سيزيف مصري

في الأسطورة الأغريقية، سيزيف في الجحيم وعقابه أن يرفع صخرة من القاع حتي قمة جبل شاهق، وقبل أن يصل بقليل تسقط منه لأسفل، فيعود ليبدأ من جديد، بلا نهاية. ما أشبه ذلك بنا، أولادك يا بلدي

Sunday, May 03, 2009

فلنشنقهم من أقدامهم هم وخنازيرهم


فلنشنقهم من أقدامهم هم وخنازيرهم
--
أو الأنفلونزا الطائفية




القصة بدأت من أن أكثر من 100 محامي تقدموا بطلب "إلى اللواء حبيب العادلى وزير الداخلية، يطالبونه باعتقال جميع أصحاب مزارع الخنازير كإجراء احترازي، حتى يتم إعدام جميع الخنازير، كما طالبوا باتخاذ التدابير الوقائية السريعة لإحكام الرقابة على جميع المنافذ لمنع تهريب الخنازير والتحفظ على كل المتعاملين مع الخنازير، سواء من يجمعون القمامة أو يخالطون الخنازير، وإجراء الفحوصات عليهم كإجراء إجبارى (اليوم السابع)"
ه

شعرت أن هذا الخبر بالذات تنقصه البراءة التي تنظر لك بعينيها الواسعتين في مثل تلك المواقف المماثلة – مقارنة مثلاً بخبر ذبح كل الخنازير في مصر.

إنفلونزا الطيور وجنون البقر لا تعني أن علينا التخلص من كل الطيور والبقر. الموضوع واضح، مثل أن تتخذ دولة قراراً بمنع نقل الدم ومنع الجنس للتخلص نهائياً من مرض نقص المناعة المكتسب، الإيدز.

يمكن لأي شخص بالطبع أن يفهم موقف المسلمين الواضح من "الخنازير". فالمبررات تبدأ من النص الواضح الذي يحرمها في القرآن وتنتهي بالحقائق الشعبية التي يدفعها بعضهم: "مقرفة"، "شكلها وحش"، "تخيل إن الذكر بتاعها هو الحيوان الوحيد اللي ما عندوش مشكلة إن الأنثي بتاعته تمارس الجنس مع ذكر تاني قدامه"، "توجد ديدان في لحمها"، "بتاكل الزبالة"، ...الخ.

ولولا أسباب معقدة لكان موقفي ليس ببعيد عن هذا، ولكني ليس لدي مشكلة مع الخنازير (وهذا أمرٌ شرحه يطول). ه

ولكن الأمر لا يخلو من وجاهة – رغم كل شيء. كان لي أصدقاء من الأجانب، وعندما كانوا في زيارة لمصر لم يقبلوا أن يأكلوا من لحم الخنازير المصرية، وكانوا يقولون أن تربيتها هنا مختلفة عما يحدث في مواطنهم وأنها لا تتغذي على القمامة كما يحدث هنا لهذا فهم لا يأكلون منها لدواعي صحية.
وهذا صحيح. إذا أتيت بإنسان وعزلته ومنعت عنه الطعام ووضعت له هذه القمامة التي تأكلها الخنازير فسيأكلها بعد أسبوع من الجوع في أصعب الحالات ويومين في أسهلها. فالمشكلة لدي المربيين وليس الخنازير.

تخيلت أنه ستكون هناك "أنفلونزا الخرفان".

هل سيجرؤ أو يطاوع أي من هؤلاء المحامين "قلبه" أن يطلب من السيد اللواء وزير الداخلية طلباً مماثلاً؟ سيكون الأمر مختلفاً، لأن الخرفان ليست كالخنازير عند المسلمين – على الأقل حماها الله من الإنفلونزا ولم يحمي الخنازير.

لا تمثل الخنازير في مصر مصدر خطر للأنفلونزا السائدة في العالم الآن، كما أكد الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة في لقاء في البيت بيتك. ولكن رغم هذا فكما قال فهذه فرصة لتصحيح الوضع الخاطئ والظروف السيئة لتربية الخنازير – وليست فرصة لإعلان مصر خالية وطاهرة من الخنازير.

ما أراه بين السطور في تلك المبادرة من السادة المحامين هو أنفلونزا طائفية تختلط بالجهل، موقف من هؤلاء "القذرين وخنازيرهم، وكل من يخالطهم. ألا يكفي أننا نتركهم وحالهم ولا نمنع تلك اللحوم العفنة التي يأكلونها حتى يصيبوننا بالإنفلونزا اللعينة؟"

"فلنشنقهم من أقدامهم هم وخنازيرهم"

(من وحي تعبير عظيم على لسان أحد المجانين في فيلم "إسماعيل ياسين في مستشفي المجانين")

والبقية تأتي...

وربما ليس من الأقدام...

Friday, April 10, 2009

الصمت مشاركة في الجريمة وتواطؤ مع مرتكبيها


الصمت مشاركة في الجريمة وتواطؤ مع مرتكبيها


نعلن نحن الموقعين أدناه إدانتنا للاعتداء الذي تعرض له عدد من المواطنين المصريين المسالمين في قرية الشورانية – مركز المراغة – محافظة سوهاج بسبب الاختلاف في العقيدة


إن هذا الاعتداء يضع جميع القوى السياسية والمؤسسات الدينية وفي مقدمتها الدولة والحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، أمام مسئولياتها التي لا سبيل للتراجع عنها لإنقاذ بلادنا من العنف الطائفي الذي يهدد البلاد بحريق لن ينجو منه أحد.


الجميع مطالب بإدانة صريحة لهذا الاعتداء الإجرامي - الذي يؤثمه القانون وتأباه جميع الأديان والعقائد - على مواطنين مسالمين لا لشئ إلا لاختلافهم في العقيدة أيا ما كانت المبررات.


الجميع مطالب بالضغط على الدولة والمؤسسة الأمنية لسرعة تقديم المتهمين للمحاكمة وأعمال القانون بحقهم ضمانا لعدم تكرار الجريمة.


الصمت مشاركة في الجريمة وتواطؤ مع مرتكبيها من المنفذين والمحرضين، ولن يؤدي إلا لاتساع وتيرة العنف الطائفي الذي سيدفع ثمنه الجميع.

الموقعون
أولا: المنظمات غير الحكومية

--
1. للمؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان
2. المؤسسة المصرية للحريات
3. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
4. المركز المصري لحقوق الإنسان
5. مصريون ضد التمييز الديني (مارد)
6. منتدى الشرق الأوسط للحريات
7. المركز المصري للتنمية وحقوق الإنسان

ثانيا: الأفراد (أبجديا)

--

1
د/
أحمد حسين الأهواني
أستاذ مساعد بقسم الهندسة الكيميائية جامعة القاهرة
2
د/
أحمد صبحي منصور
مدير المركز الدولي للقرآن
3
أ/
إسلام صبحي حمدون
مدير المؤسسة المصرية للحريات
4
أ/
إسماعيل محمد حسني
باحث في الإسلام السياسي
5
أ/
اشرف ادوارد كيرلس
محامى بالوحدة القانونية للمركز المصري للتنمية وحقوق الإنسان
6
م/
أكرم إسماعيل محمد
مهندس
7
أ/
أيمن حلمي
مترجم وموسيقي
8
أ/
جوزيف إبراهيم سعد
مدير المركز المصري للتنمية وحقوق الإنسان
9
أ/
حسام بهجت
مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
10
أ/
راندا شوقي الحمامصي
كاتبة
11
أ/
سعيد عبد المسيح عبد الله
محامى بالوحدة القانونية للمركز المصري للتنمية وحقوق الإنسان
12
د/
سناء فؤاد
طبيبة
13
د/
سهام عبد السلام محمد
طبيبة وباحثة أنثروبولوجية
14
أ/
سيد محمود
صحفي
15
أ/
شريف هلالي
المدير التنفيذي للمؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان
16
أ/
صفوت جرجس
مدير المركز المصري لحقوق الإنسان
17
م/
عادل جندي
كاتب وباحث
18
أ.د/
عادل زكى
أستاذ بجامعة القاهرة
19
أ/
عزت عزيز حبيب
محام وناشط حقوقي
20
أ/
عفاف السيد
كاتبة وناشطة في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان
21
م/
عماد الدين حامد عطية
مهندس
22
د/
عماد بدر الدين أبو غازي
أستاذ مساعد بكلية الآداب جامعة القاهرة
23
م/
عماد توماس
مهندس وكاتب
24
أ/
عياد بشاره
محاسب بالمعاش
25
أ/
كمال زاخر موسى
رجل أعمال - منسق عام التجمع العلماني القبطي
26
أ/
لورا جرجس
باحثة
27
أ/
مجدي خليل
مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات
28
د.م/
محمد منير مجاهد
مهندس بوزارة الكهرباء والطاقة
29
أ/
محمود احمد عبد القادر علي
(الشهير بمحمود الفرعوني)
مترجم ووكيل مؤسسي الحزب المصري الليبرالي (تحت التأسيس)
30
أ/
محمود الزهيري
محامي وناشط سياسي
31
أ/
مريان فاضل
باحثة وناشطة حقوقية
32
م/
ناجى أرتين سمور
مهندس زراعي حر
33
أ/
نصر القوصى
صحفي
34
م/
نصري جرجس نسر
مهندس
35
أ/
نـعـيـم صبري
كاتب وروائي

علي من يرغب في إضافة توقيعه أن يرسل اسمه وصفته على الإيميل
ded_altamyez@yahoo.com

Sunday, March 22, 2009

Rima Khcheich on El Genaina ريما خشيش على مسرح الجنينة

المطربة اللبنانية الرائعة ريما خشيش في مصر
علي مسرح الجنينة، بحديقة الأزهر
ستقدم ريما خشيش في الحفل موشحات وموال بمصاحبة عازف الكونترباص الهولاندي طوني اوفرواترحفل متميز , تقدمه ريما التي عادت بعد 25 سنة من سيرتها الفنيّة الحافلة بالغناء الطربي المنفرد, لتخوض التجربة الموسيقية الأصيلة: صوت واحد و الة واحدة.
الجمعة24 إبريل
الساعة الثامنة مساءً


علي الفيس بوك

Friday, February 13, 2009

صباح الخير


1

-
صباح الخير
-
يا أخي ليه ما بتقولشي تحية الإسلام؟
2
-
هو لما حد بيخبط علي الباب مش احنا بنقول "مين"؟
-
أيوه
-
هي زيها بالظبط زي التليفون، بنقول "ألو" وهو بقي يرد، يقول "مساء الخير" "سلاموا عليكم"، يقول الي هو عايزه، وبعدين بقي احنا نرد عليه
-

بس في بريطانيا مثلا بيقولو "هاللو" وفي فرنسا "ألو" إيه المانع بقي إننا نقول "سلاموا عليكو" ؟
-

أصل التحية دي ليها معني، معني السلام. المفروض اللي متصل هو اللي يقولها مش اللي بيرد، وعلى فكرة هما لما بيردوا بيقولو
yes و oui
-
ما تفرقشي، إنت اللي مكبر الموضوع ع الفاضي
-
أيوه أيوه. الأحسن ما ترديش خالص
3
-
يا أخي، إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها، مش كده؟
-
أيوه، بس أحسن منها من وجهة نظر اللي بيسلم والا اللي بيرد التحية؟
-

وجهة نظر الإسلام
-
حتي لو هما الاتنين مسيحيين مثلا؟
-
إنت بتستعبط، مش كده؟
4
-
يعني من ألف وربعميت سنة وهتيجي دلوقتي تعدل علي الفقهاء
-

يا عم فقهاء إيه، الموضوع بسيط، أنا أوضح لك
-

وضح لي يا عم
-

تفتكر النبي (ص) لما كان بيدخل الأوضة مثلا ويلاقي زوجته السيدة عائشة نايمة في السرير وصحيت، كان بيقول لها إيه؟
-

وإنت إيه الي عرفك؟
-

أكيد مش "السلام عليكم". يعني لا يتفق الحال إنه يقولها "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أم المؤمنين"
-

أمال كان بيقول إيه؟
-

ما اعرفشي بالضبط طبعاً، بس أكيد كان بيقول ما معناته "صباح الخير يا جميل"
-

طب استغفر ربنا بقي أحسن تنسخط قرد
5
-
السلام عليكم!!
-

يا عم خضتني.
-
..............
-
إنت أصلا لو تاخد بالك من معني الكلام ده ما تقولهوش بالشكل ده الي بيغير معناه، سلام إيه بقي اللي إنت جاي يتقول عليه

6
-
ما هو لكل مقام مقال
-

يعني إيه؟
-

يعني فيه صباح الخير وصباح القشطة وسعيدة والسلام عليكم وعواف ومساء الخير، فيه تحيات لمناسبات معينة وفيه تحيات لثقافات معينة، يعني في الريف مثلا أو في المناطق الشعبية وللا العشوائية
-

أيواااه. أهو أنا بقي بحب أقول "السلام عليكم" عشان ده تحية الإسلام
-

يعني لما تكون أثناء يومك العادي وقابلت حد أو مجموعة من الناس ما تعرفهمش ممكن تكون "السلام عليكم" أفضل تحية. عشان إنت بتوصل لهم معني إنك مش قاصد شر وبتقولهم السلام. لكن مثلاً لما تكون في البيت أو في الشغل من صبحية ربنا، تقول صباح الخير. بتبقي أنسب، فيه حد يصحي من النوم يقول لأمه ولا مراته السلام عليكم؟ كل اللي بقوله أن فيه بدايل تانية أنسب والمفروض يبقي عندنا اختيارات والموضوع مش روبوت آلي ولا بغبغان
-

طب إيه رأيك إن في مرة واحد في بنزينة مسيحي ما رديش يقولي دورة الميه فين عشان قولت له سلاموا عليكوا؟
-

ماشي، ما هو ده غلط. هو بيصنف وبيمييز في معاملته. صنفك على إنك مسيحي وخد موقف منك عشان إنت قلت كده. وده مش كويس منه طبعاً. الفكرة إن من كتر المسلمين ما بيغييروش التحية دي، بقي الموضوع تصنيف، المسلم يقول كده والمسيحي يقول كده، وده يساعدك ويمووت نفسه عشانك لو قلت له "السلام عليكوا" وده يساعدك ويموت نفسه عشانك لو قلت "مساء الخير"
-

طيب يبقي المفروض أشوفه هو إيه الأول، مسيحي ولا مسلم، وبعدين أقول التحية المناسبة
-

يبقي إنت بترسخ للقرف اللي بيحصل ده, عشان مصلحتك
-

أمال إيه؟
-

لكل مقامٍ مقال
7
صباح الخير


Saturday, December 27, 2008

جاري يا حمودة

جاري يا حمودة حمووودة

ويا جاري جبار عليا يا مّا يا جاري جبار عليا يا مّا
ناس تبات ارقودة ارقودة
وأنا نومي حرُم عليا يا مّا وأنا نومي حرُم عليا يا مّا

حمودة يا جاري يا جااااري
وإنت الي مشعلّي ناري يا مّا إنت الي مشعلّي ناري يا مّا

يا ريتك تسكن داري في داري
ومثل الشمعة ضوي عليا يا مّا مثل الشمعة ضوي عليا يا مّا

يا ليلي يا ليلي يا ليل ليلي يا ليلي يا ليل
ليلي يا ليل آه يا عيني يا يا يا يا ليل يا ليلي يا ليل
يا ليل يا ليل يا ليل يا ليل

يا شاري تُفاحة تفاااحة
وما تشريشي بالفرديا ياما ما تشريشي بالفرديا ياما
اشري جوز ملاحة ملاحة
واحده ليك وواحدة ليا يا ما واحده ليك وواحدة ليا يا ما

جاري يا حمودة حمووودة

يا جاري جبار عليا يا مّا يا جاري جبار عليا يا مّا
ناس تبات ارقودة ارقودة
وأنا نومي حرُم عليا يا مّا وأنا نومي حرُم عليا يا مّا

http://www.youtube.com/watch?v=89_8LADUetA

Saturday, December 06, 2008

مسلمون ومسيحيون وكائنات أخرى

مسلمون ومسيحيون وكائنات أخرى!

1


عندما تشتري جارتنا "أم علي" العطارة ولوازم الطهي من "رزق" المسيحي، ولا تشتريها من الشيخ "محمد"، فهذا سلوك علماني.

ولكن ليس الأمر بهذه البساطة. هي تفعل هذا لأن البضاعة الأجود والخدمة الأفضل عند الأول، ولم يدفعها اشتراكها في الدين مع الثاني إلي تجاوز تلك المفاضلة العملية، واختيار الشيخ "على عيبه". على أن الأمر يختلف لو تصورنا تساوى الاثنين في مستوي الخدمة وجودة البضاعة، وفي بعدهما عن بيتنا؟! وأعلم أنها ستنزعج من الكلمة "علماني"، خاصة في هذا السياق الذي يصف سلوكاً لها، فالوعي الشعبي لدينا مشحون ضد الكلمة ويلصق بها ويرادفها بأشياء كثيرة خارج حدوده، أولها الإلحاد.

ونقرأ في صحيح الإمام مسلم، عن أنس وعائشة أن « رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- مَرّ بِقَوْم يُلَقِّحُونَ. فقال: لو لم تفعلوا لَصَلُحَ قال: فخرج شِيصا. قال: فمرَّ بهم. فقال: ما لِنَخْلِكم؟ فقالوا: قلتَ كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم». صحيح مسلم (4/1836، رقم 2363)

أي أن النبي (ص) قال رأيه في شيء خارج حدود علمه، رأياً شخصياً ليس مصدره الوحي، وعندما أخذ الزارعون برأيه لم يثمر النخل في هذا العام لأنه لم يُلقّح كما كان يحدث في المعتاد. وكان تعليقه، "أنتم أعلم بأمر دنياكم". والجدير بالتأمل أن الإمام مسلم وضع هذا الحديث تحت باب اسماه "وجوب امتثال ما قاله الرسول شرعا، دون ما ذكره من معايش الناس" أي أن ما يتعلق بشؤون الدنيا لا يتوجب الامتثال به.

قد يصدم البعض حين نقول له أن هذا يعني أن هناك "حقائق" أو "مسائل" أو "أمور" لا نستطيع أن نعلمها أو نجدها في القرآن والسنة! فالفكرة الشعبية السائدة - والتي توجد في بعض خطابات دعاة اليوم – هي أن هذا الكتاب لم يغادر صغيرة ولا كبيرة (وهي فكرة مبنية على اقتطاع لجملة عن سياقها بشكل جعلها تعني ما لا تعنيه، وردت في سورة الكهف الآية 49).

فتلك المعلومة التي لم يكن النبي يعرفها في تلك الحادثة تجدها مثلاً في كتاب بسيط عن تكاثر النباتات أو عن زراعة النخيل ولكن بالتأكيد ليس في القرآن، فمن المفهوم أن الوحي لم ينزل بكل شيء. ولكن بالتأكيد كذلك أن هؤلاء الزارعين في المدينة لم يكونوا بحاجة لكتاب لمعرفة هذا. فالمعرفة التي تكتسبها الجماعة عبر الزمن وتتناقلها جيل بعد جيل، يتم حفظها عبر وسائل الحفظ المتاحة، بالكتابة أحياناً و بالرواية الشفهية في أحيانٍ أخرى.

ولنكن أكثر جرأة فنقول أن هؤلاء الزارعين أصابهم أذى ما وقتها، اقتصادياً، عندما لم يثمر نخيلهم في هذا العام. وما السبب؟

السبب هو أنهم آمنوا بأنه في معرفة النبي (ص) والوحي الذي يأتيه، ما يمكن أن يغنيهم عن المعارف الأخرى التي لم يكن مصدرها "السماء" وإنما "العلم" أو فلنقل "الخبرة الإنسانية". لهذا أخذوا ما سمعوا من النبي (ص) دون إعمال للعقل. ونتفهم بالطبع أن تصرفهم هذا طبيعياً، أعني اعتماد كلام النبي (ص) دون مراجعة.

ولكن كان النبي وقتها بينهم ليخبرهم بتلك الحقيقة التي أشبه بالاعتذار "أنتم أعلم بشئون دنياكم". أما الآن، فلم يعد يسير بيننا. ويعني هذا أنه هناك احتمال لحدوث أذى آخر بتبني هذه الفكرة الخاطئة، أن القرآن (والسنة) لم يغادر(ا) صغيرة ولا كبيرة، فيجب أن يكون لدينا معايير واضحة لما يجب أن نأخذه من نصوص الدين، وما يجب أخذه من مصادر المعرفة الإنسانية الأخرى.

وهكذا تلتقي التعريفات الأساسية للعلمانية "فصل الدين عن الدولة" أو "عدم الحكم على النسبي بما هو مطلق" حول هذه الفكرة، أن هناك ما يجب أخذه من الكتب المقدسة (طقوس وشعائر العبادة، وغيبيات، ...الخ) وهناك (الزراعة، السياسة ...الخ) ما نجد له مصادر أفضل منها، وهذا لا ينتقص من الكتب المقدسة في شيء
.
2

هل النصوص المقدسة (الآيات القرآنية كمثال) موجودة من أجل خدمة الإنسان، أو أن الإنسان موجود لخدمتها، أي تنفيذها وتفعيلها؟
سؤال مركزي عند الحديث على أمر العلمانية.

قد يختلف البعض حول تفسير آيات القرآن الكريم، وحتى حول النداء باعتبار (القرآن) دستوراً المسلمين. ولكلٍ منطقه. ولكن لن يختلف أحد المسلمين على مبدأ شديد الرسوخ في الثقافة الإسلامية: يجب تطبيق أحكام الحدود التي ذكرت في القرآن. جاء بها الوحي لنطبقها. نقطة، وانتهي.

حادثة تاريخية نذكرها. في خلافة عمر بن الخطاب، اشتدت المجاعة والقحط في السنة ال 17 للهجرة واستمرت لتسعة أشهر. وسمي العام بعام الرمادة، وقيل لأن الأرض اسودت من قلة المطر حتى عاد لونها شبيها بالرماد. في هذا العام، لم يطبق أمير المؤمنين على السارق حد السرقة (قطع اليد طبقاً للآية القرآنية، 38 سورة المائدة). يسهب الفقهاء في وصف الظروف وقتها وكيف أنه – عمر – قد اجتهد. ولكنهم لا يرفضون المبدأ، بل على العكس، يسوقونه في اعتزاز كدلالة على مناسبية الدين لكل الظروف وقابليته للمرونة ليتماشي مع محن كل وقت.

ولكن دعونا نتأمل ما حدث، بدون محاولة أخذ موقف معه أو ضده. مع الأخذ في الاعتبار أن الخلفاء الراشدين، وعمر بن الخطاب بالذات، توضع في المرتبة الثانية بعد النبي (ص)، وقبل سائر الصحابة وكذلك الأئمة الأربعة. في ظل تلك الواقعة، نتبين أن عمر بن الخطاب قد تصرف على أن النص موجود لخدمة الإنسان لا العكس. فلو أن النص أو الآية أو الحُكم هو ما يعنينا لتم تنفيذه بغض النظر عن الظروف. ولكنه لخدمة الإنسان – أي أنه لو اكتشفنا أنه لا يخدمنا في وقت ما، فلا يلزم التمسك به! وتصير فكرة أنه "مجرد" نموذج يمكننا تبنيه أو تصميم ما شابهه أو التعلم منه، فكرة جديرة بالتأمل.
حسناً، سلوك عمر بن الخطاب هذا، الذي قد يصفه البعض بأنه مستنير أو واقعي، أصفه أنا بتلك الصفة التي ربما لم تعد مفاجئة: علماني.

ربما لن تنزعج جارتنا "أم علي" من الكلمة الآن
!

3

عندما كنت في السادسة عشر كتبت له رسالة لكنني لم أرسلها له أبداً. كان في نظري وقتها الشخص الوحيد الذي يمتلك المعرفة: العلم والإيمان معاً. ورغم أنه المسئول عن فتح هذا الباب في مرحلة ما، ببرنامجه الشهير في التليفزيون المصري في الثمانينات، والذي قفزت منه بعدها عفاريت العلبة في أوجهنا وأوجه العالم، إلا أني لازلت أقدره كباحث عن الحقيقة لا يدّعي امتلاكها، مقارنة بـ د. زغلول النجار مثلاً. أعني بالطبع د. مصطفي محمود. وهذا الملمح الأخير عنه قرأته فيه بعد كتابه "الشفاعة" (1999) والذي أهاج عليه الدنيا وربما هو الذي جعله يعتزلها، رغم أن نهجه كان بحثياً والتفسيرات التي قدمها كانت محاولات لإزالة تناقض رآه.

في رسالتي كنت أطرح عليه أول المشكلات المنطقية التي قابلتني فيم يتعلق بالعقيدة. قلت له أني كمسلم ليس لي يد ولا فضل في اعتناقي هذا الدين. إنهما والديّ. تربيت عليه فآمنت. ولم أقرأ في الأديان الأخرى، لأن ديني – كما الحال في أي دين آخر – لم يطلب مني أو حتى يثني على من يفعل هذا – بل العكس (ورد في صحيح البخاري أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ـ رضى الله عنهما ـ قَالَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَىْءٍ، وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ، تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ وَقَالُوا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً، أَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ‏).

كان من الممكن أن أكون مسيحياً أو يهودياً أو...أو...لو كان أبي أو أمي غير ذلك. ففي العالم الذي نحيا فيه، الدين بالوراثة دائماً. وبحكم كوني مسلماً، فلا يطلب مني سوي أن أعمل الأعمال الصالحة وأقوم بالعبادات. عندها أكون أقرب لأن أستحق جنة الله، أو رحمته فيدخلني إياها. (قال أبو ذر أن النبي (ص) قال: "أتاني جبريل فبشَّرني: أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة". قلت: "وإن سرق وإن زنى؟" قال: "وإن سرق وإن زنى." البخاري 6956)
لكن ماذا عمن هو "غير مسلم"، إذا مر بنفس الظروف – ولد لأبوين غير مسلمين، ولا يأمره دينه بقراءة الأديان الأخرى، ويقوم بالأعمال الصالحة والعبادات في دينه؟

الموضوع الثاني هو إذا كانت الحياة الدنيا ما هي إلا متاع الغرور، كما في القرآن، وأنه بعد هذه السنوات القليلة ستكون هناك حياة أبدية لا تقارن بالدنيا، وإذا كان الله يعلم بالأشياء قبل حدوثها وكل العلم لديه منذ الأزل، فلماذا يخلق أهل الكفر أو الشر، ليعيشوا تلك الحياة القصيرة ويقترفوا الشر في العالم، وبعد ذلك يعذبهم إلي الأبد؟ ألم يكن من الأفضل ألا يخلقهم من الأصل ما دام يعلم بمصيرهم؟ أليس هذا أقرب للرحمة؟ سمعنا عمن قرر ألا ينجب للدنيا أولاداً رحمة بهم من عالم لا يعاش. نتحدث هنا عن رحمة الخالق. (عن أبي هريرة قال "جعل الله الرحمة مائة جزء. فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا. وأنزل في الأرض جزءا واحدا. فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتي ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" متفق عليه.)

تلك كانت بدايات سنوات التساؤل.

حسناً، في الحقيقة لا يجيب الدين – أي دين – عن كل الأسئلة. رغم أنه ليس هذا ما يتوقعه منه المؤمن. (نلاحظ أن الإجابات من عينة "الله اعلم" لا تعتبر إجابة حقيقية.)

ويكون عليك عند هذه اللحظة أن تكتفي بالردود التقليدية الجاهزة والتي يمكن أن تكون غير كافية أو مقنعة لك، أو أن تبحث عن دين أو قناعة أخرى تملك إجابات أكثر إقناعاً، أو أن تستمر في البحث والتساؤل، حتي يأتيك اليقين! والحياة اختيارات
.

4

تستطيع أن تبني رؤيتك للعالم على أساس أنه يمكن لأي شخص أن يدين بأي دين، ويأمن النهاية مادام يفعل الخير. ما أجمل ذلك!
يمكنك وقتها أن تعامل "الآخرين" على أنهم على "حق" – أعني حق "ما"! البديل لذلك، وهو ما يترتب عليه ما يحدث في واقعنا، الاعتقاد بأن الحقيقة واحدة فقط، أنت تملكها.
ولكن، حتى عندما تقابلك آية مثل تلك التي تقول: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (المائدة:69)، تفاجأ بتفسيرات مبتكرة تلتف حول معناها في أفضل الأحوال، وتنادي بأنها منسوخة في أسوءها! فأين هذا من "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"؟ أو "إن الدين عند الله الإسلام"؟
الأمر لا يخلو من صعوبة.
اليهودية لا تعترف بالمسيحية، لأنها جاءت بعدها. والمسيحية لا تعترف بالإسلام كذلك، لأنه بعدها، ولكنها تعترف باليهودية. الإسلام كذلك لا يعترف بالبهائية، ولكنه يعترف باليهودية والمسيحية كديانات – مع تحفظه على ما حدث فيهما من تغيير اسماه "تحريفاً".

لا مفر من الاختلاف. ونقرأ في القرآن "َلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (المائدة 48)

ما المشكلة إذن في أن نجعل ما لله لله وما لقيصر لقيصر؟ (إنجيل متى 22: 21)

ربما أننا نستبعد ذلك الاحتمال، بأنه ربما أن هناك ما لا نعرفه ويمكن أن نكتشفه يوماً ما. بأنه ليس لدينا كل الإجابات.

بأنه هناك كائنات أخرى. آخرون. وأن الوطن لنا جميعاً، كما أن الحياة لنا جميعاً.

ما أريد أن أقول هو أن العالم يمكن أن يكون أفضل، لكنه لن يكون.

لكن يوجد مع هذا الإيمان آخر بأنه علينا المحاولة. وفقط للحظات قليلة، قليلة بقدر حيلتنا، ربما يمكن أن نعيش تلك الجنة التي نحلمها. نعيشها وحدنا. ونشرك معنا من نحب أحياناً، ومن لا نعرف في أحيانٍ أخرى. لحظات تكفي لجعلنا نستمر، ونواجه جحيمنا المشترك وصانعيه، الذين تفوق مهارتهم "ذكاء قلوبنا"، كما يقول محمود درويش. ويقول كذلك:

"عندما يذهب الشهداء إلى النوم
أصحوا
وأحرسهم من هواة الرثاء
وأقول لهم: تصبحون على وطن
من سحاب ومن شجر
من سراب وماء."

فلتكن تلك هي الأمنية/ الحلم/ الدعاء.
تصبحون على وطن!

Monday, September 29, 2008

من وحي حريق المسرح القومي

من وحي حريق المسرح القومي

لا زال سبتمبر، أيلول، يأبي أن يتركنا وحالنا.

فقبل أن ينتهي بثلاثة أيام، نشب حريق في المسرح القومي، أكبر وأهم مسرح مصري، ولكن لم تحدث وفيات هذه المرة، كما حدث في مسرح قصر ثقافة بني سويف 5 سبتمبر 2005– فقط لأن الحريق حدث في نهاية الأسبوع والمسرح مغلق! كذلك ساهم وجود الإدارة الرئيسية للدفاع المدني في العتبة – علي بعد أمتار من المسرح – وعدم تراخي الأداء كالمعتاد لكون هذا هو الحريق الثاني بعد قرابة أربعين يوم – أعني حريق مجلس الشوري في 17 أغسطس – ساهم هذا في ألا يتحول الحادث إلي كارثة بامتداد النيران إلي المباني المجاورة. علي أن الحريق استمر لأكثر من ساعتين قبل أن يسيطر عليه رجال الإطفاء، وانتهاء مؤقت لمخاوف بانهيار قبة المسرح

ولكن الحادث يثير الكثير من تداعي الأفكار والهواجس.

علمياً، لا يشب الحريق هائلاً مرة واحدة إلا في حالة وجود مواد قابلة للاشتعال. غير ذلك تبدأ الحرائق صغيرة جداً ثم تبدأ في الاتساع ما لم يوقفها شيء.

لماذا لا تخمد الحرائق في مصر إلا بعد ساعات، تكون النار فيها قد فعلت ما تريد؟
ولماذا تشتعل الحرائق في مسارح الدولة ولم نسمع بحدوثها في أي من المسارح الخاصة؟

في كارثة حريق مسرح بني سويف، توفي رجلان من رجال الإطفاء أثناء محاولة مكافحة الحريق. وفي حريق مجلس الشوري توفي أحد رجال الإطفاء وأصيب آخرون بالاختناق. وأخيراً في حريق المسرح القومي أصيب ثلاثة منهم بالاختناق ونقلوا للمستشفي. مجرد صدفة أنه دائماً ما تفوق الحرائق مهارات رجال الإطفاء، حتي في البقاء علي قيد الحياة؟

علي أن وزارة الداخلية تعطي رجالها في مثل تلك الحالات لقب "شهيد" بما يتضمنه هذا من حقوق مادية وأدبية. من هنا يمكن الادعاء بأنهم أحسن حالاً من المسرحيين، الذين لم تهتم وزارة الثقافة (أو ترغب)، وأخفق من كانوا وراء المطالبة بهذا الحق – وكنت منهم – في منحهم هذا اللقب رغم وفاتهم الكارثية في محرقة المسرح، الذين بلغ عددهم 37 غير المصابين.

يبدو الحال وكأنه علينا – وكل من يذهب للمسرح أو ربما لأي مكان – أن يكون مسئولاً عن أمنه وسلامته الشخصية ومن يهمه. أن يحمل معه طفاية حريق، ويتفقد أبواب الطوارئ، ويجلس بجوار منفذ الخروج و...لا يترك الصغار وحدهم بالبيت دون رفيق.

لم يتغير شيء.

أي مسرح يمكن أن يحترق. وسرعة استجابة جهاز الإطفاء للحريق، مثلها مثل أداء رجاله، ونظم تأمين المسارح، مؤهلة لتحويل أي حادث بسيط إلي كارثة.

الغريب أنه رغم هذا، لا يزال هناك كثيرون لم يكفروا بالمسرح بعد.

علي أنه ربما أن هناك حلاً فنياً.

لدينا حظر علي إقامة عروض مسرحية بالشارع بموجب قانون الطوارئ. والفرق التي يتعلق مشروعها الفني بعروض الشارع لديها مشكلة، لا شك. فيجب طلب الموافقة الأمنية أولاً لتحصل علي تصريح بالعرض، مرفقة – بالطبع – بالنص ومكان وزمان العرض لتكون الأمور تحت السيطرة. والبديل هو العرض دون تصريح أمني، والجري في حالة "الكبسة!" لتفادي الاحتمال الذي به من السخافة بقدر الألم: دخول ممثلين السجن أو الحجز بسبب عرض مسرحيتهم.

في واقعنا المسرحي الذي أعرفه، لن تجد أكثر من ثلاث فرق ترتبط عروضها بالشارع. ورغم المشاكل مع الأمن وقسوة الظروف – مما جعلهم يدخلون المسرح في أوقات كثيرة ليعرضون بين جدرانه أو في مساحات معزولة أقرب لشكل الشارع (في حديقة مثلاً أو أمام مسرح أو في الأوبرا، الخ)، إلا أن هذا لم يمنعهم من الحلم علي الأقل بأن يأتي يوم يمكنهم فيه العرض في الشارع.

ألا يجب أن تدفعنا الأحداث، وحقيقة أن القاعات المغلقة ليست الأكثر أماناً بل أنها تستحيل إلي محرقة في يد غير أمينة، إلي المطالبة بالسماح بعروض الشارع؟

ألا يمكن للمخرجين وأصحاب الفرق المسرحية الذين تحتاج عروضهم لخشبة مسرح أو دوائر مغلقة البحث عن أساليب وحيل يمكن بها إقامة عروضهم خارج المسارح، لتوفير درجة من الأماكن بات من العسير وجودها بين أي جدران في مصر؟

ربما يستحق الأمر أن يقتل بحثاً، بدلاً من احتمالات القتل الأخرى. وأقول قتل، لأن حتي مسمي الشهادة محرم علي الآثمين، مقترفي الفن. ولسنا أفضل ممن رحلوا لننال ما لم يأخذوه رغم أحقيتهم له أكثر منا نحن، من رأينا ما لم يروه، في ضوء نيران الحرائق.

ما حدث أنه بعد كارثة مسرح بني سويف تم طرح فكرة تشكيل لجنة أهلية أو مستقلة من المسرحيين والنشطاء لتفقد المسارح من ناحية الأمن الصناعي وإعداد تقارير. ولكنها لم تتجاوز الطرح في أحد البيانات. وربما لن.

ولأنه لم يحدث شيء، وتشبه الليلة، وكل ليلة، البارحة، فلن يكون من السهل طرح ذلك الهاجس، بالاحتمالات المخيفة. ولن يعللني وقتها، أني لن أكون ها هنا عندما يحدث هذا، ولا إدعائي بصيرة الزرقاء، التي لا يحتاج الأمر لعينيها لرؤية الدخان/الغبار

"
ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟
قلت لهم ما قلت عن قوافل الغبار
فاتهموا عينيك، يا زرقاء بالبوار
قلت لهم ما قلت عن مسيرة الأشجار
فاستضحكوا من وهمك الثرثار
"

أصبنا كلنا بالهلع عندما بلغنا خبر احتراق المسرح القومي – وبالطبع ليس بالدهشة.

ليس من سبتمبر مفر. فهو يأتي كل عام، ولا يخلف موعداً.

وللأسف، فليس هناك، دائماً، للمسرح ربٌ يحميه.