئا من قوانينها أبدا .

تسرى عليه قوانين الكون وكأنه حبة القمح الملقاة فى جوف الطاحونة لاتملك لها دفعا ولا تأخيرا .

قفز إلى ذهنى هذا التشبيه وانا اقرأ قوله تعالى ( الله الذى خلقكم من ضعف ، ثم جعل من بعد ضعف قوة ، ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ) .

فى هذه اللحظة فقط ، أدركت معنى كلمة ( جعل ) .. إن الأمر خارج عن يد الإنسان تماما .

تماما كقوله تعالى ( كل نفس ذائقة الموت )
تماما كقوله تعالى ( هو الذى جعل لكم من أنفسكم ازواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة )
تماما كقوله تعالى ( هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء )
تماما كقوله تعالى ( يخلقكم فى بطون امهاتكم خلقا من بعد خلق )
والآيات كثيرة ..
كثيرة ..
كثيرة ..

لكن المعنى المقصود : هو ان جميع بنى الإنسان يخضعون فى أدق ظروف حياتهم إلى قوانين إلهية ثابتة لايملكون امامها أى حيلة ولا وسيلة أو حت طريقة لتعديلها أو تاخيرها أو تحويرها .

إن السنة الكونية والقانون الإلهى يمضى ويفعل فعله فى حياة البشر دون ان يملك أى أحد امامه أى مقاومة .

كل من يولد يولد ضعيفا ، إن لم يرعه أحد سيموت … ثم يقوى ويشتد … ثم يضعف مرة أخرى وتنهك قواه .. ثم يموت .

دورة حياة ، يسير فيها كل فرد ، أو – بمعنى أدق – تحيط بكل فرد إحاطة تامة .

هذه العين التى لم تكن ترى فى الطفولة ، ثم بدأت ترى ، ثم أصبحت لاترى مرة اخرى … كذلك الذن والذاكرة واليد واللسان … وسائر الأعضاء .

كيف – رغم وضوح هذه الحقيقة – لانفكر فيها كثيرا ؟؟؟

الموت مثلا … قانون لم ينج منه فرد واحد من البشر … لم يوجد فرد استطاع حتى أن يؤخر هذا الموت لا أن يهرب منه ، لكن العجيب أننا لا ننتبه له … حتى يأتينا فجأة .

وحينها تكون الكارثة .

الكارثة العظمى والأخيرة .

لقد ماتت حبة القمح ، افترسها قانون الطاحونة .

والمشكلة (.. مازالت روح الحبة غير مصدقة أو مستوعبة ما قد حدث .)

كتب فى 6/10/2005 … 3 رمضان 1426

صلابة النفس الرقيقة . 

ماكان أكثر عجبى لدى قراءتى كتاب ( ذكريات لامذكرات ) للأستاذ عمر التلمسانى المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين ، حين ذكر فى اول الكتاب طرفا من حياته الراقية ، ونفسه الرقيقة التى تهوى صوت العصاقير وتغريدات الطيور ، والأصوات الهادئة .

ثم ذكر فى حكايته لقصة محنته ، أنه ظل عشرين عاما لايرى زوجته لأنه معتقل ، ولايسمح لها بزيارته حتى لايؤذيها أحد جنود السجن ، حتى لما رآها بعد عشرين عاما ، سلم عليها وكأنها كانت معه بالأمس لئلا يشمت بهما الجندى الذى يحضر المقابلة .

هذه الرقة التى تتبدى فى كل حياة الرجل والتى كانت ابز سمات شخصيته ، وكانت أكثر ما يلفت نظر القريبين منه ، وفسر البعض انتشار الإخوان فى السبعينات بأن مرشدهم عمر التلمسانى يكسب برقته وحيائه قلب من يراه ويحادثه .. هذه الرقة كان يقابلها على الجانب الاخر صلابة عجيبة ، صلابة بلاحدود .

فهذا الرجل ظل فى السجن عشرين عاما متواصلة فى عهدى عبد الناصر والسادات ، ثم سجن فى عهد السادات ومبارك 3 سنوات أخرى ، وهو الذى بدأ حياته منعما مرفها ، كان يتقزز ان يركب قطارات الدرجة الثالثة … كل هذه الظروف لم تستطع أن تنال من صلابيته شيئا ، وخرج من السجن كما دخل إن لم يكن اقوى يحمل نفس الفكرة ويجاهد فى سبيلها بلا كلل ولا ملل .

كيف تكون الشخصية بهذه الرقة وهذه الصلابة فى وقت واحد ؟؟؟؟؟؟
ظل هذه السؤال بلا إجابة عندى ، حتى عرفت الإجابة من الصيام .. كان يوما طويلا ، مجهدا ، شديد الحر ، ولم أتسحر … وقد بلغ منى التعب والإجهاد مبلغه فى أول اليوم وأوسطه .

حتى إذا عدت للبيت بعد انتهاء الأعمال ، شعرت براحة بالغة ، وهدوء نفسى مريح ، واستقرار واطمئنان ربما لم أشعر به قبل ذلك … وإلى جانب هذه الرقة التى أحسست بها فى نفسى ، كنت مستعدا لأقوم مرة أخرى فأؤدى أى عمل مجهد آخر دون أن ادرى لهذا النشاط سببا .

وكان بالفعل ، إذ أتانى طارئ نقلنى إلى سفر قريب وأنا مازلت على صومى .

حتى إذا انتهى الأمر ، أحسست كأنى جمعت فى نفسى هذه الرقة وهذه الصلابة فى آن واحد .
حينما تُقهر النفس بالجوع ، تتخلص من كثير من أطماعها وغرائزها المادية التى تجعلها أقرب إلى الحيوان الذى يتحرك بغرائزه ، والنفس طالما لم تحصل على الطعام مع وجوده أمامها ، لا تلبث أن تستعلى عليه وتتكيف مع عدم وجوده .. فإذا زاد على ذلك أنها مطالبة بأعمال مرهقة مجهدة ، تذمرت فى بادئ الأمر ، حتى إذا اعتادت على الأمر تكيفت معه أيضا .

فصارت لاتغريها شهوة ، ولاتعوقها عقبة .

لا أزعم أن نفسى وصلت إلى هذه المرحلة ، لكنى احسست بها فى ايام الصوم فعلا .
الدنيا تصغر فى عين الإنسان إذا استطاع أن ينتصر على شهواته وغرائز نفسه ، فيصير أكثر صلابة تجاه المغريات والمعوقات … واكثر رقة تجاه الناس والأحياء .
ذلك لأن الدنيا ، لم تعد هى الأهم والأكبر والأعظم … بل صارت وسيلة للوصول إلى الغاية الكبرى … الجنة .

وطالما الأمر هكذا … فلم الحرص عليها الذى يورث الغلظة والجفاء ، ولم التقاتل عليها الذى ينزع الرحمة والرقة ؟؟؟؟

كذلك : لم الضعف والذل الذى ينزع العزة ، ولم النفاق والخنوع الذى ينزع القوة والصلابة ؟؟؟

وعلى هذا : فمن اراد نفسا صلبة رقيقة ، فليكثر من الصيام .

كتبت فى 6/10/2005 …. 3 رمضان 1426

كنا نصلى التهجد فى الليلة الثانية من رمضان ، وما أن انتهينا من صلاة اركعتين الأوائل حتى فوجئنا بقطة تقاسم شعرها الأبيض والأسود ، ترقد فى نعومة ورقة وتنظر إلينا فى هدوء وسكينة .
فاستبشرنا أن السكينة تتغشانا فى هذه اللحظات .
ظلت هذه القطة ساعتين على نفس الوضع حتى انتهينا من الصلاة فى الثانية بعد منتصف الليل ، فلما قمنا واتجهنا خارج المسجد ، ظلت كما هى فى نفس الوضع .
حتى قال أحدنا مازحا : ” يللا ياحاجة ، خلاص خلصنا ”
نظرت إليه بلامعنى ثم قامت فى هدوء ورحلت خارج المسجد .
حاولت أن اداعبها خارج المسجد ولكنها جرت منى . 

لماذا أحكى هذه الحكاية ؟؟
لا أدرى … إنها مشاعر جميلة أحببت أن أنقلها .

5/10/2005 …. 2 رمضان 1426

أكثر ما يرهقنا – نحن معشر الطلاب – هو فترة الامتحانات ، تلك الفترة العصيبة التى تستنزف المجهود البدنى والنفسى والعقلى ، وتصيبنا بالتوتر والقلق والاضطراب … وكم نصرخ : متى تنتهى ؟حتى إذا انتهت الامتحانات ، بدأت أكثر مراحل حياتنا روعة ، وهى الإجازة ، واشتثمرها كل على طريقته ، وهو يود ألا تنتهى ، ويرى فى قدوم الدراسة القطار الذى يطير نحوه ليلتهم الإيام .

حتى إذا مضت الإجازة ، عادت الحياة إلى دورتها مرة أخرى .

ماتمنينا بقاءه رحل ، وما تمنينا رحيله رحل .

ما أودعه الله فى هذا الكون من قوانين ثابتة ومستقرة ، تفعل فعلها بكل سيطرة وثبات ومقدرة ، ولايملك الناس أمامها أى وسيلة ولاحيلة لكى تسير وفق أهوائهم ، هذه القوانين تقضى بفوات الأيام وفوات الساعات ، مهما كانت مرة عصيبة ، أو كانت حلوة خصيبة .

إذا كانت اللحظة تمضى ، فإنها تأخذ معها حوادثها ، فالتعب والمشقة والإرهاق يمضى ، وكذلك المتعة والروعة واللذة تمضى .. إنه القانون الإلهى المستقر .

فإذا كانت اللحظة تمضى ، وماتحمله يمضى معها ، فلماذا يضحى احدنا بركعتين فى جوف الليل فى مقابل أى متعة أخرى ولو كانت متعة الراحة ، إن لم تكن متعة معصية أمام تلفاز أو على مقهى أو مع أصدقاء ؟؟؟

إن الذى قضى ليله كله قائما لله وساجدا وذاكرا ، حينما يستيقظ فى الصباح لن يشعر بأى تعب من ليلة الأمس .
كذلك الذى قضى الليل كله يمتع نفسه إن حلالا أو حراما ، حين يستيقظ فى الصباح فلن يجد أى لذة من أثر الأمس .

وإذا كان الصبح سيمحو كل تعب وكل لذة … فلماذا لا نتعب ؟

لماذا لا نتعب فى سبيل الله لحظات ستمضى ، ونشترى بها متعة لن تمضى ؟

فى هذه القصة عبرة : رجل كان يمشى فى واد امتلأت أرضه بالذهب والخرز ، لكن فوق كل قطعة ذهب ، حجرا صغيرا ، فى حين تتدلى له حبات الخرز أمام عينيه ..
لكن ..

كانت هناك مشكلة ، لقد وضع صاحب الوادى الحجر على الذهب ، لأن من طبيعة هذا الوادى أن كل شئ يتبخر بعد فترة ، فكانت حبات الخرز ماتلبث أن تتدلى حتى تختفى ، تتدلى ثم تختفى .. تتبخر .. تتلاشى .
فى حين يظل الذهب محفوظا لأن قطع الحجارة تحميه من هذا التبخر .

ماذا يفعل الرجل ؟؟؟؟

احتار : هل يسارع بالتقاط حبات الخرز فيستمتع بلمسها ثم تختفى ، أم يظل يرفع الحجارة حتى يأخذ ما تحتها من ذهب ؟؟؟

هذه القصة استوحيتها من هذه المقالة :

يقول أحد السلف الصالح ( لو كانت الدنيا ذهبا يفنى ، والآخرة خرزا يبقى ، لوجب على العاقل أن يختار الذى يبقى ، فكيف والدنيا هى الخرز الذى يفنى ، والآخرة هى الذهب الذى يبقى ) .

فلمــاذ لانتعب ؟؟؟؟؟؟

حقـا .. إذا غلبت الشهوة غاب العقل .

****

اللهم ارزقنا العقل وارقنا الحكمة ، فمن أوتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا .

كتبت فى 5/10/2005 …. 2 رمضان 1426

لماذا لايستطيع أى مسلم أن يعبد الله ويعظم فرائضه وشعائره فى سائر أيام العام بنفس القدر الذى يفعله فى رمضان ؟
لماذا يكون صيام شهر كامل ، ثلاثين يوما متتابعة ، شيئا سهلا ميسورا ، فى حين تكون المواظبة على صيام الثلاثة ايام القمرية فى باقى الشهور شيئا عسيرا ؟
أو حتى صيام الاثنين والخميس ؟
كذلك القيام .. كيف يكون قيام الليل فى التراويح وفى التهجد شيئا ميسورا ، فى حين يكون الحفاظ على ركعتين بالليل شيئا عسيرا ؟؟
بإمكانك أن تقول هذا عن الصدقة وصلة الرحم وسائر مكارم الأخلاق .
لماذا فى رمضان بالذات ؟؟
وعلى قدر ما حاولت الوصول للسبب بسؤال من حولى ، والبحث فى نفسى ، لم أجد إلا سببا واحدا هو الذى اقتنعت به ، ألا وهو .. البيئة التى تغيرت .

فى رمضان يتغير اتجاه المجتمع ليسير فى الاتجاه نحو الله تبارك وتعالى ، وحين يتسق اتجاه المجتمع مع اتجاهك فإن السير إلى الله يكون أسهل وأيسر ، والعكس بالعكس .
لذلك كان أجر الذين يَصْلُحون إن فسد الناس ، ( أو يُصْلِحون ما أفسد الناس ) هم الغرباء الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفى الحديث ( اشتاقت نفسى إلى احبابى ، قالوا : أولسنا أحبابك يارسول الله ؟ قال : بل أنتم اصحابى ، للواحد منهم أجر أربعين منكم ، قالوا : بل منهم يارسول الله . قال بل منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانا ، ولايجدون على الخير أعوانا ) وفى رواية ( آمنوا بى ولم يرونى لايجدون على الخير أعوانا ) .

الدليل على هذا :
حينما تخلف ثلاثة من اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن غزوة تبوك ( رجب عام 9 هـ ) وهم ( كعب بن مالك ، وهلال بن امية ، ومرارة بن الربيع ) ، وامر الرسول بمقاطعتهم ونهى عن حديثهم ، ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه .
هذه الحادثة تدل أبلغ الدلالة على أهمية وجود مجتمع مسلم لحصار المعصية والمفسدين فى الأرض ، فهذه المناعة التى يقف بها المجتمع الإسلامى فى وجه المفسدين هى التى تحفظ عليه أمنه وثقافته واستقراره .
وحين تنهار هذه المناعة يسهل فساد المجتمع وانحلاله وتفككه .. والأهم من هذا أنه ينال لعنة الله والنبيين ، وكان أول فساد بنى إسرائيل أن الرجل منهم كان إذا وجد رجلا على معصية فنهاه ، فلم ينته .. لا يمنعه ذلك من مؤاكلته ومجالسته ، كما فى الحديث ( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق اللَّه ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب اللَّه قلوب بعضهم ببعض ثم قال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون؛ ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا؛ لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} إلى قوله {فاسقون} (المائدة 78، 79، 80، 81) ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً، أو ليضربن اللَّه بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم رواه أبو داود والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .

وكون المؤمنين لايمارسون الدعوة إلى الله فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، إنما هم بذلك يزيدون من معاناتهم هم فى عبادة الله تعالى والقيام بواجب إعمار الأرض وإصلاحها ومحاربة الفساد والإفساد فيها ، لأن المجتمع كله حينها سيقف فى طريقهم … هذا فضلا عن المنكرات التى ستتحول إلى ثوابت وقوانين وعادات وتقاليد تقيد حركة المؤمن حتى فى نفسه وبيته وماله ، ويصير كالغريب الأجرب الذى ينفر منه كل الناس .

****
فى رمضان تبدأ التحولات التى تطرأ على حياة الناس فتقربهم من الصلاة ومن المسجد ومن المصحف وتدبر القرآن ، فيصيب أنفسهم من صفاء هذا الجو الإيمانى ما يجعل حركة الجميع نحو الله أسهل وأيسر ، فتساهم هذه البيئة بدورها فى تقريب البعيد ، وحثه على الاقتراب من رحاب الله تعالى .

حتى وإن لم يقترب ، فإن سيره ضد اتجاه المجتمع سيكون هو الشئ المستغرب المستفز ، وما أبلغ على هذا من تحرج المفطر أن يجاهر بفطره فى نهار رمضان ، لأنه يعلم أن البيئة التى حوله لاتقبل هذا الوضع وتشمئز منه .

إذن .. رمضان فوق كل ماله من أفضال ، إنما يساهم فى :
- حصار المعصية وحصار المفسدين ،
- اقتراب الناس من الله
- اقتراب المبتعد عن طريق الله فيعود لأن اتجاه المجتمع يحمله فى هذا الطريق
- فرصة ذهبية للمؤمن كى يفعل فى رمضان من طاعات وعبادات لايطيقها فى غير رمضان .

***
وجود المجتمع الإسلامى ضرورة بشرية يجب أن يسعى إليها المؤمنون بالله ، ليس فقط لكى يرفعوا الظلم والفساد فى الأرض ، بل لكى يستطيعوا أن يعبدوا الله كما يحبون ويرجون

***
اللهم تقبل منا الصيام والقيام فى رمضان .

كتب فى يوم 5/10/2005 …. 2 رمضان 1426

” عجبا لابن آدم ، أسير جوعه صريع شبعه ”
للأسف الشديد نسيت قائل هذه العبارة من سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم .
لكن المعنى لم يخفت من ذهنى منذ قرأتها .
ذلك الإنسان الذى إذا أصابه الجوع أنهكت قواه ، وضعفت حركته ، وأصبح غير قادر على التركيز ، ولا على العمل حتى يأكل ويتزود بالطاقة .. فهو لهذا فرد غير منتج فى حال جوعه .

فإذا ملأ بطنه من خير الطعام اشتهى الفاكهة ، ثم اشتهى الشراب ، فإذا قضى شهوته من الطعام ، حامت على رأسه جيوش النوم ، فأصبح فى نفس الحال غير قادر على العمل والتركيز والإنتاج .

إذن .. مالحل ؟؟

” بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ” هكذا قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنه ” ما ملأ ابن آدم وعاءا شرا من بطنه ” .

لكن مالداعى لهذا ؟

راودتنى هذه الخاطرة ، حين فكرت كيف أستفيد من رمضان ، وكان تفكيرى حينها فى صلاة القيام أو التراويح .. فرجعت بذهنى للأعوام الماضية أحاول الاستفادة من تجربتها ، لأكتشف أن كل مرة ملأت فيها بطنى فقدت فيها لذة القيام .

هذا التثاقل الذى يفيض به امتلاء البطن على سائر الجوارح لايسمح لا بالخشوع ولا بالتدبر فى آيات القرآن ، ولا بالتأنى فى أداء الركعات .. الشئ الوحيد الذى يسيطر عليك فى هذه اللحظات هو حساب كم من الركعات بقى لكى تغادر المسجد إلى الفراش اللذيذ الذى يتحول – فى هذه اللحظة – إلى الأمنية العظمى والهدف الأكبر .

ثم حين تعود إلى البيت ، يتناولك الشيطان ليجلسك امام التلفاز أو مع الأصدقاء أو حتى على المقهى .. المهم أنه بخروجك من المسجد يختفى حلم النوم ليستيقظ حلم المتعة .

أو قد يسيطر عليك النوم مبكرا من بعد الإفطار ، فلاتذهب من الأصل إلى صلاة التراويح .

أنت لاتدرى فى هذا الحين أنك تفقد فرصة لن تتكرر إلا فى العام القادم – لو تكررت – فرسول الله صلى الله عليه وسلم وعد حين قال ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ، وأنت تفرط فى هذا القيام بكل بساطة .

مالذى سيحدث لو أنك إذا افطرت لم تملأ معدتك عن آخرها ، فتصلى خاشعا متدبرا لآيات الله تعالى ، فإذا أنهيت الصلاة ، فأمامك الطعام فى البيت تستطيع حتى أن تبيت فيه .

لكن .. لماذا الإصرار على ملء البطن فى الإفطار ؟؟؟

الطعام بإذن الله لن ينفد ، لكن الأيام والقيام واجر الصلاة والخشوع ، كل هذا ينتهى ، وينتهى سريعا .

هل أحسستم أنه قد مضى من رمضان يومان ، وهانحن نوشك على الدخول فى الثالث ،؟؟

الأيام تتناقص ، واليوم إذا مضى ، فلن يعود .. إنما سيذهب إلى الله يحكى ماذا فعلت فيه .

****

اللهم اجعل خير اعمارنا أواخرها ، وخير أيامنا يوم نلقاك .

كتبت فى 5/10/2005 ….. 2 رمضان 1426

الفترة المكية
————–
نسيت بالأمس ذكر قصة هامة وقعت فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم لدى بلوغه سن الخامسة والثلاثين وهى :
تصدع جزء كبير من الكعبة ، فأجمعت قريش على بنائها من جديد وتعهدوا ألا يبنوها إلا من مال حلال ، ولما تم البناء ، بدأ النزاع يشتد حول من يضع الحجر الأسود فى مكانه فيحوز هذا الشرف ، وكاد النزاع يتفاقم – خصوصا لو علمنا مدى سهولة أن تقوم حرب بين العرب فى الجاهلية – حتى اقترح ( أبو أمية بن المغيرة المخزومى ) أن يحكموا فى هذا الشأن أول الداخلين إلى الحرم ، وكان محمدا ، فظن بنو هاشم أنه سيؤثر قبيلته ، لكنه صل الله عليه وسلم وضع الحجر على ثوب أمسكت كل قبيلة بطرفه ورفعوه إلى مكانه جميعا . 

2- الوحى

بينما الرسول يتعبد كعادته إذا جاءه الوحى فى القصة المشهورة التى لاداعى لتكرارها هنا ، المهم أن الأمر أتاه بالدعوة إلى الإسلام سرا ، وظلت هذه المرحلة ثلاث سنوات وكان أول من اسلم خديجة وابو بكر وزيد بن حارثة ( خادم النبى ) وعلى بن ابى طالب .

** من أهم العبر : أهمية أن يكون الداعية ذا أثر وفاعلية بين اهل بيته واقرب أصدقائه .
وفى هذه الفترة أسلم البعض من بطون قريش ، وغلب عليهم الشكل العائلى ، إذ كانت الدعوة فى هذه المرحلة سرية .

** من المغالطات المشهورة أن اول من اسلموا كان جلهم من العبيد والضعفاء وقد اسلموا رغبة فى التحرر ، فنظرة فى أسماء أوائل من اسلموا تخبرنا بأنهم كانوا من اشراف القوم ، وماكان عدد العبيد فيهم إلا بضعة عشر ، وهو دليل على الاستقلالية وقوة الشخصية ، فالعبد الخانع لايمكن أن يسير ضد التيار .

فى السنة الرابعة :

أمر الله نبيه بالجهر بالدعوة ، ففعل ، وبدأت مرحلة الاضطهاد والتعذيب منذ السنة الرابعة ، وأوذى فى الله – تقريبا – كل من عُلم إسلامه بدءا من النبى صاحب الشرف والنسب ، وحتى بلالا العبد الحبشى ، مع اختلاف مقدار وقوة هذا الإيذاء وكيفياته ، وكانت اول شهيدة هى سمية أم عمار بن ياسر رضى الله عنه .

فى السنة الخامسة :

استمر التعذيب طويلا ، حتى أواسط السنة الخامسة ، فأذن رسول الله لبعض صحابته بالهجرة إلى أرض الحبشة لأن بها ملك عادل وهو النجاشى ، فهاجر 12 رجلا و 4 نساء بقيادة عثمان بن عفان رضى الله عنه فى رجب عام 5 من البعثة ، ثم سرت إشاعة بأن قريشا قد أسلمت وصدقت بالنبى ، فعاد المهاجرون فى شوال من نفس العام ليواجهوا بتعذيب أشد وانكى مما قبل .

ولما عادوا وتبين كذب هذه الشائعة ، وسمع من بقى من مكة عن عدل النجاشى وطيب المقام هناك ، واذن الرسول بالهجرة ، فكانت الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة ، وكان العدد اكبر ، والهجرة أصعب لأن قريشا تنبهت لهذا ، لكن المسلمون كانوا أسرع وهاجروا وكان العدد 82 رجلا أو 83 رجلا و18 امرأة بقيادة جعفر بن أبى طالب .

حاولت قريش استعادة المهاجرين لتنال منهم فبعثت إلى النجاشى وفدا من ( عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبى ربيعة ) ولما رفض النجاشى تسليمهم حاول ( عمرو بن العاص ) استعداءه عليهم بأن اخبره أنهم يؤمنون بأن عيسى عبد وليس إلها كما فى عقيدة النصارى ، ولكن النجاشى رفض تسليمهم ودخل لأجل هذا فى حرب داخلية انتهت بانتصاره ، وظل مؤمنا فى السر حتى مات وصلى عليه النبى .

** لم يكن الدافع الوحيد من الهجرة إلى الحبشة هو التخلص من الأذى بل كان المهاجرون يمثلون احتياطيا استراتيجيا للدعوة المضطهدة فى مكة ، ودليل هذا أن أغلب من هاجروا كانوا من اشراف القوم الذين لم ينالهم تعذيب بنفس مانال الضعفاء ، وكذلك بقاءهم حتى عام 7 هـ حين أصبحت الدولة الإسلامية قوية وآمنة ، ولو كان الهدف مجرد النجاة من التعذيب لعادوا إلى المدينة بمجرد هجرة النبى لها .

فى السنة السادسة :

اسلم فى ذى الحجة حمزة بن عبد المطلب وهو أعز فتى فى قريش ، وتبعه بثلاثة ايام إسلام عمر بن الخطاب صاحب القوة والشكيمة ، وكان إسلامهما ضربة قوية لمشركين ، ودفعة قوية للمسلمين ، ومن هذا الحين بدأ المسلمون فى الجهر بإسلامهم والصلاة عند الكعبة والرد على من آذاهم .
فى السنة السابعة :
ومع تنامى قوة المسلمين بدأت قريش فى المساومة والمفاوضة مع النبى صلى الله عليه وسلم ، فكلمه ( عتبة بن ربيعة - أعلم قريش بالسحر والشعر والكهانة ) وعرض عليه المال والجاه والنساء ، ثم اجتمع النبى مع أكثر من وفد من قريش كلهم يريد إثناءه عن الدعوة ، وفى كل مرة تقل طلباتهم عن سابقتها حتى اقترحوا عليه آخرا أن يعبدوا إلهه سنة ويعبد آلهتهم سنة ، وفى ىخر مرة طلبوا أن يحذف من القرآن ما يسب آلهتهم فقط .

ولما باءت هذه المفاوضات بالفشل لجأوا إلى اسلوب التهديد ، وسعوا لدى عمه ابى طالب الذى مايزال يحميه ، وعرضوا عليه أن يكف عنهم ابن أخيه ، ثم عرضوا عليه استبداله بآخر . ومع رفض كل هذا اتجهت نية قريش لقتل النبى صلى الله عليه وسلم ، فامر ابو طالب بنو هاشم جميعا بأن يجتمعوا فى الشعب لحماية محمد صلى الله عليه وسلم .

فلما رات قريش هذا ، وأن بنو هاشم لن يسلموا النبى ، اجتمعوا وقرروا مقاطعة بنى هاشم مقاطعة تامة ، فلا يبيعون لهم ولا يشترون منهم ، ولا يزوجونهم ، ولا يتزوجون منهم ، ولايقبلوا منهم أى صلح حتى يسلموا محمدا وكتبوا ذلك فى وثيقة علقوها فى الكعبة .

استمر الحصار ثلاث سنوات ( من المحرم عام 7 من البعثة وحتى المحرم عام 10 ) وكانت سنوات مؤلمة مجهدة شديدة أكل فيها المسلمون ومن دخل معهم الشعب حمية أوراق الشجر والجلود وكان صراخ الأطفال من الجوع يسمع من بعيد .

سعى فى نقض هذه الوثيقة ورفع الظلم عن بنى هاشم ( هشام بن عمرو الهاشمى ) واستطاع
تجميع ( زهير بن أبى أمية – المطعم بن عدى – أبو البخترى بن هشام – زمعة بن الأسود ) وقاموا بالفعل فى اليوم التالى بمخاطبة قريش والتنديد بهذا الظلم وإنهاء هذه المقاطعة .

فى السنة العاشرة :

ماكاد النبى يخرج من الشعب حتى حدثت حادثتان عظيمتان وهما موت عمه ( سنده الخارجى ) فى رجب عام 10 ، ثم موت زوجته خديجة وأحب الناس إليه فى رمضان عام 10 ، فسمى الرسول هذا العام بعام الحزن .

بعد موت زوجته خديجة تزوج النبى ( سودة بنت زمعة ) وكانت كبيرة فى السن وأرملة لصحابى يدعى ( السكران بن عمرو ) ، كم عقد أيضا على عائشة بنت أبى بكر الصديق .

وفى شوال عام 10 للبعثة ومع هذا الجمود الذى وصل إليه حال الدعوة فى مكة ، وكثرة مايلقى النبى من الإيذاء من بعد وفاة عمه وزوجه فكر النبى فى الخروج إلى أرض جديدة فكانت الطائف التى تبعد عن مكة 60 ميلا ، وخرج معه خادمه زيد بن حارثة ، وظل يدعو القبائل فى الطريق ، فرفضت كل القبائل دعوته ، حتى وصل إل الطائف التى عاملته أشد معاملة حتى أنها لدى خروجه سلطت عليه صبيانها وسفهاءها فرجموه بالحجارة والسباب والسخرية حتى أدميت قدماه وشجت رأس زيد وهو يحاول تلقى الضربات عن النبى .

وعاد النبى إلى مكة مهموما حزينا وقد اجتمعت عليه الأرض ، وما استطاع دخول مكة إلا حين تعهد المطعم بن عدى بحمايته .

ثم كانت رحلة الإسراء والمعراج .

كتب فى 5/10/2005 …. 2 رمضان 1425

( 2 ) 

النـبى من الميـلاد إلى البعثـة
——————–

- 1 -

يبدأ التاريخ الإسلامى بالطبع من ميلاد النبى صلى الله عليه وسلم والذى كان فى الاثنين الثانى عشر من ربيع الأول عام 53 ق.هـ ، الموافق شهر إبريل من عام 571 م .

ومن عجيب أن أباه عبد الله بن عبد المطلب ، مات وزوجته حبلى فى شهرين فى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكـأن مهمته كانت أن يضع فى رحم آمنة أطهر نطفة لأطهر مخلوق ، وفقط .

ثم مات بعدها بشهرين فى رحلة تجارية إلى يثرب .

وحينما ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولد يتيما بلا أب ، مما جعل المرضعات اللاتى يرضعن الأطفال ، يحجمون عنه لأنه يتيم ، حتى أخذته ( حليمة بنت أبى ذؤيب ) من بنى سعد من باب ألا ترجع إلى بنى سعد خاوية اليدين .

وكان العرب يحرصون على إرضاع أولادهم وتنشئتهم فى البادية حتى تستقيم ألسنتهم بالعربية الفصحى ، بعيدا عن مكة التى تعتبر العاصمة الثقافية والروحية فيفد إليها - لأجل هذا - كثير من القبائل المختلفة اللهجات ، مما سيؤدى إلى الناشئ فيها إلى عدم استقامة لسانه بالعربية الفصحى كما ينطقها القرشيون .

مكث النبى صلى الله عليه وسلم لدى حليمة حتى بلغ الخامسة من عمره ، فلما تعرض لحادثة شق الصدر ، خافت حليمة عليه فأرجعته عند الخامسة إلى أمه آمنة بنت وهب .

لم يقض النبى صلى الله عليه وسلم مع أمه سنة حتى توفت هى الأخرى ، لدى عودتها من زيارة إلى قبر زوجها فى يثرب فماتت فى طريق العودة فى ( الأبواء ) بين مكة والحديبية ، وكان عمر النبى حينها ( 6 سنين )

فتولاه جده عبد المطلب ، وكان أحب أحفاده إليه ، وكان يقربه منه ويدنيه إليه ، حتى توفى بعدها بسنتين وكان عمر النبى حينها ( 8 سنوات ) .

فانتقلت كفالته إلى عمه أبى طالب ، الذى كان يحبه ويقدمه على أبنائه ، وقد مكث مع عمه حتى شب وكبر ، ومات عمه فى عام ( 10 من البعثة - 3 ق. هـ ) كما سيأتى بعد .

-2-

فى هذه الفترة :

* عمل النبى برعى الأغنام فى مساعدة عمه ابى طالب .

* عمل بالتجارة مع عمه أيضا

* كان لقاؤه بالراهب بحيرى الذى عرف فيه سمات النبوة ، فحذر عمه ألا يأتى به مرة أخرى إلى الشام لئلا يقتله اليهود والروم إذا رأوه .

* ساهم النبى فى حرب ( الفجار ) وكان عمره 14 سنة ، وسميت الفجار ، لأنه قد انتهك فيها حرمة مكة ( البلد الحرام ) وحرمة الشهر الحرام ، وكانت معركة بين ( قريش وكنانة ) ضد ( هوازن ) … وكان النبى فيها يجهز النبال لأعمامه المقاتلين .

* حضر النبى ( حلف الفضول ) وكان فى دار ( عبد الله بن جدعان ) وكان حلفا بين ( بنى هاشم ، وبنى زهرة ، وبنى تيم ) ، تحالفوا على أن يقفوا صفا واحدا فى نصرة أى مظلوم ضد ظالمه مهما كان ، وكان هذا الحلف بعد انتهاء حرب الفجار .

وأشاد النبى بهذا الحلف فى حديث فقال : ( لقد دعيت إلى حلف فى الجاهلية ، لو دعيت لمثله فى الإسلام لأجبت )
- ومنها رأى البعض جواز التحالف مع غير المسلمين إذا كان التحالف على خير .

* تاجر النبى صلى الله عليه وسلم بمال السيدة خديجة ، وهى من أشراف قريش ، وبارك الله فى هذه التجارة ، ونقل إليها غلامها ( ميسرة ) ما رآه من صفات النبى محمد ، فتمنت أن تتزوج منه ، وصارحت بذلك ( نفيسة بنت منبه ) التى فاتحت النبى فى الموضوع ، فرضى النبى وتزوجا … وكان عمره ( 25 عـاما ) وكان عمرها ( 40 عـاما ) وقد تزوجت قبله مرتين .

مكث معها النبى حتى توفت عام ( 10 من البعثة - 3 ق.هـ ) وعمرها 65 سنة ، ومنها أنجب كل أبنائه إلا ( إبراهيم ) ، وظل يذكرها بالخير فى كل حياته ويكرم صديقاتها حتى آخر عمره .

* لما بلغ النبى أربعين عاما ، أتاه الوحى فى القصة المشهورة المعروفة للجميع ، لتبدأ بذلك أولى مراحل الجهاد الذى استمر 23 عاما كاملة لم يذق فيها طعم الراحة ولا الهدوء .. هذه السنين هى التى أنبتت هذه الأمة التى تتمدد الآن على شرق الأرض وغربها .. حاملة لقب ( خير أمة أخرجت للناس ) .

كتب يوم 4/10/2005 ….. 1 رمضان 1426

Next Page »