مصر والمصريون..
مواقف سريعة لاحظتها فيما مضى من أيام، لكنها ليست خارج السياق العام لتصرفات قطاع عريض من الشعب المصري:
-1-
عندما استضيف اثنان من الصيادين المصريين العائدين من الصومال، على قناة المحور، سأل الاعلامي معتز الدمرداش سؤالا: ما الذي اضطر الصيادين إلى الذهاب إلى قرب الصومال لصيد السمك في حين تتمتع مصر بمسطحات مائية واسعة؟
كانت اجابة الصياد عبارة عن سرد لأحواله الشخصية ووصف لأسباب حاجته للمال..
-2-
عندما تم، في حلقة أخرى من نفس البرنامج، استطلاع آراء مستخدمي انترنت المصريين، حول ما يسمى بسياسة الاستخدام العادل لانترنت، التي قررتها وزارة الاتصالات فجأة، كانت الردود في نطاق مدى حاجة كل طالب لانترنت، لتحميل الأبحاث والاستفادة منها في العمل والبحث العلمي الجاد..
بالطبع، كان الكلام محاولة لنفي اتهام مسبق من الدكتور عمر بدوي لمستخدمي الانترنت بأنهم من هواة الداونلود (والعياذ بالله)..
-3-
في حادثة غرق الشباب المصريين الهاربين إلى إيطاليا، نذكر كيف وصموا بـ(الطماعين)، وبغض النظر عن ملابسات ذلك فكان واضحا أنه رأي موجود لدى تيار لا بأس به على الاطلاق..
-4-
لا يشعر المصري اليوم بأن من حقه أن يحيا ككل البشر في كل العالم، انه يشعر دائما بالحاجة لتبرير طلبه للمال بالحاجة الماسة، هو لا يشعر بحقه في أن يكون غنيا كفلان من الناس أو أن يملك مثل ما يملكه آحاد الناس في بلاد أخرى..
لا يشعر المصري أن من حقه أن ينال خدمة مناظرة لما يحصل عليه الناس في كل الدنيا طالما دفع ثمنها تماما كما دفعوا (أو ربما أكثر)، بل عليه أن يبرر حاجته للخدمة تبريرا محترما يقبله السيد مقدم الخدمة ليتعطّف مانحا إياه هذه الخدمة..
وفي حين أن السفر طلبا للرزق والغنى، ولتحصيل الثروة والعلم، هي قيم محمودة في كل العالم، يحترم صاحبها ويقدّر كفاحه، فإن المصري مطالب بتبرير سفره تبريرا أخلاقيا، تماما كما انه مطالب باستصدار تصريح من السلطة الحاكمة لتسمح له بهذا الفعل (الممنوع في الأصل)..
إن الفقر وضيق ذات اليد ومستوى الدخل المتردّي لأغلب المصريين -حقيقة- ليستا أبدا ما يجعلان الحياة في وطني، حياة لا تطاق..لم أر ذلك أبدا ولا أظن أن أحدا قد يقول به..
لكن نكد الحياة بلا ريب، أن أضطر لتبرير طلبي لحقي..حقي الطبيعي الذي يقوم به الانسان في كل مكان في هذا العالم، يصبح طلبي له تهمة في الأصل، سواء كانت تهمة بالطمع أو التفاهة أو الدلع أو الداونلود..
إن هذه الثقافة التي زرعت بفضل إعلام مداهن للسلطة دائما، ينظر إلى أن كل أدواء مجتمعنا هي في طمع الشعب الذي لا تنتهي مطالبه، المبالغ فيها وإن لم تبلغ عشر ما يناله كل الناس في كل الأرض (كما يعلم ذلك جيدا كل من سافر خارج الحدود)، هذه الثقافة أتاحت للسلطة الركوب على ظهر هذا الشعب وفعل ما شاءت به، أما كل من يعترض، فهو يعترض إما لأنه (طمّاع) أو لأنه يريد تحميل الأفلام من الانترنت، وطبعا لأنه الحكومة ولي أمره وهي أدرى بما ينفعه وما يضره، فهي تقرر له إن كان مسموحا له بالسفر لطلب الرزق أم لا، دون أن تكون مطالبة بتوفير بديل محترم له إن رفضت، وهي تقرر ما يجب عليه تحميله من انترنت وفي حدود كم من وحدات البيانات، وهي تقرر أيضا متى يسافر لآداء العمرة والحج ومتى لا يسافر..وأكثر من هذا، أنها تقرر أيضا أنه لا يحق له تملّك بيتا أغلى مما ترى أنه مقام المصري ومستواه، فإذا فعل فهي تجبي منه إيجار بيته بدعوى أنها ضرائب..و(طز) في شاب مكافح ربما وفّر ثمن بيته بشق الأنفس، أو أسرة ربما لا تملك إلا بيتا تسكنه ورثته عن عائلها، وفي سكان يدفعون قيمة ضرائب بيوتهم المستأجرة لصاحب العقار فوق الإيجارات، فهم جميعا لا يحق لهم، حتى لو دفعوا ثمن هذا البيت، أن يملكوه أو يسكنوه كما يملك الناس بيوتهم في كل العالم!!
كان ثم اعتراضات ساخنة في مصر منذ فترة، على نظام “الكفيل” السعودي، بعد مشاكل تعرّض لها بعض المصريين في السعودية، أود أن أخبر شعبي بحقيقة: العامل الفلبيني ذو الأجر البسيط والخبير الأمريكي ذو الأجر الفلكي (وكل الأمريكيين خبراء بالطبع)، يدخلان إلى السعودية على السواء بنفس النظام، لكن (الكفيل) أبدا لا يستطيع هضم حقوق الأمريكي، ولا الفلبيني على السواء..هل يستطيع المصري أن يدرك، لماذا هو وحده المعرّض لانتهاك أي أحد في كل العالم؟!