لن آتي بجديد إن قلت إن دعوة “تحديد النسل”، بل دعوة “تنظيم الأسرة” مؤامرة حقيقة وخطيرة ضد المسلمين، وضد انتشار الإسلام، هذا إذا لم نعتبر بالأساس أن “تنظيم الأسرة” هو اللفظ الظريف لـ “تحديد النسل”.

إنما الجديد والمفيد دائما، هو الأدلة التي تتكشف عنه كل يوم، فتزيده ثباتا ووضوحا.

ويقتضي الإنصاف والعدل أن أذكر أن هذا ليس معناه أن كل من دعا إلى هذا متآمر أو كاره للإسلام والمسلمين، بل ربما كثير منهم مضلل ومخدوع.
ولست أظنني في حاجة للرد على تخريفات بعضهم وأكثرهم الأغبياء والفاسدون الذين يُرجعون سبب التخلف إلى زيادة العدد، وارتفاع مستوى النمو، فلا أظن أحداً –في مصر على الأقل- يصدق هذا الكلام من الأساس أو يقتنع به.

وخطورة هذه المؤامرة التي تحمل اسم “تنظيم الأسرة”، لا تتوقف فقط عند المسألة العددية، بل تؤثر على المستقبل الحضاري والثقافي كله، وقبل أن يتهمني أحد بالمبالغة أو باستعمال الألفاظ الضخمة، أحب أن أوضح له أن هذا ليس كلامي، بل لقد اكتشفته أنا من تقرير لمنظمة تنصيرية كندية، كانت تدعو للمساهمة معها في “التبشير برسالة المسيح” ضد “الخطر الإسلامي” الزاحف.

قال التقرير “بحسب البحوث العلمية الحديثة فإن أي ثقافة ما تحتاج إلى 2.11% كحد أدنى لمعدل الإنجاب في كل عائلة لتتمكن تلك الثقافة من الاستمرار في الوجود لمدة 25 عاما على الأقل، إن أي ثقافة لا تمتلك هذا الحد الأدنى سيكون مصيرها التراجع والاندثار الحتمي.
أثبت التاريخ بأن ثقافة تمتلك معدل مواليد يبلغ 1.9% لن تتمكن من الانتشار نهائيا.

وإذا تدنى ذلك المعدل إلى 1.3% فإنها ستندثر وتتلاشى، وإذا حاولت تجنب هذا الفناء فإنها ستحتاج إلى مدة تبلغ من (80 : 100) عام لكي تستطيع عكس (تحسين) اتجاه النمو، لكي تحمي نفسها من الفناء.

لا يوجد أي نظام اقتصادي يستطيع أن يُمَكِّن تلك الثقافة متدنية الإنجاب من البقاء والاستمرار”

ثم ضرب التقرير مقالا توضيحيا، سنحتاجه جدا بعد قليل، وهو أنه إذا افترضنا عائلتان أنجبتا طفلا واحدا فقط لكل منهما، فإن الجيل التالي سيكون نصف عدد الجيل الحالي (الأبناء 2 فقط، الآباء 4) فإذا استمرت ثقافة الطفل الواحد فإن الجيل الثالث سيكون فردا واحدا فقط، وهو ربع عدد الأجداد, وبتتابع هذا الموضوع ستفنى الثقافة التي كان يحملها جيل الأجداد.

وانتقل التقرير يستعرض معدل النمو في دول أوروبا، وكلها أقل من نسبة الحد الأدنى للوجود الحضاري (2.11%)، ثم انتقل ليقارن هذا بالاكتساح الإسلامي، وتوقع التقرير أن دول أوروبا كلها ستكون إسلامية بعد نصف قرن بحد أقصى.

على أية حال، ودون الدخول في مناقشة كثير من التفاصيل الواردة في التقرير، وبدون حتى مناقشة هذا التخوف من ازدياد عدد المهاجرين المسلمين إلى أوروبا، إذ لا علاقة بينه وبين تحول الدول الأوروبية إلى إسلامية لظروف كثيرة ليس هذا محل نقاشها.

إنما، نفهم بهذا الشكل خطورة ما قالته مشيرة خطاب -وهي الآن وزيرة الأسرة والسكان، بعد أن دارت في منصاب مرموقة آخرها الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة- حين صرحت وبكل وضوح “كفانا تنظيما ولنجعلها تحديدا، لأن كل أسرة أصبحت تستخدم مفهوم تنظيم الأسرة على هواها” بل أوضحت أن الهدف (!!!) والسبب الرئيسي (!!!) لإنشاء وزارة الأسرة والسكان هو التحول من مفهوم تنظيم الأسرة إلى مفهوم تحديد النسل.

(أين من يقولون بأنه لا وجود لنظرية المؤامرة؟)

وطالبت الوزيرة إلى أن تُجبر الدولة الأسر على تحديد النسل، بواقع طفلين فقط لكل أسرة، وأن تكون وسائل تنظيم الأسرة أسلوب ونمط حياة دائم (تأَمَّل!) وأن يكون الاستثناء هو إنجاب طفلين. (جريدة الأسبوع 24/4/2009)

والأخطر من هذا الكلام الكاشف، والذي هو تهديد حقيقي لمستقبل المصريين، أن يقال مثل هذا، ومعدل النمو السكاني في مصر قد انخفض إلى 1.68% بحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في عام 2007، أي أننا تحت الحد الأدنى لنسبة 2.11% التي وضعها تقرير المنظمة الكندية كحد أدنى للنسبة التي يجب أن تملكها ثقافة من الثقافات لتحافظ على وجودها.

وبالنظر إلى خريطة النمو السكاني، سنجد أن من بين رفقائنا في التصنيف دول متقدمة وأخرى تيدو التقدم ظاهرا في الأفق كالهند وباكستان وإيران وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وأستراليا وكل دول أمريكا الجنوبية والمكسيك، بينما الحال في مصر لا يبعث على التفاؤل أبداً.

وحيث أن الوزيرة تبدو مخلصة وحريصة على مستقبل مصر، هي ومن وضعها –أو وضعتها كذلك- في هذا المنصب، فإني لهم ناصح أمين إذ أرى أن يرحموا أنفسهم من شعب يصر على التخلف والفشل وزيادة المواليد، وليرحلوا .. فلربما عرفنا يوما قيمتهم فأتيناهم زحفا نقبل الأيدي والأقدام أن يعودوا إلينا، ألا يحبون أن نعرف قدرهم وجهدهم وقيمتهم ومدى البؤس الذي سيحل بنا لو تركونا؟
فلربما أرجع الزمان مثال المتنبي يقول لهم ما قاله المتنبي من قبل لسيف الدولة الحمداني:

إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا *** ألا تفارقهم، فالراحلون همُ

• التقرير المصور
• تعليق عليه وزيادة في مدونة (التنصير فوق صفيح ساخن)

————

تصحيح ومراجعة:

أرسل إلى الأخ الحبيب أبو العلاء هذا التصحيح، الذي أضعه هنا بدون تعليق من جانبي، لأنه بدا لي أنه تم خلط عندي نتج من عدم دقة الترجمة العربية للتقرير.

قال أبو العلاء:

“أعتقد إنك خلطت فى التدوينة بين:

1- معدل الخصوبة و هو ليس نسبة مئوية بالمناسبة. نعم معدل الخصوبة يجب ألا يقل عن حدود 2.11 حتى لا يتضاءل التعداد على المدى البعيد.

2- معدل نمو السكان و هو فعلا نسبة مئوية و أى قيمة موجبة له معناها إن عدد السكان فى زيادة مستمرة. معدل نمو السكان فى مصر فى حدود 1.6 فى المئة يعنى إن عدد السكان سيتضاعف فى حدود أربعين سنة يعنى نصل لحدود 150 مليون.

3- معدل الخصوبة فى مصر (متوسط عدد الأولاد لكل أنثى) حوالى 3.5 و هو أعلى بكثير من 2.11 المطلوب للحفاظ على التعداد.

و الموضوع فيه تعقيدات أكثر من ذلك تحتاج إلى شرح طويل و إن شئت زدتك.

المهم إن استنتاجاتك قائمة على هذا اللبس بين معدلات الخصوبة و معدلات النمو فبرجاء المراجعة.

أما كون سياسة الحكومة السكانية فاشلة فهذا له أسباب أخرى غير كون تحديد النسل فى ذاته سياسة فاشلة. و قد بحثت هذه النقطة منذ سنتين أو أكثر و قرأت العديد من التقارير الأوروبية بالذات عن كيفية التخطيط للتعداد و علاقة ذلك بسوق العمل و سياسة المعاشات و النمو الإقتصادى و سياسات الحكومة فعلا خايبة جدا و لكن شرح ذلك يطول”