لماذا نحن هنا؟
يمثل الإسلاميون حالة من حالات الاهتمام الواضح لدى الغرب (أوروبا وأمريكا) وهو اهتمام بدأ يتزايد مع العقود الثلاثة الأخيرة بعد الحضور القوي للإسلام في وعي المثقفين والمصلحين كمنظومة إصلاح وتنمية، إضافة إلى كونه عقيدة دينية وضمير أخلاقي.. ونستطيع أن نفهم أسباب هذا الاهتمام ونقدره، سواء في حالة المعرفة الكاملة الصحيحة بالإسلام والمنطقة العربية أو حتى في حالة المعرفة المنقوصة.. ما دامت هناك محاولات أمينة وجادة للمعرفة الدقيقة الخالية من النوايا المسبقة.
نريد أولا أن نعرف من هم الإسلاميون؟ وما هي تصوراتهم الإصلاحية؟ وما هي الطرق والوسائل التي يسلكونها لتطبيق هذه التصورات؟ وما هي المعوقات التي تواجههم؟ وكيف يتعاملون معها؟
من هم الإسلاميون؟
من المهم أن نعلم أن كل المحاولات الإصلاحية الكبرى في الشرق كانت في إطار إسلامي، وكان الإسلام دائما هو الرافعة الكبرى لكل الجهود والنضالات التي كانت تهدف إلى التحرير والاستقلال والتنمية.. حتى أن بعض الحركات القومية والليبرالية بدأت في إطار إسلامي أولا (حركة 1919 في مصر بقياده سعد زغلول) ومعروف أن سعد زغلول هو أحد تلاميذ الشيخ الإمام محمد عبده أحد كبار الإصلاحيين في الشرق.
ثم حدث مع قيام حركة الإخوان المسلمين عام 1928 أن أخذت الجهود الإصلاحية بعداً شعبيًّا وجماهيريا كبيرًا، وبدأ التركيز الواضح على أن محور الإصلاح هو (الإنسان الصحيح) ذو البناء الفكري والأخلاقي والنفسي المتين الذي لا يلبث أن يكتمل بناؤه ثم ينخرط في أداء دوره المنوط به لصالح نفسه ووطنه وأمته في القيام والنهوض.
على مدار ثمانين عاما خاضت الحركة الإسلامية أجواء تفاعلية كثيفة بعضها إيجابي وبعضها سلبي، لكن المؤكد أن رصيد النضج والفهم والمعرفة والخبرة قد زاد لديها كثيرا إلى حدود تقترب من الاكتمال، أسهم في ذلك الإقبال الواضح نحو الدين -في العالم كله تقريبا- خلال الثلاثين عاما الماضية، وكان للشرق خاصة مصر نصيب كبير من هذا الإقبال وحدث تلاقٍ هائل بين تيار التدين وأفكار الإسلاميين.. فتكون ما يمكن أن نسميه تيار (الإصلاح الإسلامي).. تمييزا له عن باقى التيارات الإصلاحية الأخرى باعتبار أن الإسلام يمثل لديهم كما ذكرنا أولا (منظومة إصلاح وتنمية).. هؤلاء هم الإسلاميون والذي تمثل حركة الإخوان المسلمين الآن أوضح مظهر لهم.
التصورات الإصلاحية
نحن نؤمن بأن الإسلام منهج إصلاح إنساني شامل والمجتمع الذي يسعد بهذا المنهج يعطي صورة رائعة للإنسانية والكفاءة في أكمل حالاتهما.. فإذا كان الإنسان هو وحدة الروح مع الجسد؛ فإن الإسلام هو وحدة الدين مع المجتمع، والإنسانية والكفاءة تكون حين يتحقق للإنسان وجوده الحقيقي في العدل والحرية والكرامة وغياب هذا المعاني غياب للإسلام وتحققها تحقق للإسلام، والنصوص القرآنية والأحاديث الشريفة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تؤكد ذلك بوضوح كامل، وكل من يعيش في المجتمع الإسلامي -مؤمنا أم غير مؤمن- لابد أن يقترن وجوده بوجود هذه المعاني الثلاثة.
والعدل تتنوع تطبيقاته من التعامل القضائي بين الناس إلى العدل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.. العدل في مفهومنا هو إزالة كل أشكال الفوارق والمعوقات الظالمة أمام انطلاق الإنسان نحو سعادته على الأرض في عمره المقدر له، وكل الإجراءات والهياكل الإدارية والقانونية التي توصلت إليها التجارب الإنسانية هي وسائلنا لتحقيق هذا التصور.. اجتماعيا في مد شبكات تأمين اجتماعي وصحي وتعليمي تشمل كل المواطنين وسياسيا في تعظيم دور المؤسسات والجمعيات والنقابات والأحزاب والبرلمان والصحف والمعلومات أمام دور (السلطة المتحكمة)، واقتصاديا بإطلاق حرية التملك والحركة والسعي مع دور مهم لتطبيقات فكرة (دولة الرعاية) خاصة في المجالات الكبرى كالصحة والتعليم.
الحرية لها قداسة خاصة في الإسلام إلى حد أن الإسلام جعلها شرطا للاعتقاد، حيث لا إكراه ولا قهر.. ويضرب العلماء مثلا بهذا الشرط لاستحقاقات الحرية في كل المجالات الأخرى.. فما الذي يسبق الإيمان في أهميته! والحديث التفصيلي في هذه الخطوط يطول.. لكنها كلها تلتقي حول مركزية الحرية الفردية في حضور الضوابط العامة التي يضعها المجتمع ويتعارف عليها كتقاليد راسخة تحفظ وترعى وتنتقل عبر الأجيال.
الكرامة الإنسانية حقيقة فطرية أرادها الله لكل بنى آدم.. برغم ظلم البشر للبشر وجناية البشر على البشر وإهانة البشر للبشر.. ويقودنا فهمنا إلى أن العمل على تحقيق الكرامة الآدمية هو (واجب مقدس) وكفى به قدسية أن تتحقق إرادة الله من خلال تحقيقه في مواقع البشر كلهم.. بل الإسلام وعّانا إلى أن هذه الكرامة يجب أن تظلل وجه الأرض كله بما يحويه من مخلوقات خلقها الخالق العليم، وهذا الصورة الإطارية لمعنى الكرامة تحوي داخلها أشكالا واقعية وأحوالا إنسانية لا تكاد تنتهي من النماذج والتطبيقات.
الطرق والوسائل التي يسلكها الإسلاميون
يعتبر الإسلاميون أن تراث الإنسانية الذاخر بالتجارب والخبرات هو رصيد خصب ووافر للجميع.. فمن محاور الوعي الإسلامي في فهمنا أن المصلحة والمنافع هي أهداف يرجوها الإسلام ويطلبها، سواء تم ذلك عن طريق تطبيق المبادئ الثابتة أو عن طريق الكسب الإنساني المتوارث في حركة الإنسان على الأرض.
أقول ذلك وعيني على المجتمعات الناهضة التي سبقتنا في تحقيق الأهداف المذكورة أولا.. وتحققت في حياتهم المعاني العملية للمجتمع المدني القوي.. ونحن نرى أن أدوات المجتمع المدني القوي أكثر تأثيرا وفاعلية من أدوات السلطة وأجهزة الدولة.. ولعلي أقول قولا جديدا على الأسماع حين أعلن أن حيازة المجتمع المدني القوي أهم بكثير من حيازة السلطة لدى الإسلاميين.. فالمجتمع هو أرض المعركة الحقيقة مع الشر والظلم والرذيلة والضعف والمرض والجهل والفقر والأمية المعرفية والثقافية.. وتبقى السلطة حالة نظامية.. إذا توافرت فيها صفة النزاهة والقانونية والتعدد والتناوب، السلطة خادم جيد للمجتمع وسيد من أسوأ الأسياد.. لو تبدلت العلاقة.
لذلك فوسائلنا لتحقيق أهدافنا هي العمل الاجتماعي والسياسي والتنموي المتعارف عليه والقائم في حياتنا الآن، ولكن بشكل (كرتوني) للأسف.. فما نريده ونتوسل به هو الأحزاب القوية التي تتجادل وتتنافس حول الأفكار وتطبيقاتها.. النقابات القوية التي تخرج الناس من الهامشية إلى التأثير.. الجمعيات الأهلية التي تنشر النفع الاقتصادي والعلمي والثقافي.. الصحف القوية التي تكشف الأخطاء وتنقدها وتحرك الرأي العام عليها.. وغير ذلك من الوسائل والأدوات.
المعوقات التي تواجهنا
خارجيا تواجهنا معوقات كثيرة في حقيقة الأمر على رأسها العداء القديم للإسلام.. ليس من جهة الصراعات التاريخية في الحقب الصليبية والاستعمارية فقط.. ولكن للتجربة التاريخية الخاصة للغرب مع الدين في حد ذاته، وأتمنى أن يتصالح الغرب مع تاريخه بهذا المعنى.. وأنا أتابع حركة الأفكار وتطورها في الغرب، وأرى أن هناك اتجاها إيجابيا في ذلك.. يضاف إلى ذلك جماعات المصالح ذات الشراسة المتناهية التي لا تعرف حدودًا لأي قيمة، ولا خلق ولا معنى.. لا تعرف إلا المكاسب الأسطورية والثروات المليارية وتأثيرها في العملية السياسية والإعلامية داخل المجتمع الغربي تأثير قوي ونافذ، هذه الجماعات ترفضنا وتصادر علينا وتمثلنا على أننا مجموعه من الإرهابيين والقَتَلة، أعداء للعلم والثقافة والحضارة ونقف بالمرصاد للمرأة ونكره الفنون والآداب.. وهم أول من يعلمون (الطابع الإنساني) لأهدافنا ووسائلنا باعتبار أنهم يكذبون ويمعنون في الكذب علينا وعلى أفكارنا وأهدافنا ووسائلنا؛ لأنهم يعرفون جيدا أن الطبيعة الإنسانية للإسلام ستعمل على تحجيم عولمة مكاسبهم وهيمنتهم وتسخيرهم الظالم للأرض والبشر.
أيضا هناك معوقات داخلية تتمثل أول ما تتمثل في تعاظم دور السلطة المستبدة وممارستها للإكراه والقهر على الناس لدفعهم في سلوك الطريق الذي تختاره لهم.. وهو طريق يتميز بتفكيك المجتمع إلى أفراد مبعثرين يسعى كل واحد منهم على وجهه في الحياة طالبا لأمور معاشه لا أكثر ولا أقل، وفي ذلك تستقوي هذه السلطة المستبدة بالغرب وجماعات المصالح ذات التأثير النافذ فيه، مصورة لهم أنها تحمي ظهورهم من (الأشرار).. والذين هم نحن كما نسمع ويقال لنا.!!!
والحقيقة نحن نتعامل مع هذه المعوقات بكثير من الحكمة والوعي.. فنحاول المرات تلو المرات أن نصحح الصورة الذهنية التي تكونت بطريقي مشوهة عنا في الوعي الغربي.. ونحاول أن ننشر رؤيتنا الإنسانية عبر الوسائط العديدة إلى كل الناس، على الجانب الآخر نحاول بكل ما نملك من جهد الارتفاع بوعي الناس لمستوى الحرية والكرامة والعدل والتأثير على السلطة لتكف عن تفكيك المجتمع وقهره مستخدمين في ذلك كل الوسائل المدنية المتاحة وهي قليلة للغاية في ظل المناخ الخانق الذي يلف كل شيء.
كتبها د / عبد المنعم ابو القتوح
عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين.
3 التعليقات:
جزاك الله خيرا
أستاذي الفاضل
إن كنت قد قرأت مقالك علي الوجه الصحيح
فأظن أن هناك تناقض بسيط حيث ذكرت حضرتكم أن المجتمع المدني هو الأقوي و الرهان يجب أن يكون عليه ألا يناقض هذا ما ذكرته سيادتكم بعد ذلك أن من المعوقاتسيطرة السلطة علي المجتمنع المدني فكيف يكون الرهان عليه؟؟؟؟
و هذا التناقض ليس نظريا فقط بل يؤكده الواقع فهاهي السلطة لم تسمح بتقوية أي من منظمات المجتمع المدني أو الأحزاب أو النقابات!!!!
فهل يستمر الأخوان في هذه المعركة الخاسرة منذ أكثر من عشرة أعوام ؟؟ وكيف تقول سيادتكم أن الأخوان يستمرون في تعليم المجتمع قيم العدالة و الحرية ثم تقر أن الوسائل قليلة فإلي متي؟؟؟؟ألا يكون هذا أنتظار للتغيير دون أخذ خطوة فعلية بحجة تهيئة الناس للتغيير؟؟؟؟؟؟
ثم كيف تري ذلك في ظل ضعف واضح من أفراد الجماعة المناط بهم التغيير؟؟ و كيف يتم ذلك و هم بهذا الضعف؟؟
و سؤال أخير كيف تري ذلك في ظل أزمة إقتصادية خانقة أغرقت الناس وكذلك قواعد الأخوان بالطبع في أزمة البحث عن لقمة العيش؟؟ أم ننتظر الفوضي الخلاقة التي تنتج من الجوع؟؟؟؟؟؟
متفق تماما
مع الدكتور ايمن منصور
ماذا يفعل الاخوان الان غير تضييع الوقت
والدروشة الفكرية
إرسال تعليق