في نهاية فيلم الذكاء الاصطناعي للمخرج الفذ ستيفن سبيلبرج ، ظهرت في نهاية الفيلم عبارة "بعد ألفي عام" توضح صورة الولايات المتحدة بعد أن أغرقتها المياة ، و لم يعد يظهر منها إلا بقايا محاولات الإنسان لاختراق السماء ، و على رأسها حارسي أمريكا "برجي مركز التجارة " . لم يكن سبيلبرج يتصور أو أحد غيره أنه خلال عدة شهور بعد إنتاج فيلمه سيختفي ذلك الرمز من الوجود ، و أن العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، لن يكون هو هذا العالم قبل ذلك التاريخ . 11/9 من يدفع الثمن ستة أعوام مرت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر , ستة أعوام أعادت تشكيل موازين القوى ، و خرائط التحالفات . ستة أعوام سطع فيها نجم صقور البيت الأبيض و تضاءل إلى أن اختفى وجود الحمائم ، ستة أعوام استطاع فيها البيت الأبيض أن يثبت للعالم أن من عارض الولايات المتحدة و سياسة إدارة بوش ، فمكانه على قائمة سوداء ، قائمة الإرهاب . لم يكن حدث الحادي عشر من سبتمبر حدثا محليا أو مقتصرا في تأثيره على الولايات المتحدة أو حتى تنظيم القاعدة و زعيمه أسامة بن لادن فحسب ، لكن تأثيرها تجاوز ذلك لتصبح حدثا معولما ، مثله مثل حادثة بيرل هاربر ، و حادثة الصواريخ الكوبية ، و إزالة سور برلين . بل إن تداعيات و تأثيرات الحادي عشر من سبتمبر ما زلنا إلى الآن نذوق ويلاتها ، عبر احتلال افغانستان ، و من ثم العراق ، و استمرار الحرب التي أطلقتها إدارة بوش ، على ما يسمى بالإرهاب . و رغم ما حدث في سبتمبر 2001 ، و الأسباب التي دعت أسامة بن لادن إلى ذلك ، و التي أوضحها بنفسه عبر شرائطه التي تم بثها خلال الأعوام الستة الماضية إلا أن إدارة بوش لم تتعلم من أخطائها ، و استمرت في الضغط على العالم الإسلامي بوسائل كثيرة , أولها و أهمها ، دعمها المطلق لإسرائيل . هذا بالطبع ليس تبريرا لما فعله ابن لادن ، ما أود أن أقوله أن الإدارة الأمريكية لم تحاول إزالة أسباب الكراهية التي كان يحملها بن لادن للولايات المتحدة إنني الآن أتساءل في الذكرى السادسة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ، إلى أي مدى ساهمت تلك الأحداث و تداعياتها في تعميق الفجوات بين العالم الإسلامي و الولايات المتحدة؟ ، و هل هناك مؤشرات على تكرار تلك الأحداث في ظل السياسة التي تتبعها إدارة بوش في تعاملها مع العالم العربي و الشرق الأوسط بشكل عام ؟ ،و هل كان الرد الأمريكي على تلك الاحداث مناسبا لطبيعتها ، و مزيلا للأسباب التي أدت إليها ، أم أنه ساهم في تغذية الاحتقان بين الدول الإسلامية و الولايات المتحدة الأمريكية ؟ في البداية دعونا نتفق أن لا أحد يقبل بحدوث تلك التفجيرات ، و أن هناك اتفاق كامل على عدم شرعية هذه الجريمة و اعتبار فاعلها إرهابيا أيا كان دينه أو لونه أو لغته ، و لا يختلف عاقلان على أن إدانة مرتكب تلك الجريمة و محاكمته عند ثبوت الأدلة ضده هو أمر غاية في الأهمية . لكن هل سعت إدارة بوش بالفعل إلى الاقتصاص من الجناة الحقيقيين ؟ لقد حاولت إدارة بوش إثر أحداث 11 / 9 أن تثبت للعالم أن الولايات المتحدة لن تترك الفاعل ليلتقط أنفاسه ، و كان أن أعلن بوش أن المسؤول عن هذه الأعمال ، هو أسامة بن لادن – و الذي اعترف فيما بعد بمسؤوليته عنها - زعيم تنظيم القاعدة ، الذي يقبع في بلاد منابع النفط ، كهوف أفغانستان . و كان قرار بدء الحرب على أفغانستان ، بعد سبعة و عشرين يوما على أحداث سبتمبر ، رغم إدانة نظام طالبان و تأكيد نفيه ارتكاب الأحداث بل و اعتبارها كارثة إنسانية ، و استمرت طالبان في الإدانة إلى الحد الذي جعل سفير الحركة في باكستان يعلن بعد يومين من التفجيرات أن الحركة على استعداد لتسليم بن لادن لو ثبت تورطه في الأحداث ، و هو ما لم يشفع لطالبان عند الإدارة الأمريكية. الحرب على أفغانستان التي اعتبرها العديدين حرب صليبية حسب ما وصفها جورج بوش في بداية الحرب ، و التي حاول البيت الأبيض أن يصفها بأنها زلة لسان ، الحرب أثبتت أن الولايات المتحدة لا تسعى للثأر من الجناة الحقيقيين بقدر ما تسعى للسيطرة الاقتصادية على النفط العالمي ، و هو ما أثبتته الأيام التالية ، حين أعلنت الإدارة الأمريكية أن صدام حسين و نظامه يمتلك أسلحة دمار شامل . كانت تبريرات الحرب عديدة ، تبدأ برغبة الولايات المتحدة في نشر الديمقراطية في العالم العربي و الشرق الأوسط ، و تنتهي بالرغبة في اسقاط النظام العراقي تحت ذريعة امتلاك و تصنيع صدام حسين للأسلحة المحظورة دوليا ، و رفضه تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ، و كانت جلسة الأمم المتحدة الشهيرة ، التي حاول فيها كولن باول الإثبات بالصور امتلاك العراق أسلحة نووية و مفاعلات متنقلة . و بالنسبة لمناهضي الحرب في الولايات المتحدة و خارجها ، كان الاعتقاد السائد أن الحرب على العراق مجرد امتداد للنجاح النسبي الذي حققته الحرب في أفغانستان من إسقاط نظام طالبان ، دفع الولايات المتحدة للاعتقاد بقدرتها على السيطرة على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم . أما تبريرات الإدارة الأمريكية للحرب على العراق فقد ثبت جميعا عدم صحتها ، في تقارير لجان التفتيش التي انتهت إلى عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق ، مثل التقرير الذي أصدره فريق التفتيش الذي يقوده هانز بليكس قبل الحرب ، و تقرير ديفيد كي الذي صدر عقب سقوط بغداد و الذي قال فيه " أعتقد أننا جعلنا الوضع في العراق أسوأ مما كان عليه قبل الحرب ، و أكد بوش عدم اقتناع إدارته بتلك التبريرات التي ساقتها لبدء الحرب على العراق ، عندما قال في 2 أغسطس 2004 "حتى لو كنت اعرف قبل الحرب ما اعرفه الآن من عدم وجود اسلحة محظورة في العراق فاني كنت ساقوم بدخول العراق"
و عن محاولة نشر الديمقراطية ، نرى الإدارة الأمريكية تعمل مع إسرائيل لمحاصرة الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي الذي انتخب حماس ، و الذي صعد بالإسلاميين إلى رئاسة البرلمان و الحكومة في فلسطين المحتلة . هذا كله أدى إلى زيادة الهوة بين المجتمع العربي و الاسلامي من جهة و المجتمع الأمريكي من جهة أخرى ، ساهم في تعميق تلك الهوة الدعم الأمريكي الكامل لإسرائيل و محاولة إبقاء ميزان القوى في صالحها ، و التغاضي عن امتلاك اسرائيل لأسلحة تدمير شامل ، مع اعتراف اسرائيل بامتلاكها . العالم العربي في هذه اللحظة يعتبر الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لإسرائيل ، و لا اختلاف داخل الشارع العربي على أن إسرائيل هي العدو الأوحد للعرب من خلال احتلالها لفلسطين ، و أجزاء من الجولان السورية ، بالإضافة إلى مزارع شبعا اللبنانية . المواطن العربي في القاهرة و الرياض و دمشق لا يريد أن يرى مشاهد الدماء على شاشات التليفزيون ، و لا يستمتع بمرأى القتلى العراقيين على أيدي الجيش الأمريكي ، كذلك لا يستمتع بمشهد أحد الرموز الأمريكية يسقط ضمن انفجار أو هجوم إرهابي ،سببته سياسات خاطئة ارتكبتها إدارة لا تدرك شيئا إلا عن كيفية السيطرة على العالم . أنا استغرب ، كيف لا يخرج الآن دافع الضرائب الأمريكي للتظاهر ضد سياسات بلاده حينما يعلم أن الخسائر البشرية الأمريكية في العراق ، تعد بعشرات الآلاف بين قتيل و جريح ، و حين يعلم أن الإدارة الأمريكية أنفقت حتى الآن ما يفوق تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب على الحرب على أفغانستان و العراق ، و ما زال البنتاجون يوفق على إضافة مليارات الدولارات لميزانية الحرب على البلدين . الحرب الأمريكية على العراق ستكلف الأمريكيين ما يقرب من تريليوني دولار ، و هي ذاتها الحرب التي تحرق حوالي 8.4 مليار دولار شهريا في العراق ، هذا طبقا لما تقوله ليندا بيلمز خبيرة الميزانيات بجامعة هارفارد ، و الدكتور جوزيف ستيجلتز الأستاذ بجامعة كولومبيا و الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2001 ، في تقرير نشرته الجارديان البريطانية في نهاية شهر يونيو 2006 . الحرب الأمريكية على ما يسمى بالإرهاب أسفرت عن مقتل ما بين 10 و 20 ألف مدني في أفغانستان ، و ما يزيد على مائة و ثمانين ألفا في العراق التي اعتبرتها الولايات المتحدة الجبهة الرئيسية للحرب على الإرهاب ، حسب تقرير صحيفة "ذا اندبندنت" البريطانية المنشور في 10/9/2006 أي منذ حوالي العام . هذا بخلاف التقارير الصادرة من مؤسسات المجتمع المدني العراقي ، و التي تؤكد أن الحرب أسفرت حتى نهاية العام الماضي عن مقتل أكثر من 200 ألف من السنة العراقيين فحسب ، تقرير أصدرته هيئة علماء المسلمين بالعراق . لقد خسرت الولايات المتحدة من الناحية المادية من خلال هذه الحرب أضعاف ما خسرته من هجمات الحادي عشر من سبتمبر ، و هذا بسبب الاستمرار على السياسة الخاطئة التي تتبعها الإدارة الأمريكية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط بصفة عامة و استمرار احتلال العراق و الدعم المطلق لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني بصفة خاصة . و يبقى سؤال أخير ، هل أزالت الولايات المتحدة بهذا القمع الدولي ، الخطر الذي كان يحيط بها و يمثله لها " الإرهاب الدولي " ؟ ، الإجابة قالها جورج بوش في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء الموافق 5/9/2006 " أصبحت أمريكا أكثر أمنًا، لكننا لسنا آمنين حتى الآن تمامًا " . بالنسبة إلي لا أعتقد أن العالم أصبح أكثر أمنا بعد الحرب الأمريكية على "الإرهاب" ، بل إنني أتنبأ أن يظهر آخرون غير بن لادن ، بأسماء أخرى و جنسيات أخرى ، يحملون نفس الشعور الذي يحمله بن لادن تجاه الولايات المتحدة ، لأسباب لا أظن أنها ستختلف كثيرا عن الأسباب التي جعلت بن لادن يقوم بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر . المقال في اخوان اونلاين Labels: أفلام, اسلام, سياسي, صحافة |