08.06.09

ترغيب وترهيب أم ثواب وعقاب

Posted in ثقافات, دين, غباء, فلسفة عقيمة, مدونات, نفسنه tagged at 5:50 by kabreet

ليس هناك نظام من الأنظمة أو دين من الأديان إلا وقد اعتمد سياسة الترهيب والترغيب، اختلفت المبادئ واختلفت طرق المكافأة والمعاقبة ولكن السياسة واحدة. لأن الهدف من النظام أو الدين هو ببساطة تسيير المجتمع/ الإنسان في اتجاه يخدم مصالح النظام والقائمين عليه أو الدين والقائمين عليه وذلك باللعب على وتر الطمع الإنساني في الجزاء الحسن والخوف من العقاب.

والسؤال هنا: هل المكافأة تعطي للمحسن مكافأة له على الإجادة أم تحفيزا لغيره لزيادة الحركة في الاتجاه الذي سلكه وتشجيعا له على المضي قدما في هذا الاتجاه؟ وهل ينزل العقاب بالمخالف لأنه يستحق العقاب أم ردعا لغيره وتقديم عبرة لمن ينتوي الإتيان بمثل هذا الفعل؟

  • فإذا كان الغرض من المكافأة هو الترغيب والغرض من المعاقبة هو الترهيب… فهذا منطقي جدا وفعال في معظم الأحوال. فالعلم مزدهر في بعض البلدان لأن النوابغ فيه تتم مكافأتهم والعناية بهم ومنحهم الجوائز والمناصب والتقدير، ومضمحل في بلدان أخرى لعدم وجود الحافز الكافي لتحمل مشقة طلب العلم والإبداع فيه. ونجده مضمحلا جدا في بلدان أخرى أو نفس البلدان في أزمنة أخرى لأنه كان ممنوعا – لإضراره بمصلحة النظام / الدين – ولذلك كان من يشتغل به يعاقَب أشد العقاب.

ونجد أن النظم والأديان تراعي هذا البعد في سياسات المكافأة والمعاقبة، فالإسلام يعاقب مثلا السرقة بقطع اليد في مكان عام… فقطع اليد يترك إعاقة كبيرة وعلامة ظاهرة مهينة طوال الحياة، ويعاقب الزنا بالجلد علنا أو بالرجم حتى الموت علنا أيضا. والجيش يكافئ المجيدين بنجوم لامعة توضع على الكتف ونياشين ظاهرة توضع على الصدر، ودائما ما نسمع عن حفل لتكريم فلان على ما قام به من جهود لتحقيق هدف معين أو نشر أفكار معينة.

حدثنا ‏ ‏عبد العزيز بن عبد الله ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إبراهيم بن سعد ‏ ‏عن ‏ ‏ابن أخي ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏ابن شهاب ‏ ‏عن ‏ ‏سالم بن عبد الله ‏ ‏قال سمعت ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقول ‏: سمعت رسول الله يقول: ((كلّ أمّتي معافًى إلاّ المجاهرين، وإنّ من المجاهرة أن يعملَ الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستره ربّه، ويصبِح يكشِف سترَ الله عليه ((

هذا الحديث مثال صارخ على أن المعاقبة في الإسلام هدفها هو الردع وليس العقاب بدليل أنه إذا كان الذنب مستترا لا يشجع أحدا على الإتيان به – أو لا يهون القيام بالأمر على أحد آخر – فلا مشكلة كبيرة، وأما إذا تمت المجاهرة به فهنا تكمن المشكلة الكبرى.

  • و أما إذا كان الهدف من المكافأة هو المكافأة من أجل المكافأة، و الهدف من العقاب هو العقاب من أجل العقاب والانتقام والنكاية بالمخطئ. فلا أرى أي منطق وراء الثواب والعقاب هنا. فقد فقدَ معناه وأصبح بلا هدف.

هنا يجب أن ننتبه لنقطة أساسية وموضوع يجب أن يطرح للمناقشة حتى نقترب أكثر من الحقيقة وراء الثواب والعقاب، وهو: هل المخطئ مخطئ؟ وهل المحسن محسن؟… يتشابه هذا السؤال مع السؤال الأزلي (الإنسان مسير أم مخير؟) ولكن ليس ما أقصده هو هذا السؤال، على الأقل حتى لا نفكر فيه بخلفيتنا المسبقة عن السؤال الأزلي. إذا فلنسأل سؤالا جديدا: هل يمكن أن يكون الإنسان مخيرا؟…

فعندما يتخذ الإنسان قرارا – أي قرار بداية من أرجحة يديه أثناء المشي إلى القتل أو إعلان الحرب أو اعتناق دين ما أو الخروج منه –  فإن هذا القرار يكون مبنيا على عدة عوامل ولنفرض أن بعضا منها مفروض على الإنسان وخارج نطاق سيطرته و أن البعض الآخر خاضع تماما لاختيار الإنسان وإرادته الحرة (وهذا البعض هو الذي من الممكن – فقط من الممكن – أن نقبل فكرة عقابه على سوءها لمجرد العقاب والانتقام).

الجينات الوراثية – القناعات الفكرية – طبيعة روح الإنسان (فرض جدلي فقط) – الصفات الشخصية – الغرائز والرغبات … إلخ

أولا: وجود الإنسان في حد ذاته ليس بإرادته، فالإنسان لم يولد/ يوجد بناءا على رغبته حتى ولو زعم البعض أن الإنسان خيّر في الوجود. فكيف خيّر واختار قبل أن يوجد؟ وحتى لو كان خيّر واختار فهو قد استخدم غروره في الاختيار والقرار وهذا ما لم يكن قد اختاره بعد (أن يكون مغرورا).

ثانيا: الجينات الوراثية التي تؤثر في قرارات الإنسان… ليس من المنطقي أن نتحدث عن كونها مفروضة على الإنسان أم حصل عليها باختياره.

ثالثا: القناعات الفكرية التي توجه قرارات الإنسان في اتجاه خدمتها (الدين – اقتناع بقيمة مثل العدل أو الحرية – اقتناع بسيادة جنس معين على بقية الأجناس أو جنسية معينة على بقية الجنسيات…).

جميع تلك القناعات قد اكتسبها الإنسان من البيئة المحيطة (نصائح الوالدين – المدرسين – التليفزيون – كتاب قرأه الإنسان – حوار بين اثنين سمعه صدفة – تعاليم دينية – الإرشادات على ظهر غلاف الكتب المدرسية – جنسيته أو جنسه…)

رابعا: طبيعة روح الإنسان – فضلا راجع أولا وثانيا لأنه لايوجد ما يمكن أن يتاقش هنا.

خامسا: الغرائز والرغبات (الطعام والجنس والشعور بالانتماء والإحساس بالأمان والأمن وغيرهم من الحاجات الأساسية للإنسان) لها تأثير كبير على مسار قراراته ولكنها أيضا مزروعة بداخله لم ينتق أيا منها ولم يرفض غيرها.

سادسا:  الصفات الشخصية التي تؤثر في اتخاذ الإنسان لأي قرار (الطمع – الغرور – الأنانية – الطيبة – الذكاء – الغباء – الإخلاص… إلخ). هذه الصفات هي ناتج مزيج ثانيا (الجينات الوراثية) وثالثا (القناعات الفكرية) وخامسا (الغرائز والرغبات).

فماذا بقي لنا لنعاقب المخطئ لأنه مخطئ وهو لم يختر الأدوات التي أعطيت له ليخطئ، أو لنكافئ المحسن وهو لم يختر الأدوات التي أعطيت له ليحسن؟

الجدل في هذا الموضوع قد يشبه الدالة المتكررة (Recursive Function) فمثلا:

س: مثلا لو كان السبب الرئيسي في قرار ما اتخذه الإنسان كتابا قرأه باختياره، أليس هذا باختيار؟

ج: هو اتخذ القرار بقراءة الكتاب باستخدام جيناته الوراثية وصفاته الشخصية وقناعاته الفكرية و..و…و…

أرى مما سبق أن الثواب والعقاب هما وسيلتان فقط للترغيب والترهيب – وهذا واضح أيضا في المثال الشهير (الجزرة والعصا) حيث الهدف منهما فقط هو تسيير الحمار المسكين المخدوع جارّا أو حاملا الحمولة المراد نقلها – وأما غير ذلك فعلمه عند من يعلمه.