بلاد علي أهبة الفجر(*)
عبد الرحمن حسام أبو بكر(*)
بالاشتراك مع
الشاعر الكبير محمود درويش
[ إهداء ]
إلي الأحرار رغم الأسوار
إلي فرسان العسكرية بعد مرور عامين
إلي الصامدين تحت الحصار
إلي الصادقين
إلي عائلة الشاطر ومالك وصحبهم
إلي كل السائرين علي طريق الانتصار
إلي سعد ومعاذ وبلال وأحمد وعبد الرحمن
إلي عائشة
...
سيطلع النهار!
بلاد علي أهبة الفجر
وفيما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجي
وفيما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.
* * *
هنا، عند مُنْحَدَرات التلال،
أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
نفعلُ ما يفعلُ الحكماء،
وما يفعل العاطلون عن العمل:
نُرَبِّي الأملْ.
* * *
سلامٌ على مَنْ يُشَاطرُني الانتباهَ إلي
نشوة الضوءِ،
ضوءِ الفراشةِ،
في ليل هذا النَفَقْ.
سلامٌ على مَنْ يُقَاسمُني قَدَحي
في كثافة ليلٍ يفيض من المقعدين:
سلامٌ على شَبَحي.
* * *
بلاد علي أهبة الفجر،
عما قليل
تنام الكواكب في لغة الشعر.
عما قليل
نودع هذا الطريق الطويل
ونسأل: من أين نبدأ؟
* * *
بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر...
صرنا أَقلَّ ذكاءً،
لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر
* * *
نحلمق، لا نزال
والحياة هنا
تتساءل
كيف نعيد إليها الحياة؟
لكننا نحملق، ونحملق
ونحملق
ويبقى السؤال!
* * *
يقولُ على حافَّة الموت:
لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:
حُرٌّ أَنا قرب حريتي.
وغدي في يدي
* * *
لكننا نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
* * *
أمس الذي
كُلَّما جاءني، قلت له:
ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ
وتعالَ غداً!
* * *
وأمضي أُفكِّر، من دون جدوى:
بماذا يُفَكِّر مَنْ هُوَ مثلي، هُنَاكَ
على قمَّة التلّ، منذ ثلاثةِ آلافِ عامٍ،
وفي هذه اللحظة العابرةْ؟
فتوجعنُي الخاطرةْ
وتنتعشُ الذاكرةْ
* * *
نعم!
عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة
كما هي، عاديّةً ماكرةْ
رماديّة أَو مُلوَّنةً...
وإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍ
فليكن
خفيفاً على القلب والخاصرةْ
فلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّسُ
من فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ!
* * *
لا!
لم تكن هذه القافيةْ
ضَرُوريَّةً، لا لضْبطِ النَغَمْ
ولا لاقتصاد الأَلمْ
إنها زائدةْ
كذبابٍ على المائدةْ
* * *
دهشة تقتلني!
هل نسيء إلي أحد؟
هل نسيء إلي بلد،
لو أصبنا، ولو من بعيد،
ولو مرة، برذاذ الفرح؟
* * *
سأصرخ في عزلتي،
لا لكي أوقظ النائمين.
ولكن لتوقظني صرختي
من خيالي السجين!
* * *
هنا في قيظ الشمس
ووقدة النهار
نظل نخزن أحزاننا في الجرار،
لئلا يراها الجنود
فيحتفلوا بالحصار...
أو يراها الحمقى،
فيحتفوا بانكسار...
نخزنها لمواسم أخرى،
لذكرى،
لشيء يفاجئنا في الطريق الطويل...
ذاك الطريق المضاء بقنديل منفي
ونار
* * *
واقفون هنا.
قاعدون هنا.
دائمون هنا.
ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون.
هنا خالدون
* * *
قال لي في الطريق إلى سجنه:
عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْ
كهجاء الوطنْ
مِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ!
* * *
ويقول لي: كُلَّما غابَ عنك الغيابْ
كن ذاتَ موضوعك التائهةْ
و موضوع ذاتكَ...
كُنْ حاضراً في الغيابْ
كن أنت -علي البعد- الإياب!
* * *
لكنه يَجِدُ الوقتَ للسُخْرِيَةْ:
هاتفي لا يرنُّ
ولا جَرَسُ الباب أيضاً يرنُّ
فكيف تيقَّنتِ من أَنني
لم أكن ههنا!
* * *
ويَجدُ الوَقْتَ للأغْنيَةْ:
في انتظارِكِ، لا أستطيعُ انتظارَكِ.
في انتظارك،
تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار...
إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ.
في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ.
* * *
وفي الصباح الذي سوف يعقب هذا الحصار
سوف تمضي فتاة إلي حبها
بالقميص المزركش، والبنطلون الرمادي
شفافة المعنويات كالمشمشيات في شهر آذار:
هذا النهار لنا كله
كله يا حبيبي،
فلا تتأخر كثيرا،
كيلا يحط غراب علي كتفي...
وستقضم تفاحة في انتظار الأمل
في انتظار الحبيب الذي،
ربما،
ربما لن يصل
* * *
يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُ
فتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْ
يقول: إلى أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ؟
تقول: إلى بُؤرة الضوءِ في داخلي
وتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ... أَبْعَدْ
* * *
لكني لازلت قَلِق!
كيف أصبح سيدها
وأنا عبدها!
كيف أجعل حريتي حرة
دون أن نفترق؟
* * *
على الروح أَن تترجَّلْ
وتمشي على قَدَمَيْها الحريريّتينِ
إلى جانبي، ويداً بيد، هكذا...
كصاحِبَيْن قديمين
يقتسمانِ الرغيفَ القديم
لنقطع هذا الطريق معاً
* * *
ثم زرتها.
بجسد مسَّه وهن، حادثتني
بنفس أصابها شجن.
لكن العينين لازالتا
-علي طول الليالي-
تأتلق
* * *
محن السنين
كالأيام تمر، كالساعات
غدا نقول مرت
والألم، يندثر
فأرفعوا للنصر الرايات
ينهمر
...
أرى الأيتام
أبصرهم، فأوقن
أن الأرواح لا تفترق
لست قَلِق!
* * *
وأُرْهِفُ، فاسمعه
من بعيد
يناديني
أيها المجنون استفق!
لم تزل فينا الحياة
لم تزل فينا
بقية من رمق
لم ننسحق!
لن ننسحق!
* * *
فاغزلي لي يا ملهمتي
بنور الحب
دثار أمل
احتمي به في صقيع الليل،
يواسيني، يدفئني
يداويني، ويحميني
إذا ما أصابني أرق.
أو فأسرجي لي خيل عزم
أطوي به قفار الروح،
يدنيني
إذا ما الفؤاد سمق.
ودليني
قد بدأ السبق
تأخرنا!
آن الأوان، فلننطلق!
* * *
هذه فناجينُ قهوتنا.
والعصافيرُ
والشَجَرُ الأخضرُ
الأزرقُ الظلِّ
والشمسُ تقفز من حائط نحو آخرَ
مثل الغزالة.
والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل
فيما تبقَّي لنا من سماء
وأشياءُ أخرى مؤجَّلَةُ الذكريات
تدلُّ على أن هذا الصباح قويّ بهيّ،
وأَنَّا ضيوف على الأبديّةْ.
* * *
بلاد علي أهبة الفجر،
أيقظ حصانك
صن لسانك
واصعد
خفيفا خفيفا،
لتسبق حلمك
...
داوِ بآهات ألمك جرحك
علي صخرة الموتى،
حطم قصبة رمحك، استَبـِق.
إلي الموت المتسلل في أعماقك،
أرسل برقية نعيك!
وارسم علي صفحة وليدك
ألوان غدك
أنغام مجدك، فرحك
أنسام عز... ونهارات تدوم!
--------------------------
(*) عبدو بن خلدون، مدونة "يللا نحلم أكتر... أكيد نقدر!"، مدون في "نجوم الحيرة" مع "عمرو طموح".
(*) قصة القصيدة
منذ عدة أسابيع، كنت أقرأ "حالة حصار" للشاعر الجميل محمود درويش، مرت أيام وطيف بعض كلماتها لا يفارقني، أمسكت بقلمي، قطفت بضعة أبيات، ثم إنها لم ترق لي هكذا، حرف هنا وكلمة هناك، وبعض تغيير في الترتيب، نعم هكذا أفضل!... أيامٌ، وكنت في طرة، أزور أعمامي أرى خالاتي وألاعب الصغار، في عنبر الزراعة حيث إخوان القضية العسكرية، وبين الألم الذي رأيته في الجفون والألق الذي وجدته في العيون، كان الفؤاد يختلج، قرر أن يكتب شيئا، عدت إلي ورقتي
1 التعليقات:
بارك الله فيك اخي عبد الرحمن
جميلة معبرة
نفع الله بك وفك الكرب عن اخواننا اجمعين
إرسال تعليق