مبارك الإله

Posted 20 October, 2009 by Bonobo
Categories: Uncategorized

Tags: ,

تبدو أغلب الخطابات السياسية في مصر شديدة الهبل ، و أحيانا القرف، خاصة عندما يدور الأمر حول مبارك و أسرته. قد يبدو الهوس بمبارك و أسرته و سنه مركز اهتمام طبيعي لنشطاء الديموقراطية أو “المنافسين” السياسيين. لكن من العبث ما يحدث من هوس بين التيار الاشتراكي -بمعناه الواسع- بمبارك و أسرته و سنه.  بالطبع من المهم و الطبيعي أن ينخرط الاشتراكيين و الاشتراكيات في حركات مطالبة بالديموقراطية و استقلال القضاء و ما شابه لكن من المخيف أن يفقدوا بانخراطهم قدرتهم على تبني مواقف نقدية من الخطاب السائد بين معظم ما يسمى بالمعارضة، و ادراكهم أن أسباب انضمامهم لتلك الحركات تختلف عن الباقين.  ليس من واجب التيار الاشتراكي فقط تبني موقف نقدي من خطابات النظام، لكن من الأهم تبني موقف نقدي من خطاب المعارضة التي تتوقف مطالبها عند تداول السلطة و بعض بعض المطالب الديموقراطية.

يرتكز خطاب المعارضة على نقد النظام – أو بالأصح الردح و التجريس – و يتجاهل تبني الحركات التلقائية التي تبني نماذج للمستقبل و الاستقلال -الذي بصورة تلقائية يمثل تهديد للنظام القائم بصورة جذرية . قد يكون خطاب المعارضة -متضمنة اليسار و الاشتراكيين – المتعلق بالتعامل مع أزمة القطاع العام مثال نموذجي على هذا الاتجاه. “القطاع العام ينهار” ، “الحكومة تتعمد تدمير القطاع العام لخصخصته”  و رغم ذلك يطالبون بحرقة أن تظل الحكومة مسؤولة عن القطاع العام. يبدو الأمر كتبني لمواقف متوقعة أكثر منه موقف مستند على تحليل للواقع و محاولة للوصول لأكثر قدر ممكن من حقوق الأفراد الاقتصادية و الديموقراطية الآن. و أكثر من كل شيء يعبر عن افتقاد مبهر للخيال.

الهوس بمبارك كعدو و هدف للنقد و المعارضة يبدو متعارض تماما مع إدراك الاشتراكيين أن المشكلة ليست بمبارك بل بنظام كامل. فلو تغير مبارك اليوم بآخر لا نتوقع أي تحسن – خاصة في الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية – بل أتخيل أن الأمر سيكون اسوأ. الأسوء هو الاهتمام و السخرية من سن مبارك الذي يفترض بالضرورة تبني للموقف البرجوازي  – مش لاقية كلمة تانية! – التقليدي بأن جزء كبير من الحركات الاجتماعية في العالم هو مجرد اختلاف أجيال و هو الخطاب اللذي كان سائد في الستينيات و السبعينيات و حتى الليبراليين قد توقفوا عن استخدامه بوضوح.  فلو مات/أعتزل مبارك غذا و أتانا بدلا منه رئيس في التلاتينيات و مز ماذا ستغير؟ بالطبع إذا كان مز بقدر كافي قد تصبح متابعة نشرات الأخبار و الجرائد الرسمية أقل ألمًا، لكن بالتأكيد لا شيء أكثر من ذلك.

و كما قالها أخوانا الأرجنتينون “يغوروا كلهم”

Dear Men, Have a Good Sleep

Posted 12 October, 2009 by Bonobo
Categories: Uncategorized

Tags: , , , ,

Most criminal reporting researches show that among what are agreed upon as “serious crimes”, rape has the least reporting rate*.  And here we’re talking about completed successful rapes, not counting failed attempts. Also it’s well established that rates of reporting a rape by a stranger are much higher than a rape by a family member, a friend, or a sex-partner..

According to the  “Felony arrests: their prosecution and disposition in New York City’s courts” study, conducted by The Vera Institute of Justice, the differences in persecution and conviction, between rapes by a stranger and rape by a person of prior relationship with the victim (also known as acquaintances rape), are enormous. Look at this:

Half of the sexual assaults in the study were committed by men who had prior relationship with the victim; e.g. friend, relative, a date, a boyfriend, or a husband .. In the study, Sixty percent of the cases of rape by a person of a prior relationship with the victim were dismissed. Another 20 percent ended with a guilty plea with only minor punishment. However, all of the strangers rape cases went to trial. Seventy five percent of these cases resulted in conviction and imprisonment, and more than 60 percent of the prison terms exceeded 25 years.

In domestic violence cases researches frequently find that the police takes into account the nature of the relationship between the offender and the victim; the more intimate the relationship the less likely that the police would make an arrest. They are less likely to arrest the abusive husband than the abusive boyfriend, or the abusive sex-partner. **

The U.S  is one of the 105 countries that persecute spousal rape as a rape case. But still, many states still have specific exemptions to spousal sexual abuse, that either make it extremely hard for the victim to prove the crime, or justify some cases of spousal sexual assault, or at least the case end up being a case of battery, assault or marital abuse.

If someone still believes that the angry responses towards rape cases are based on the right of a woman to live safely, I wonder how s/he can explain these statistics.  Law -in most countries- do not consider acquaintances rape a crime as serious as ordinary rape. Anger towards rape, and the laws against it are in core a simple protection of the right of men to sleep knowing that “their women” will not be raped, by another man!

—-

Shit, even aspell wouldn’t recognize “spousal” as a word ;)

*  Most researches in the U.S. and Western Europe estimate rape reporting rates as 1 out of 3 completed rapes. This estimation includes both acquaintances and strangers rape. The estimations are primarily based on large scale household victimization surveys. (update 20 October 2009).

* Walker, Samuel.  Sense and Nonsense About Crime and Drugs: A Policy Guide. Wadsworth

أسلافنا الألطف و الأحن

Posted 6 October, 2009 by Bonobo
Categories: Uncategorized

Tags: , , ,

ترجمة لهذا المقال.

أسلافنا الألطف و الأحن

فرانس دي فال*

هل البشر مبرمجين ليكونوا كائنات متنافسة بلا رحمة، أم ليكونوا مساندين لبعضهم البعض؟

في وقت ما عزز سلوك أسلافنا -المعروفين وقتها بكونهم نبانيون مسالمين – من فكرة أن تصرفاتنا لا يمكن ارجاعها لرغبة غريزية في السيطرة. لكن في آواخر السبعينيات عندما أكتشفنا أن الشامبنزي يصطاد و يقتل بعضه بعضًا، أصبحوا رمز صبيانية لأصولنا العنيفة و العدائية.

أستخدمت تعبير “صبيانية” عن قصد لأن النظرية كانت تدور حول ذكور نوعنا بلا أي اهتمام بإناث النوع. اللاتي [المفترض ] أنهن اكتسبن الصفة بعامل الوراثة. كان من الصعب الفرار من فكرة أننا “رئيسيات قاتلة” مصيَرين للحرب إلى الأبد.

بعض الانتقادات لتلك النظرية كانت تكثر ، لكن الانتقادات بلغت ذروتها بسبب تصريحات الأسبوع الماضي عن إكتشاف بقايا لسلف قديم لنا عمره 4.4 مليون عامًا ، يعتقد أنها كانت أكثر رقة مما كنا نعتقد في الماضي. تعتبر تلك البقايا قريبة لآخر سلف مشترك للرئيسيات و للبشر، هذا النمط يسمى أرديبيسكيوس راميدس أو اختصارًا أردي.

شيمبانزي يتصارعون : ذكر شيمبانزي شرقي يظهر أسنانه بحديقة جومبي بتنزانيا.
شيمبانزي يتصارعون : ذكر شيمبانزي شرقي يظهر أسنانه بحديقة جومبي بتنزانيا.

كان لأردي فك اقل بروزًا و أنياب أصغر كثيرا و أثلم من أنياب  الشيمبانزي المفزعة.   أنياب الأخيرة سكاكين قاتلة، قادرة على أن تجرح وجه  و جلد العدو لتؤدي لموت سريع بسبب فقد الدم، أو لموت بطيء بس الالتهابات المتقيحة.

تستخدم الشيمبانزي في البرية أنيابها و فكها كسلاح قاتل في الصراعات على مناطق النفوذ. لكن عدائية الشيمبانزي تفقد بعض أهميتها لو كان أسلافنا ذوي تكوين مختلف. ماذا لو كان الشيمبانزي خوارج في نسب مسالم نسبيًا؟

    بونوبو بيلعبوا : بونوبو يعتنون بنظافة البعض في محمية بالكونغو
بونوبو بيلعبوا : بونوبو يعتنون بنظافة البعض في محمية بالكونغو

فلنفكر في أقربائنا الآخرون : الغوريللا و البونوبو. من المعروف عن الغوريلا أنها عملاق حنون ذو حياة أسرية مترابطة، نادرًا ما يقتل. الأكثر ادهاشًا هم البونوبو، الذيت يتساوون في التشابه الجيني بيننا و بينهم مع الشيمبانزي. لم يُشاهد بونوبو يقضي على فرد من نفس نوعه، لا في البرية ولا في الأسر. تستمتع تلك الرئيسيات – الراقية الأنحف جسدًا – بالحب و السلام لحد يُخجل أي ممن حضروا وودستوك. كان عادة يتم تقديم البونوبو كونهم جانب من شجرة العائلة قد يكون مسلي ، و لكنه ليس ذا أهمية.  لكن ماذا لو كانوا ممثلين لتاريخنا الوراثي أكثر من الشيمبانزي العدائي؟

من ناحية آخرى، فكرة أننا كائنات قاتلة واجهت تحديات أخرى، فعلماء الحفريات يؤكدون أن الحرب لم توجد ما قبل الثورة الزراعية، منذ حوالي 15 ألف سنة. لم يوجد ما يدل على صراعات كبيرة فيما قبل تلك الفترة، فلم يعثر على مقابر جماعية مصاحبة بأسلحة .  فحتى أسوارأريحا (شيركو) التي تعتبر واحدة من أقدم  آثار الحروب – و التي ذٌكر انهيارها في العهد القديم – من المحتمل أنها كانت مجرد أسوار لمنع التدفقات الطينية. حتى أن هناك من يقترح أن قبل تلك الفترة من حوالي 70 ألف عام، أجدانا كانوا على وشك الإنقراض، يعيشون في مجموعت صغيرة متناثرة في العالم، و تعدادنا العالمي كان لا يزيد عن بضعة آلاف. تلك الحالة لا تدعو أبدًا لحرب دائمة.

نظرية الكائنات القاتلة التي كانت في وقت ما ذات شعبية عالية، أصبحت تتهاوى بسبب افتقادها للأدلة ، و ها هي أردي تدق المسمار الأخير في تابوت تلك النظرية. من الناحية الأخرى، تتزايد الأدلة التي تؤيد أننا ذوي نوازع اجتماعية، فالأدلة تتزايد لتؤكد أننا كائنات متعاونة و متعاطفة مع بعضها البعض. بعض تلك الأدلة تأتي من مجال الاقتصاد السلوكي بدراسات تدلل أن الأفراد لا ينساقون طوال الوقت وراء مبدأ الربح. فنحن نهتم بالعدالة و الإنصاف، و في بعض الأحيان نترك مبادئنا تلك تتخطى رغبتنا في كسب أكثر قدر ممكن من المال. في كل مكان في العالم لعب أشخاص لعبة الاختيار المفضل. فيها يطلب من شخص إما أن يقبل أو يرفض تقسيمًا للفوائد أقترحه طرف آخر. حتى هؤلاء الذين لما يسمعوا أبدًا بمدأ التنوير الفرنسي “المساواة” يرفضون التقسيم إذا ما أرتأوه غير عادل.  قد يوافقون على تقسيم يحصل فيه الطرف الآخر على 60% من الفوائد و يحصلون هم على 40%، لكنهم لا يوافقون على تقسيم يعطي 80% للأول و 20% لهم. و بذلك يضحون بمكسب كان من الممكن ان يحصلوا عليه. و هو اختيار لا يمكن أن يصدر عن كائن منطقي. فبالمنطق مكسب صغير يفوق اللا مكسب.

بنفس الشكل، إذا اعطينا قردان مكافئات شديدة الاختلاف لنفس المهمة، فالقرد الذي يحصل على المكافئة الأقل يرفض أن يتعاون. فلو لوحت لقرد بخيارة ، التي عادة تعتبر حافزلأي قرد لينفذ المهمة، في نفس الوقت الذي يستمتع فيه قرد آخر بالعنب، فجأة يصبح الخيار غير كافي كحافز.  فهم يحتجون على الوضع، و في بعض الأحيان يبعدون قطع الخيار بعيدًا عنهم، مما يبين أن القردة يقارنون ما بين ما يحصلوا عليه و ما يحصل الأخرون عليه.

و هناك أيضًا الأدلة على سلوكيات المساعدة، مثل مواساة أعضاء المجموعة التعساء، يواسي الرئيسيات بعضهم بعًَضًا بالأحضان و القبلات. أما الأفيال فتهدهد الصغار مطمئنة لهم عندما يكونوا مستائين، أما الدرافيل فترفع الأفراد المريضة للسطح حتى تتنفس، و تقريبًا كل مالك كلب لديه قصة عن ردود أفعال حيوانتهم المعنية بحالة أصحابهم . بروزفيل بكاليفورنيا قفز كلب أمام صديقه الصبي ذو الستة أعوام ليفتديه عندما هاجم الصبي ثعبان. تسمم الكلب لدرجة أن إنقاذه أستدعى نقل للدم.

تكثر معرفتنا عن التراحم بين الحيوانات، و لم تعد الآن مقتصرة على تلك القصص الشخصية. فهناك دراسات و تجارب تبين أننا لسنا النوع الوحيد المتراحم. في نفس الوقت، اعتدنا على نتائج الدراسات التي تؤكد على قدرة البشر على التعاطف.  مثل دراسات علماء الأعصاب التي تعلن أن بعض مراكز المخ تنير عندما يقوم الشخص بعمل خيري. و نفس مراكز الألم التي تنير عندما نشعر بالألم، تنير عندما نرى أخرين يتألمون. من الواضح أننا مبرمجون لنشعر بمشاعر الآخرين، و هي صفة لما كان التطور سيدعمها لو كان الإستغلال هو كل شيء.

فرانس دي فال هو أستاذ لسلوكيات الرئيسيات بقسم علم النفس بجامعة أمري، و كاتب “عصر التعاطف *”

إلى جوزيف و ريتًا نسيم

Posted 3 September, 2009 by Bonobo
Categories: Uncategorized

Tags: , , ,

“تحت  خرافة الوطن المقدس و أرض الآباء و الأجداد، غررت الصهيونية التي ليست إلا حياة للعشرات تغريرا بملايين العمال و الفلاحين من اليهود، و بهذه النداءات المعسولة صورت الصهيونية المضرة بالجماهير أن اليهود سيضطهدون دائما أبدا و لن تنقذهم أرض الميدان كما يدعون، و ليس هذا التضليل إلا تفنيذ لخطة الاستعمار المدبرة، ها نحن اليهود المثقفون و قد أدركنا لعبته و تبينا خطره و خطر الصهيونية ، لن نسمح أن تفرق صفوفنا نحن المصريين ، و لنكن يدًا واحدة نحن المسلمين و المسيحيين و اليهود ، يدًا قوية تدك صرح الاستعمار و تزلزل أركانه، و لن تبعدنا إدعاءات الصهيونية العاطفية عن الكفاح مع المناضلين العرب للتحرر من الاستعمار و ذنبه الصهيونية حتى تسقط الصهيونية و تحيا فلسطين حرة ، و ها نحن الطلبة اليهود المصريين ننزل إلى الميدان مع زملائنا العمال و الطلبة لنلعن احتجاجنا و سخطنا على الاستعمار و الصهيونية.

عاشت مصر حرة

و عاشت فلسطين حرة. “

نُشر هذا البيان في عدة صحف مصرية منها جريدة المصري  بتاريخ 9 مايو 1946

موقع من عدد من الطلبة المصريون اليهود،  النشطاء في حركة العمال و الطلبة منهم :

فرج نسيم – كلية الطب

ليون كرامر – كلية الآداب

روبير شاؤول يوسف – كلية الهندسة.

بورجا

Posted 25 August, 2009 by Bonobo
Categories: Uncategorized

Tags: ,

أحيان كثيرة أشعر بأنني آخر من عاصر الأسكندرية كمدينة متعددة و محتلفة الهويات. لا أنظر للأمر بشكل رومانسي أبدا، لا أتخليها تلك المدينة المختلطة المتسامحة التي يتغنى بها كثيرون. فقط أعرفها بواقعها، نعم كانت مقسمة طبقيا و عرقيا – أكره تلك الكلمة البلهاء- و دينيا، لكن على مستوى آخر و ضمن مجموعات محددة من السكان كان الاختلاط و التسامح حقيقين . عاصرت مدرسين و مدرسات أرمن و يونانيين و إيطاليين و فرنسيين أقاموا منذ أجيال و توطنوها، عاصرت بائعي بقالات أرمن في غاية الفقر، عرفت مسيحيين مصريين من طائفة لم يبيحوا لي بها أبدا و اعتقد أنا انهم أمش ويعتقدصديقي أنهم بلامسة أبا عن جد لا يحلقون شعورهم ولا يستخدمون التكنولجيا إلا باضطرار و يعيشون بتكافل اجتماعي مذهل، و مدرس فرنسية يهودي كردي!
كان مكان سكني، و مدرستي، و مجتماعاتي المغلقة ربما أكثر تعدداً من المعتاد، لكني أيضا التقيت تعدد مبهر بالصدفة خارج تلك النطاقات.

تاريخياً كان شارعي مسكن لمصريين، و يونايين، و ايطاليين و أقليات أخرى أغلبهم من الطبقة الوسطى، بالوقت طبعا فقد تلك الأقليات، و لكن ظل أكثر تعددية من خارجه. و حتى الآن يُعرف بنسبة سكانه المسيحيين العالية بالمقارنة بالمناطق المحيطة.

كانت تعرف هي في الشارع باسم “المدام” بألف و لام التعريف، و زوجها ب”البشمهندس” أيضاً بألف ولام التعريف. لكن فعليا ما كانت تعرف به هو بأنها لاسعة. لم أكن أعرف الكثير عنها باستثناء أن بحديقتها أجمل شجرة ياسمين هندي تعطي أغلب الشارع رائحته المميزة. و بأنها عندما كانت تبعثني امي لها – مثلما تفعل مع كبار السن في الشارع ممن يعيشون وحدهم – في صباح عيد الفطر بطبق من الكعك و الغريبة،  نتبادل تحيات صغيرة، و تعزمني بالداخل و أرفض بأدب، فتطلب مني الانتظار و ترجع لي بزرعة ورد بلدي من حديقتها منقولة خصيصا لي في أناء فخاري مبررة بأنهم “أرواح و لازم نسيبها تعيش”.

لم تتوطد علاقتنا إلا عندما أنقذتني مرة. كنت في الحادية عشر مثلاً، و أمشي في الشارع ليلاً بعد شرائي لطلبات للمنزل، و كان يتبعني منذ مدة رجل.  و بالطبع كما كانوا يعلموننا كنت عاملة نفسي مش واخدة بالي و أنا مرتعبة مما سيكون. كنت انتظر أن نمر على محل مفتوح أو مجموعة من الناس حتى يخاف و يبعد، ولكنني أيضاً كنت مرعوبة من هذا، لأنه يضر صورتي كشخصية مستقلة كبيرة في المنطقة قادرة على الدفاع عن نفسها ، كنت طفلة ضايعة.  مررنا أمام حديقتها و كنت أراها من فوق السور على السلم الخشبي المتحرك تفعل شيء بإحدى أشجارها كالعادة. نهرته فرد عليها ، فردت عليه، و أنا مخضوضة.  و أنتهى الأمر بشبشبها ذو الكعب الصغير يطير ليكاد يصيبه و هو يجري و هو يلعنها. وقفت تضحك، و أنا ايضا و فتحت الباب تسترد شبشبها و تسألني إن كنت بخير. تبادلنا الحديث و رجع زوجها من العمل في نفس الوقت فدعتني للداخل، و للغرابة وافقت ببساطة.

من يومها أصبحنا أصدقاء أنا و بورجا. كل عدة أسابيع نتلاقي فتدعوني للدخول فادخل و نتحدث قليلا، تذيقني كيكة قهوة تصنعها، أو تطلب مني أن أريها على البيانو ما أعرفه، أو أي شيء، المهم أننا نتعارف أو كما سيقولها سانت أكزوبيري أن نستأنس بعضنا البعض.
في حجرة البيانو كان الحائط شبه مغطى بمكتبة للاسطوانات و عدد من الصور في بروايز خشبية بنية بسيطة. وجوه ناس في ما يبدو أنه رحلة لجوء و عطش و جوع ، لأشخاص بعيون سوادء و شعر أسود و كل حين عيون عسلية. سألتها مرة “أنت فلسطينية؟” فضحكت و ردت لا أرمنية. فوضحت أنني فقط سألت لأنها تلبس قفاطين مطرزة تشبه تلك التي تلبسها الفلسطينيات التقليديات و لصور اللجوء على حائطها. فاجلستني و أتت بالبومات كبيرة من الصورة و قصصات الصحف. لم أكن أعرف أي شيء في حينها عن مذابح الأرمن. قضيت الساعات التالية مزبهلة أمام صور المرحلين، و بقايا المذابح ،و قصاصات الصحف بلغات كثيرة. رجعت بيتنا و سألت أمي عن اقتراحها لكتاب عن مذابح الأرمن، فاقترحت علي كتاب عن تاريخ السطان عبد الحميد الثاني، و وجدت في مكتبة البلدية كتاب لشهادات شخصية لبعض الناجين. و تعرفت على قصة تلك القاصات و الصور.  تركتني بورجا و أنا إلى اليوم تختلط في ذهني صور لاجئي 48 الفلسطينيين و ما قبلها، بصور النازحين الأرمن بعد الحرب العالمية الأولى. مازلت لا أستطيع أن أرى واحدة دون أن أرى الأخرى رغم فهمي بالوقت للاختلاف الشديد بين الظروف التاريخية.

سأجلس بعدها بسنين طويلة أخبيء دموعي عنه في قاعة سينما لا أحد بها غيرنا، و نحن نشاهد فيلم أسباني – لا أذكر إسمه-  خطه الأساسي عن مذابج الأرمن و رحلة النفي إلى عكا ، حتى لا أبدو عبيطة أبكي على فيلم، لم أستطع محو الصور من خيالي و ارتباطها برائحة غرفة البيانو الخشبية و الياسمين الهندي و لم أستطع التفريق بين بيانو بروجا و بيانو الأسرة الأساسية في الفيلم.

كانت مدرسة بيانو حرة، و رسامة في الخامسة و الستين عندما عرفتها، مبهرة في كل شيء، تشبه أمي في هوسها بالنظام و السيطرة. دائما في جلباب مطرز تفاصيله شديدة الجمال، و شبشب بكعب صغير ، و شعر أسود مرفوع في شينوين منخفض، و خصلات صغيرة سوداء بتلقائية على وجهها، و أحمر شفاه و طلاء أظافر لليدين و القدمين شديدي الحمرة.
لابد أن أعترف أنها عندما كانت تجلس في الشمس في حديقتها، و تحكي أو تسمع الموسيقى و أنا أجلس معها كنت أُغوى تماما. صلابتها، طولها، قامتها المشدودة ، صدرها الصغير،  طريقة نطقها البطيئة، أناقتها المتفردة، عنادها، ذكائها،  كلها كانت تثيرني بشدة في مراهقتي بعد صداقتنا بأعوم.

عندما انتهيت من دراستي الثانوية  انتقلت لسكن وحدي بعيداً عن أهلي، انشغلت في أنشطتي و عملي و بعض الدراسة، لكنني كنت أذهب لأزورها في ميعادنا الأسبوعي، دائما صباح الأحد الساعة التاسعة صباحا. أأتي أنا بالجرائد و مجموعة من المجلات، و أدخل لأجدها دائما تنتهي من اعداد إفطار عظيم، و زوجها ينقل شلت الكراسي للخارج حتى نفطر في الحديقة و إن كنا صيفا ينقل الشمسية الثقيلة – نفس نوعية شماسي البحر التقليدية لكنها مطبوعة بزخارف نباتية أغلب الظن من عمل بورجا.  نفطر ثلاثتنا في الحديقة، و يخرج زوجها للقاء أصدقاءه في النادي اليوناني، و نظل نحن في المنزل.   كنا نتحدث في كل شيء و أي شيء لكن بطابع من الالتزام الذي يسيطر على الحوار.  بعدما ساءت صحتها، أصبحت فترة ما بعد الافطار هي الفترة التي اتلكك بها لأساعدها في أعمال المنزل، الذي ترفض أن تدفع لأحد ليقوم بها نيابة عنها، لأنها تُحرج من أن ترى أحد يعمل و هي جالسة. نقوم بأعمال نظافة و نحن نتحدث و نغني لأديث بياف عادة.

بعد عامي الثاني في الجامعة، قضيت الصيف في مهمات عمل و ترفيه خارج مصر، و رجعت لأحدها في حالة سيئة جدا.  كانت مريضة بمرض شديد رفض كلاهما التحدث معي عنه لأنهما يعاملاه كأنه لم يوجد.  ذهبت لبيتها لأول مرة منذ مدة لأجدها في روب منزلي نائمة في سريرها، و تبقدو أقصر قامة و أصغر حجما. تحدثنا و هي تحاول أن تبدو قوية و مرحة، و أنا أحاول ألا أظهر قلبي المحطم.  كانت تعطيني شيئا عندا لاحظت طلاء أظافرها المقشر فاعتذرت بخجل بأنها لم تستطع الذهاب للكوافير منذ مدة.  كنت أعلم ماذا يعني لها هذا الكمال في المظهر، فأردت أن أعطيه لها.  بصفتي شديدة الجهل بكل ما يخص التزيين و تلك التفاصيل، هاتفت أختي أسألها  إذا كان من الممكن أن تأتينا بأحد ليقوم بتلك المهمة. بعد ساعة كانت أختى و معها أمرأة ،تعمل بالكوافير الذي تتعامل معه أختي و بورجا، موجودتان.  عندما علمت بأنهما في الطريق. حاولت الوقوف من سريرها قائلة جملتها الشهيرة “في ضيوف جايين “. غيرت قفطانها بقفطان مغربي بأكمام كبيرة، و جلست أمام المرآة تصفف شعرها و تضع أحمر الشفاه و الكحل بتركيز. و أنا اجتاحني نفس الانبهار الذي كنت أشعره  أمامها و أنا طفلة.

جلسنا في الخارج هي بأقدام ممدودة و أمرأة التزيين تعمل عليها . بدت في آخر الجلسة برونقها و فخرها الذي لا ينكسر الذي اعتدته.

بعدها بأشهر قليلة، كانت تعاني فيها صحيا، سأكون قد غادرت مصر لأقيم في بلد آخر. كنت أبعث لها بكروت تذكارية من الأماكن التي أزورها – كما هي عادتي- و هي راسلتني مرتين و أهدتني كتاب لعيد ميلادي.

كنت قد اشتريت لها عبوة من عطر شانيل نمرة 5 -عطرها و عطرأكثر من أحب من النساء المفضل – عندما تلقيت تليفون من أمي لتبلغني بأن بورجا ماتت. لم أشعر بالحزن، لكنني فقد وددت لو كنت هناك في الأشهر الماضية. حادثت زوجها و بدا محطماً، و غاضباً على أولاده الذين يصرون على أن ينتقل ليقيم معهم في كندا.  بكى و ظللت أنا صامتة.  لم أعرفه جيداً هو أبداً.  بعدها بيومين حادثتني امي ثانية لتحكي لي عن العزاء و حفنة الأشخاص الذين حضروه. و فاجأتني بأنها عرفت أن بورجا ليس اسمها الأول، و لكنه اسم أسرة زوجها، و لم تستطع تذكر الاسم الذي قرأته على الاعلان في مدخل الكنيسة.

عندما زرت شارعي و شارعها في الصيف، دخلته ليلا من الجهة المقابلة لأرجع لبيت اهلي الذي لا يسكنه أحد. و أول شيء فعلته في الصباح هو أنني نزلت لأمر على بيتها. كان السور الذي اعتدته ملون باللون الطوبي الفاتح، ملون الآن بلون أبيض يلمع و ارتفاع السور ضعف ما أعتدت عليه. و من الواضح أن عدة أشجار قد كسرت ليعلى السور بهذا الشكل، و توضع قطع الزجاج المكسرة على أعلاه.  فزعت من اليافطة المعلقة على الباب الجانبي – فهم قد بنوا حائط مكان الباب الرئيسي – الحزب الوطني الديموقراطي – دائرة ….- قسم …..
و معلق على الحائط عدة اعلانات عن دروس تقوية تقدم بداخل مقر الحزب، و اعلان عن اجتماع للسيد راشد – مرشح الحزب عن المنطقة – مع أهالي الحي لسماع شكواهم. استغربت جدا الدعوة.

عندما سألت بائع المخللات بجانب بيتها – الذي كان يكرهها لأنها تطعم قطط المنطقة كل يوم في المغرب فتعتاد القطط على المكان و يدورون  حول أوعية المخلل البلاستيكية الزرقاء و يدخلوا بداخل الأوعية في بعض الأحيان – عما حدث. قال لي أن زوجها سافر و بالتالي أصبح المنزل غير مؤجر، و بشكل لولبي ما آل للحزب الوطني.  و أبدى سعادته لأن لا أحد يطعم القطط الآن، و الطلبة بعد حصص التقوية يخرجون ليبتاعوا مخلل مع سندويتشاتهم.

كانت شجرة الياسمن مازالت مزهرة رغم أنها فقدت عدة أفرع في عملية تعلية السور، و ثمار الجريب فروت متعفنة على الأرض، فالجريب فروت لا يروق لمزاج أغلب المصريين في مزازته، و ليس لدي شك أن الحزب الوطني لا يحييك بكوب من العصير، أو يصنع مربى الجريب فروت في برطمانات زجاجية بغطاء من الدانتيل كما كانت هي تفعل.

كان على الأرض بجانب الباب بقايا ما يبدو أنه قطعة من القماش تستخدم لمسح الأرجل قبل الدخول، في يوم ما كانت تلك القطعة أحدى مفارش بورجا للسفرة المطرزة بزخارف عربية.

في آخر يوم لي في مدينتي، كان الشارع مقفل بشادر يتحدث به السيد راشد ، كانت تلك “الشكاوي” التي استمع لها الحزب الوطني هي أن أحدة اصحاب المقالى -التي تبيع اللب و السوداني و تلك الأشياء- يريد شراء مخزن يتشارك مع الجامع في حائط.
و لأن صاحب المقلى مسيحي، و يتشارك من الناحية الآخرى مع الكنيسة الأرثودوكسية بالمنطقة بحائط – التي تمتلك غالبا رخصة للاصلاحات لأنها مرت باصلاحات كبيرة قبلها بعامين، فقد تفتأ ذهن سكان المنطقة الكرام أنها من الممكن أن تكون لعبة ، و يكون سيشتري هذا المخزن ليلحقه بالكنيسة، و عندها يتشارك الجامع و الكنيسة في حائط . و هو أمر لو تعلمون عظيم.

عندما مررت بشارعي بعدها بعامين معه و أنا احكي له بحماسة عن تفاصيل شارعي و طفلوتي، مررت من أمام بيتها، و تجاهلت أن احكي له عنها.  فقط حاولت منذ مدة أن أضع طلاء أظافر لأول مرة، و أنا أصلاً عادة أشمئز من الأظافر الملونة. أخترته شديد الحمرة مثلها. و عند إنتهائي من العملية المعقدة ،نظرت إلى نفسي فلم أجد إلا طفلة في الخامسة باصابع ملطخة بطلاء أظافر.