الجمعة 15 مايو 2009
لن آتي بجديد إن قلت إن دعوة “تحديد النسل”، بل دعوة “تنظيم الأسرة” مؤامرة حقيقة وخطيرة ضد المسلمين، وضد انتشار الإسلام، هذا إذا لم نعتبر بالأساس أن “تنظيم الأسرة” هو اللفظ الظريف لـ “تحديد النسل”.
إنما الجديد والمفيد دائما، هو الأدلة التي تتكشف عنه كل يوم، فتزيده ثباتا ووضوحا.
ويقتضي الإنصاف والعدل أن أذكر أن هذا ليس معناه أن كل من دعا إلى هذا متآمر أو كاره للإسلام والمسلمين، بل ربما كثير منهم مضلل ومخدوع.
ولست أظنني في حاجة للرد على تخريفات بعضهم وأكثرهم الأغبياء والفاسدون الذين يُرجعون سبب التخلف إلى زيادة العدد، وارتفاع مستوى النمو، فلا أظن أحداً –في مصر على الأقل- يصدق هذا الكلام من الأساس أو يقتنع به.
وخطورة هذه المؤامرة التي تحمل اسم “تنظيم الأسرة”، لا تتوقف فقط عند المسألة العددية، بل تؤثر على المستقبل الحضاري والثقافي كله، وقبل أن يتهمني أحد بالمبالغة أو باستعمال الألفاظ الضخمة، أحب أن أوضح له أن هذا ليس كلامي، بل لقد اكتشفته أنا من تقرير لمنظمة تنصيرية كندية، كانت تدعو للمساهمة معها في “التبشير برسالة المسيح” ضد “الخطر الإسلامي” الزاحف.
قال التقرير “بحسب البحوث العلمية الحديثة فإن أي ثقافة ما تحتاج إلى 2.11% كحد أدنى لمعدل الإنجاب في كل عائلة لتتمكن تلك الثقافة من الاستمرار في الوجود لمدة 25 عاما على الأقل، إن أي ثقافة لا تمتلك هذا الحد الأدنى سيكون مصيرها التراجع والاندثار الحتمي.
أثبت التاريخ بأن ثقافة تمتلك معدل مواليد يبلغ 1.9% لن تتمكن من الانتشار نهائيا.
وإذا تدنى ذلك المعدل إلى 1.3% فإنها ستندثر وتتلاشى، وإذا حاولت تجنب هذا الفناء فإنها ستحتاج إلى مدة تبلغ من (80 : 100) عام لكي تستطيع عكس (تحسين) اتجاه النمو، لكي تحمي نفسها من الفناء.
لا يوجد أي نظام اقتصادي يستطيع أن يُمَكِّن تلك الثقافة متدنية الإنجاب من البقاء والاستمرار”
ثم ضرب التقرير مقالا توضيحيا، سنحتاجه جدا بعد قليل، وهو أنه إذا افترضنا عائلتان أنجبتا طفلا واحدا فقط لكل منهما، فإن الجيل التالي سيكون نصف عدد الجيل الحالي (الأبناء 2 فقط، الآباء 4) فإذا استمرت ثقافة الطفل الواحد فإن الجيل الثالث سيكون فردا واحدا فقط، وهو ربع عدد الأجداد, وبتتابع هذا الموضوع ستفنى الثقافة التي كان يحملها جيل الأجداد.
وانتقل التقرير يستعرض معدل النمو في دول أوروبا، وكلها أقل من نسبة الحد الأدنى للوجود الحضاري (2.11%)، ثم انتقل ليقارن هذا بالاكتساح الإسلامي، وتوقع التقرير أن دول أوروبا كلها ستكون إسلامية بعد نصف قرن بحد أقصى.
على أية حال، ودون الدخول في مناقشة كثير من التفاصيل الواردة في التقرير، وبدون حتى مناقشة هذا التخوف من ازدياد عدد المهاجرين المسلمين إلى أوروبا، إذ لا علاقة بينه وبين تحول الدول الأوروبية إلى إسلامية لظروف كثيرة ليس هذا محل نقاشها.
إنما، نفهم بهذا الشكل خطورة ما قالته مشيرة خطاب -وهي الآن وزيرة الأسرة والسكان، بعد أن دارت في منصاب مرموقة آخرها الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة- حين صرحت وبكل وضوح “كفانا تنظيما ولنجعلها تحديدا، لأن كل أسرة أصبحت تستخدم مفهوم تنظيم الأسرة على هواها” بل أوضحت أن الهدف (!!!) والسبب الرئيسي (!!!) لإنشاء وزارة الأسرة والسكان هو التحول من مفهوم تنظيم الأسرة إلى مفهوم تحديد النسل.
(أين من يقولون بأنه لا وجود لنظرية المؤامرة؟)
وطالبت الوزيرة إلى أن تُجبر الدولة الأسر على تحديد النسل، بواقع طفلين فقط لكل أسرة، وأن تكون وسائل تنظيم الأسرة أسلوب ونمط حياة دائم (تأَمَّل!) وأن يكون الاستثناء هو إنجاب طفلين. (جريدة الأسبوع 24/4/2009)
والأخطر من هذا الكلام الكاشف، والذي هو تهديد حقيقي لمستقبل المصريين، أن يقال مثل هذا، ومعدل النمو السكاني في مصر قد انخفض إلى 1.68% بحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر في عام 2007، أي أننا تحت الحد الأدنى لنسبة 2.11% التي وضعها تقرير المنظمة الكندية كحد أدنى للنسبة التي يجب أن تملكها ثقافة من الثقافات لتحافظ على وجودها.
وبالنظر إلى خريطة النمو السكاني، سنجد أن من بين رفقائنا في التصنيف دول متقدمة وأخرى تيدو التقدم ظاهرا في الأفق كالهند وباكستان وإيران وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وأستراليا وكل دول أمريكا الجنوبية والمكسيك، بينما الحال في مصر لا يبعث على التفاؤل أبداً.
وحيث أن الوزيرة تبدو مخلصة وحريصة على مستقبل مصر، هي ومن وضعها –أو وضعتها كذلك- في هذا المنصب، فإني لهم ناصح أمين إذ أرى أن يرحموا أنفسهم من شعب يصر على التخلف والفشل وزيادة المواليد، وليرحلوا .. فلربما عرفنا يوما قيمتهم فأتيناهم زحفا نقبل الأيدي والأقدام أن يعودوا إلينا، ألا يحبون أن نعرف قدرهم وجهدهم وقيمتهم ومدى البؤس الذي سيحل بنا لو تركونا؟
فلربما أرجع الزمان مثال المتنبي يقول لهم ما قاله المتنبي من قبل لسيف الدولة الحمداني:
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا *** ألا تفارقهم، فالراحلون همُ
• التقرير المصور
• تعليق عليه وزيادة في مدونة (التنصير فوق صفيح ساخن)
————
تصحيح ومراجعة:
أرسل إلى الأخ الحبيب أبو العلاء هذا التصحيح، الذي أضعه هنا بدون تعليق من جانبي، لأنه بدا لي أنه تم خلط عندي نتج من عدم دقة الترجمة العربية للتقرير.
قال أبو العلاء:
“أعتقد إنك خلطت فى التدوينة بين:
1- معدل الخصوبة و هو ليس نسبة مئوية بالمناسبة. نعم معدل الخصوبة يجب ألا يقل عن حدود 2.11 حتى لا يتضاءل التعداد على المدى البعيد.
2- معدل نمو السكان و هو فعلا نسبة مئوية و أى قيمة موجبة له معناها إن عدد السكان فى زيادة مستمرة. معدل نمو السكان فى مصر فى حدود 1.6 فى المئة يعنى إن عدد السكان سيتضاعف فى حدود أربعين سنة يعنى نصل لحدود 150 مليون.
3- معدل الخصوبة فى مصر (متوسط عدد الأولاد لكل أنثى) حوالى 3.5 و هو أعلى بكثير من 2.11 المطلوب للحفاظ على التعداد.
و الموضوع فيه تعقيدات أكثر من ذلك تحتاج إلى شرح طويل و إن شئت زدتك.
المهم إن استنتاجاتك قائمة على هذا اللبس بين معدلات الخصوبة و معدلات النمو فبرجاء المراجعة.
أما كون سياسة الحكومة السكانية فاشلة فهذا له أسباب أخرى غير كون تحديد النسل فى ذاته سياسة فاشلة. و قد بحثت هذه النقطة منذ سنتين أو أكثر و قرأت العديد من التقارير الأوروبية بالذات عن كيفية التخطيط للتعداد و علاقة ذلك بسوق العمل و سياسة المعاشات و النمو الإقتصادى و سياسات الحكومة فعلا خايبة جدا و لكن شرح ذلك يطول”
15 مايو 2009 في الساعة 4:23 pm
يا أخي لا فض فوك من أهم الموضوعات التي تطرقت إليها فالبشر ثروة في يد من يحسن إدارتها , لكن نظرا لتخلفهم و تنفيذهم لأوامر أسيادهم من أعداء الإسلام يريدون أن يشيعوا أن البشر عبء و كأن الإنسان المصري يولد و هو مكتوب عليه أن يكون غير منتج, و أنا أعرف أسر أنجبت العديد من الأبناء كان آخرهم هو أكثرهم نفعا, و أتذكر هنا قولا لأمير المؤمنين عمر مفاده أن يكثر الإنسان من الأبناء لأنه لا يدري بأيهم سيرزق, لكني وددت لو أتبعت الموضوع بالوسائل التي تعين على التصدي لهذه الحملة الهادفة على القضاء على الإسلام و بالمسلمين بأحدث وسائل تنظيم الأسرة
15 مايو 2009 في الساعة 4:35 pm
كم ولا كيف
نحن نعيش المرحلة الغثائية أغلبية الاعداد اللى ذكرها التقرير والتي تأتي فى المستقبل لا تعرف عن الاسلام الا اسمه عبء على الاسلام وليس اضافة له
15 مايو 2009 في الساعة 5:08 pm
أيضا لو اتبعت ذلك بأهمية إعداد الأبناء إعدادا صحيحا فكم من أبناء آبائهم ملتزمون و لكن حالهم لا يسر , فالتربية و الإعداد بدلا من أن نخلف من بعدنا ذرية ضعافا , يتبعون الشهوات و يضيعوا الصلوات
15 مايو 2009 في الساعة 8:04 pm
السلام عليكم ورحمة الله
المشكلة أن عدد غير قليل من المجتمع حتي الذين لا يحدون من النسل أصبح عندهم من المسلمات أن زيادة الإنجاب مشكلة وأصبح من موضوعات الإنشاء في المدارس في كل سنة موضوع( مشكلة النمو السكاني ) حتي أن إمتحان اللغة الإنجليزية في هذه السنة جاء لنا فيه سؤال الترجمة عن (التضخم السكاني وإعاقته لعملية التنمية)
اللهم ارحمنا من هذه العقول
15 مايو 2009 في الساعة 10:39 pm
يعنى المفترض كل أسره تنجب كم طفل كى نظل داخل الحدود الآمنه؟ و هل تعتقد حقّا أن الوضع فى “مصر” من حيث عدد السكأن ليس وضعا كارثيا يحتاج بالفعل لوقفه !! الظروف الاقتصاديه التى نعيش فيها تصعّب على الناس تربية طفلين تربيه محترمه و تعليمهم تعليم جيّد .. فكيف يمكن تصوّر أن يكون عدد الأطفال أكبر من كده خصوصا و نحن نتحدّث عن هدف نبيل و هو نشر الحضاره و الفكر وهو أمر يحتاج لتربيه و تعليم يصعب جدّا توفيرهم لعدد كبير من الأبناء ..
16 مايو 2009 في الساعة 10:00 am
المشكلة يا أخت زمان الوصل ليس تحديد “الحدود الآمنة” للإنجاب، لأن هذا تفكير يرضى بواقع الفساد الحاكم لنا ويحاول أن يتكيف معه من خلال البحث عن أفضل الاختيارات للعيش في ظله.
قبل أن نبحث عن “الحدود الآمنة” في ظل الفساد، نبحث أولا عن إزالة حكم الفاسدين، وإن لم نفعل فليست هناك حدود آمنة لا بطفل ولا بطفلين ولا حتى من غير أطفال.
وعلى أية حال لم أكن في طرح هذا الموضوع بوارد “تقديم الحل” بل بوارد “طرح المشكلة” .. ولعلي في هذا التوضيح أكون أجبت على الأخ الكريم samersafix
16 مايو 2009 في الساعة 8:03 pm
هل معنى هذا أن ما تطرحه غير قابل للتطبيق فى ظل وجود الحكم الفاسد؟ الفكره ليست فكرة رضا بالواقع و إنّما فكرة “حتى ينصلح هذا الحال ما الحلّ؟ و هل يكون بإنجاب عدد كبير من الأطفال يشقى بهم أهلهم الراغبون فى منحهم تربيه محترمه و تعليم لائق؟
16 مايو 2009 في الساعة 11:26 pm
أكرر يا أختنا الكريمة أني كنت بوارد طرح المشكلة وليس طرح الحل، الحل نفسه سيحتاج إلى خبراء وتفكير جماعي وليس كل طارح للمشكلة معنيا بأن يوجد لها حلول.
وفي إطار طرح المشكلة أقول بأنه لا حدود آمنة في ظل الحكم الفاسد، فحتى الأسر التي تكتفي بطفلين أو واحد لا تستطيع أن تضمن لهم حياة طيبة في ظل نظام فاسد.
وما أطرحه يقول ببساطة “الحل ليس في التقليل من عدد المواليد” وليس “الحل في إنجاب عدد أكبر”، ولا يخفى عليك فرق ما بين الجملتين.
لكني أسألك:
إذا اقتنعت بأن نسبة النمو في مصر مهددة للوجود الحضاري، فهل الأجدى أن نفكر فيما نفعل في الحال ريثما ينصلح الحال؟
أم أن نفكر كيف نوقف هذا التهديد المستقبلي بعدم الاستسلام لفكرة تحديد النسل وتنظيم الأسرة، وفي ذات الوقت نجاهد لإنهاء الحكم الفاسد؟
17 مايو 2009 في الساعة 1:39 am
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة
كيف حالك اخي الفاضل سعيدة بزيارتك لمدونتي و الاسعد ان التدوينة اعجبتك
الاحصائية جميلة للغاية و مفيدة الي حد بعيد و لكن هناك سبب اخر خطر في بالي هو ما ادي بشكل حقيقي الي تراجع معد النمو لدينا غير ما ذكرت
و هو التضييق البشع علي الشباب و تأخر سن الزواج و زيادة عدد الشباب الغير متزوج ( عده ملايين من الشباب ) و هي في رأيي الكارثة الكبري لان من لا يتزوجون دون مستوي مادي معين هم الطبقة الوسطي الذين هم الامل الحقيقي في نهضة اي مجتمع
اما من لم تتعلم و لم يتعلم فهؤلاء يتزوجون قبل ان يعمل الشاب !!!! و هؤلاء شاهدتهم بعيني اثناء عملي في الاحياء الفقيرة العشوائية
اما الاغنياء فلا يتزوجون لانهم ليسوا في حاجة اذاك - الا ما رحم ربي - فالشاب ينشأ علي ان كل ما يريد مجاب فلماذا يحمل نفسه مسؤولية و كل شئ متاح ؟؟؟
الازمة لها عده جوانب , ليست محصورة علي تنظيم او تحديد النسل … للاسف
17 مايو 2009 في الساعة 8:26 am
أنا خدت بالى والله ممّا قلته ..
ما أسأل عنه هو : حتى ينصلح الحال الذى نشكو منه هل يكون رد الفعل -ولن أقول الحل- أن ننجب عدد أكبر من الأبناء؟
بالطبع لا أحد يستطيع أن يضمن أى شئ لكن على الأقل هناك موقف جيّد و هناك موقف أجود منه .. بمعنى أنّه قد لا تستطيع أسره تنجب أربع أبناء ضمان حياه طيبه لهم لكن فرصتها قد تكون أفضل لو أنجبت اثنين فقط و هكذا ..
أمّا بخصوص الوجود الحضارى فاقتناعى الشخصى أنّه ليس مرتبطا بالكم قدر ما هو مرتبط بالكيف .. مع ملاحظة أن عدد طفلين لكل أسره قد يكون محققا لهذا الوجود و زياده إذا كان هذا هو الهدف من إنجاب عدد أكبر من الأطفال ولهذا سألت من البدايه : إذا كان همّنا هو الحفاظ على وجود حضارى ما هو العدد الذى يحقق هذا الوجود؟ لكن الفكره أن المناهضين لفكرة تنظيم الأسره يناهضوها لذاتها و ليس بسبب موضوع الوجود الحضارى و يطلبون زيادة عدد الأبناء لذاته و ليس لتحقيق هذا الوجود و قد يستند البعض فى هذا للحديث الشريف المعروف المرتبط بالتناسل و المباهاه والله أعلم
17 مايو 2009 في الساعة 2:08 pm
فيديو جميل يوضح نظرية المقال ، مع تحياتي
http://www.youtube.com/watch?v=6-3X5hIFXYU&feature=player_embedded
18 مايو 2009 في الساعة 4:19 am
أهلا بك يا دكتورة شمس الدين، وأوافقك فيما قلت .. غير أننا هنا كنا في هذا الجانب من المشكلة
ونسأل الله اللطف، فالمشاكل كثيرة ومتشابكة
————-
أختنا الكريمة زمان الوصل،
إنك -مازلت - تطالبينني برد الفعل، بالأحرى: بالموقف الأجود لرد الفعل. صدقيني أنا لم أفكر - أثناء كتابة المقال- في أن اطرح رد الفعل، خصوصا وأن رد الفعل هذا في مسألة كالإنجاب أمر كبير وعظيم وليس كقرار شراء قطعة ملابس أو شطيرة الفول.
18 مايو 2009 في الساعة 8:57 am
لا بأس يا أخى العزيز .. التديون ربّما يكون فرصه لتبادل الأفكار و التفكير فيما لم يكُن واردا خلال الكتابه .. تحياتى